نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية، الثلاثاء 8 فبراير/شباط 2022، تقريراً قالت فيه إن الولايات المتحدة عقدت سراً اتفاقية مع روسيا؛ لتخفيف الضغط السياسي على سوريا في الأمم المتحدة.
التقرير قال كذلك إنه إذا صدَّق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بأعضائه الـ15 على هذا الاتفاق، فسوف يعقد اجتماعات أقل حول الأسلحة الكيماوية التي استخدمها نظام بشار الأسد، كما سيعقد جلسات منفصلة حول الإغاثة الإنسانية وعملية التحول السياسي في سوريا، التي لم تتحرك إلا قليلاً خلال السنوات العديدة الماضية.
تنازلات أمريكية تاريخية لروسيا
في حين أوضحت المجلة أن المقترح -الذي لا تزال المفاوضات دائرة حوله من جانب المجلس- يعكس الإرهاق المتنامي في المجلس بسبب عقد الاجتماعات التي لا تنتهي والتي تشهد خوض مناقشات مطولة بين الدبلوماسيين حول المواد نفسها، وتفاقم الخلافات بين القوى الكبرى، وفي الوقت ذاته لا تحقق إلا أقل القليل من النتائج الملموسة.
لكنها تعكس كذلك أحدث حلقة من سلسلة التنازلات التدريجية التي قدمتها الولايات المتحدة والقوى الغربية إلى روسيا، التي ترأس المجلس في شهر فبراير/شباط 2022. وتستقي هذه التنازلات أسسها من السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية المتمثلة في تجنب الصدام مع موسكو وضمان بقاء شريان المساعدات الإنسانية الذي ينقل الإمدادات من تركيا إلى شمال غربي سوريا، والذي تريد روسيا قطعه.
الإحباط من استمرار معاناة الشعب السوري
الاتفاقية الأخيرة جعلت بعض الدبلوماسيين في مجلس الأمن يتنفسون الصعداء، إذ يقول هؤلاء إنهم أُنهكوا من الحرب الكلامية المتكررة بين القوى الكبرى حول مصير سوريا، مع عدم اتضاح شيء حول حل الصراع المستمر منذ عقد من الزمن.
لكنها أثارت كذلك انتقاداً من بعض المتخصصين في الشأن السوري، الذين قالوا إن الاجتماعات الروتينية للمجلس تواصل الضغط على النظام السوري الذي يستمر في تحدي الأعراف الدولية. وقالوا إن قرار خفض الاجتماعات يعطي إشارة إلى أن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الآخرون للمساعدة في تأسيس سوريا جديدة تشمل الجميع في أعقاب الحرب، فقدت قوتها وأنهم يُظهرون اعتزامهم التعايش مع الانتهاكات المتكررة لولايات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من جانب النظام السوري.
من جانبها قالت جمانة قدور، الزميلة الأقدم غير المقيمة في المجلس الأطلسي والمشاركة في منظمة سوريا للإغاثة والتنمية: "بكل وضوح، هذا تحديداً، ما تريده سوريا وإيران وما يريده الأسد. إنهم يريدوننا أن نُبعد أي أدلة ضغط تُعرض علناً لما يفعله النظام السوري في المدنيين من مواطنيه؛ بهدف إخراجه من الوضع الحرج".
في سياق متصل عرضت الولايات المتحدة وروسيا مقترحهما أمام الدول الـ15 الأعضاء بالمجلس في 31 يناير/كانون الثاني 2022، في اليوم الذي تبادل فيه أعلى مفوضين للبلدين في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد وفاسيلي نيبينزيا، اتهامات مريرة حول أوكرانيا. استُقبلت الخطة برفض مبدئي من أعضاء المجلس الآخرين، الذين قالوا إنهم في حاجة إلى مزيد من الوقت لمناقشة تفاصيل الخطة. ولكن يُتوقع أن يصدّق عليها المجلس بأكمله في نهاية المطاف، ربما بعد إدخال تعديلات قليلة.
استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا
فيما ستقلص الاتفاقية بين الولايات المتحدة وروسيا نقاشات المجلس التي تكون حادة على نحو خاص عند التعرض لاستخدام سوريا الأسلحة الكيماوية، وسوف تصير ربع سنوية بعد أن كانت شهرية، برغم الحقيقة التي تقول إن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التابعة للأمم المتحدة، والمعنية بتنفيذ وتطبيق معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، تواصل معاركها مع المسؤولين السوريين من أجل الدخول إلى المواقع السورية.
من جانبه قال البروفيسور جريجوري كوبلنتز، مدير برنامج الدراسات العليا المتخصص في الدفاع البيولوجي بجامعة جورج ميسون في فيرجينيا: "الآن ليس وقت خفض جهود محاسبة سوريا على استخدامها السابق للأسلحة الكيماوية ومواصلة رفض السماح [للمفتشين الدوليين] بالتحقق من تدمير بقية الأسلحة الكيميائية السورية".
كما تابع كوبلنتز، الخبير في شؤون برنامج سوريا للأسلحة الكيماوية، إن عرقلة سوريا للمفتشين الدوليين التابعين لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية زادت خلال السنوات الأخيرة، وضمن ذلك رفض إصدار التأشيرات وتدمير الأدلة السابقة على شن هجمات كيماوية.
كذلك، سوف تقلل الاتفاقية عدد الاجتماعات التي تناقش عملية الانتقال السياسي في سوريا، لتصير اجتماعاً واحداً كل شهرين بعد أن كانت تُعقد بصفة شهرية. وسوف يجري ضغط ذلك الاجتماع إلى جلسة تتعامل مع الأزمة الإنسانية.
المشاركة في السلطة السورية
بحسب بعض المراقبين، تشير تلك الخطوة إلى انحسار اهتمام المجلس بالسعي وراء اتفاقيةٍ لمشاركة السلطة في سوريا، إذ يبدو أن تلك الاتفاقية لن تتحقق على أرض الواقع.
فعندما واجه المقترح المبدئي لتقليص الاجتماعات بعض الرفض من أعضاء المجلس، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على الانفتاح أمام المناقشات. لكن دبلوماسياً آخر في المجلس قال إن التحفظات لا تتعلق بالشكوك حول تقليل الاجتماعات حول سوريا بقدر تعلقها بالطريقة التي طُرح بها المقترح، لأنه حرم أعضاء المجلس الآخرين من قول كلمتهم حول تحديد نوعية الاجتماعات التي سوف تتواصل.
على سبيل المثال، جادلت فرنسا والمملكة المتحدة بأن المجلس يجب عليه أن يتيح إمكانية عقد بعض الجلسات خلف الأبواب المغلقة، وهي جلسات كانت تُعقد بصورة علنية، على أساس أن المداولات الخاصة تسمح للمجلس بالانخراط في محادثات صريحة.
كذلك وبحسب المجلة، ليس هذا المقترح المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا أول التنازلات التي تقدمها واشنطن حول الشأن السوري. فقد تضمنت التنازلات الأخرى اتفاقية عُقدت في يوليو/تموز 2021، من أجل ضم بعض الصياغات إلى قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى دعم مشروعات البنية التحتية الحيوية، وضمن ذلك مشروعات المياه والصرف والصحة والتعليم. كانت واشنطن قد رفضت في الماضي ما أُطلق عليها مشروعات الإنعاش حتى تتبنى دمشق تحولاً سياسياً شاملاً ومدعوماً من الأمم المتحدة.
عودة سوريا للمجتمع الدولي
بيد أن هذه التنازلات الأمريكية لا تزال بعيدة تماماً عما تستهدفه روسيا من أجل إعادة سوريا إلى أحضان المجتمع الدولي وإقناع المانحين الغربيين بتدفق مليارات الدولارات إلى سوريا؛ لمساعدتها في إعادة البناء.
حيث يقول خبراء آخرون إن مداولات المجلس تعكس الحقيقة التي تقول إن الولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع غالبية دول العالم، يشدون الرحال إلى أزمات أخرى. وقد بدأت سوريا في إعادة بناء علاقات دبلوماسية وتجارية مع قوى محيطها الإقليمي، وضمن ذلك البحرين والأردن والإمارات.
فيما يقول آخرون إن الولايات المتحدة بكل بساطة تصب تركيزها على المناطق التي تستطيع إحداث فارق فيها.
حيث تقول منى يعقوبيان، المستشارة الأولى لنائب الرئيس لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام: "يعكس هذا الموقفَ على الأرض، حيث يظل الموقف الإنساني بالسوء نفسه الذي كان عليه على مدى تاريخ الصراع". وتوضح أن المحادثات ذات الوساطة الأممية حول عملية الانتقال السياسي لم تحقق إلا القليل، مضيفةً أن صناع السياسة الأمريكيين "يضعون طاقتهم حيث توجد مشكلة حقيقية وفرصة أكبر للحل".
كما تابعت: "ثمة بصيص أمل طفيف لإمكانية إحراز تقدم في مجال العمل الإنساني"، واختتمت قائلة: "دعونا نواجه الأمر، إنني أرى أن محادثات جنيف لا تذهب إلى مكان، أليس كذلك؟ فلماذا يُضاع الوقت على شيء لا ينجح؟".
تقليص الاجتماعات حول سوريا
في سياق متصل أوضحت المجلة أنها حاولت الحصول على تعليق من متحدثٍ باسم وزارة الخارجية الأمريكية حول خطوة الولايات المتحدة الرامية إلى تقليص عدد الاجتماعات حول سوريا أو غياب مفوض حول الشأن السوري، لكنه رفض التعليق.
فيما قال المتحدث، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشته موضوعات دبلوماسية حساسة، إنّ حل الصراع السوري وتلبية احتياجات السكان الإنسانية في سوريا يبقيان أولوية أولى بالنسبة للولايات المتحدة، وإن الولايات المتحدة لم ترفع أي عقوبات مفروضة على الحكومة السورية، فضلاً عن أنها تضغط من أجل إخضاعها للمساءلة.
كما قال المتحدث: "إننا ندعم الجهود الدولية لمحاسبة الأسد، وضمنها الاعتراف بالدور المهم للجنة الدولية المستقلة للتحقيق والآلية الدولية المحايدة المستقلة".