تقرأ معصومة إعلاناً على حساب على منصة إنستغرام، يعلن عن شرائه للشعر الطبيعي مقابل مبلغ من المال، المبلغ الذي عرضه محل تصفيف الشعر عبر حسابه على إنستغرام، يبدأ من 10 دولارات ومن الممكن أن يصل إلى 80 دولاراً أمريكياً، على حسب نوعية الشعر المبيع.
تبيع شعر ابنتها لسد نفقات الدراسة
معصومة تبلغ من العمر 37 عاماً، وتعيش في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن في إيران، قبل جائحة كورونا، كانت معصومة تعمل عاملة في المنازل، تقول معصومة لـ"عربي بوست": "قبل كورونا كنت أعمل بشكل يومي في تنظيف المنازل، لأعول أسرتي المكونة من طفلين، لكن بعد كورونا كل شيء ازداد سوءاً، لم يعُد يتصل بي الناس لتنظيف منازلهم، بحثت عن أي عمل لفترة طويلة، لكن بلا جدوى".
معصومة امرأة عزباء، تركها زوجها منذ أربع سنوات، وتعيش مع طفلين، علي يبلغ من العمر خمس سنوات، وفرشته التي تبلغ من العمر عشر سنوات، تقول معصومة لـ"عربي بوست": "بعد عام من كورونا، استطعت أن أعثر على عمل بسيط كعاملة في إحدى حضانات الأطفال، لكن راتبي لا يمكِّنني من دفع نفقات أطفالي".
فرشته، ابنة معصومة، تمتلك شعراً بنياً طويلاً وناعماً، وعندما قرأت معصومة إعلان شراء الشعر، فكرت في أن تبيع شعر ابنتها، لتسدد لها مصاريف المدرسة، وتشتري لها ملابس جديدة، تقول معصومة: "قلت لفرشته، ما رأيك بالحصول على قَصة شعر جديدة، مقابل أن أشتري لك بعض الملابس، فرفضت في البداية، إنها تحب شعرها الطويل للغاية، مما أثار حزني".
لكن فى النهاية، وبعد محاولات عديدة لإقناع الطفلة ذات الأعوام العشرة، ذهبت مع والدتها إلى صالون تصفيف الشعر لقص شعرها وبيعه، مقابل 60 دولاراً أمريكياً.
أصابني الاكتئاب
في صالون تصفيف الشعر، استقبلت مريم مصففة الشعر التي تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، معصومة وابنتها فرشته، تقول مريم لـ"عربي بوست": "لدى فرشته شعر جميل للغاية، طويل وكثيف وناعم، وهو مطلوب بشدة لدى صالونات التجميل الكبرى".
وتكمل مريم حديثها بمزيد من الأسى، فتقول لـ"عربي بوست": "كانت الفتاة المسكينة تبكي طوال الوقت، وعندما أجلستها على المقعد للبدء في قص شعرها، ظلت تصرخ وتبكي، لكن والدتها قالت لها إن لم تقصي شعرك، فلن يكون لديك ملابس جديدة".
حصلت معصومة على حوالي 70 دولاراً أمريكياً، أي ما يعادل مليوني تومان إيراني، من بيع شعر ابنتها، "ذهبت لشراء بعض الملابس المستعملة لها ولأخيها، وبعض الطعام، وتركت جزءاً من المبلغ لدفع مصاريف المدرسة والكتب الدراسية".
لكن قبل أن تغادر معصومة وابنتها فرشته صالون تصفيف الشعر، سألت مصففة الشعر مريم، إذا كانت ترغب في المزيد من الشعر، تقول مريم لـ"عربي بوست": "أبلغتني الأم أنها تريد بيع شعرها أيضاً، وأجابتها بأن شعرها أقصر وسيكون المبلغ أقل مما حصلت عليه مقابل شعر ابنتها".
لكن مصففة الشعر مريم، التي تشتري شعر النساء، لتبيعه إلى صالونات تصفيف الشعر الكبرى في الأحياء الأثرية في العاصمة الإيرانية طهران، تصف لـ"عربي بوست"، مشاعر الحزن والاكتئاب التي تملكتها جراء هذا العمل، فتقول: "يومياً أستقبل نساء فقيرات يأتين لبيع شعرهن أو شعر أطفالهن، حالتهن سيئة للغاية، وأغلبهن في حاجة للمال لشراء الطعام أو دفع إيجار المنزل، لقد أصابني الاكتئاب".
ارتفاع معدلات الفقر في إيران
في الآونة الأخيرة، انتشرت عدة تقارير في الصحف الإيرانية تشير إلى ارتفاع معدلات الفقر في الجمهورية الإسلامية، بسبب جائحة فيروس كورونا، والتداعيات الاقتصادية للعقوبات الأمريكية، التي أعاد فرضها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على طهران، بعد انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يعرف رسمياً بالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
يقول الصحفي الإيراني، وحيد حسيني لـ"عربي بوست": "في عام 2019 كان هناك حوالي 26 مليون إيراني يعيشون تحت خطر الفقر، وارتفع هذا العدد بحسب الإحصاءات الرسمية إلى 30 مليون إيراني في عام 2020".
وبحسب السيد حسيني، الذي يغطي ملف وزراة التعاونيات والرعاية الاجتماعية، فإن هناك حوالي 333 ألف فقير شخص يتم تسجيلهم كل شهر في وزارة التعاونيات والرعاية الاجتماعية.
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول الناشط العمالي، نادر مرادي، إن أعداد العمال الإيرانيين الذين فقدوا وظائفهم بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها إيران، قد زاد في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، فيقول: "هناك الآلاف من العمال الإيرانيين الذين فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كورونا أو الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية، فقد العمال الإيرانيين حوالي 60% من قدرتهم الشرائية في السنوات العشر الأخيرة".
ويضيف السيد مرادي قائلاً لـ"عربي بوست": "هناك الآلاف من العمال في إيران، لا تتجاوز أجورهم في الساعة دولاراً أمريكياً واحداً".
أبيع شعري من أجل شراء الدواء
بالعودة إلى النساء الإيرانيات اللاتي وجدن في بيع شعرهن، مصدراً لكسب القليل من الأموال لإعانتهن على تكاليف الحياة، تقول مصففة الشعر مريم لـ"عربي بوست"، "أحياناً تأتيني نساء قد تجاوزن الخمسين عاماً، لبيع شعرهن لحاجتهن لشراء الأدوية".
وتضيف مريم قائلة: "منذ أسبوع فوجئت بامرأة تبلغ من العمر 60 عاماً، جاءت بصحبة ابنتها، تريد بيع شعرها من أجل شراء دواء السكري، شعرها كان طويلاً وقالت لي إنها كانت تحب تركه طويلاً طوال حياتها، لكنها الآن لم تعُد تمتلك القدرة على شراء الأدوية ولا يستطيع أبناؤها مساعدتها لسوء حالتهم أيضاً، لذلك قررت بيع شعرها".
تروي مريم، مصففة الشعر لـ"عربي بوست"، الكثير من الأمثلة التي شاهدتها بنفسها على مدار الأشهر الماضية، منذ أن قررت نشر إعلانها عن شراء الشعر الطبيعي.
بعد أن تقوم مريم بقص شعر النساء الفقيرات، تجمعه وتغسله جيداً، وتقوم ببيعه إلى أحد التجار، الذي بدوره يعيد بيعه إلى صالونات تصفيف الشعر الكبرى في الأحياء الثرية من العاصمة الإيرانية، طهران.
تقول مريم لـ"عربي بوست"، "يستخدم هذا الشعر كوصلات شعر الزبائن لتعطيهن شعراً طويلاً وكثيفاً، والشعر الطبيعي ثمنه يكون باهظاً ويتم بيعه بمئات الدولارات".
بالعودة إلى معصومة التي باعت شعر طفلتها ذات العشرة أعوام، تقول لـ"عربي بوست": "أتخيل ان شعر ابنتي فرشته الآن قد تم بيعه لسيدة ثرية في طهران، سيدة تمتلك الكثير من الأموال والرفاهية، أحسدها لأنها لن تضطر في يوم من الأيام لبيع شعرها أو شعر أطفالها من أجل المال لشراء الطعام أو الملابس".
الموازنة الأكثر انكماشاً في إيران
في مكان آخر، في العاصمة الإيرانية، طهران، كانت قد قدمت إدارة الرئيس، إبراهيم رئيسي، مشروع قانون الموازنة الجديدة للعام الفارسي (20 مارس/آذار 2022)، وقد اطلع عليها اسم "الموازنة الأكثر انكماشاً في العقديين الماضيين".
يقول الخبير الاقتصادي الإيراني، مهدي بازوكي لـ"عربي بوست": "مشروع قانون الموازنة الجديد مثير للدهشة حقاً، هناك الكثير من النقاط التي من الممكن أن تزيد من معاناة الناس اقتصادياً، على سبيل المثال، قد اقترحت إدارة إبراهيم رئيسي في الموازنة الجديدة، رفع سن التقاعد من 60 إلى 62 عاماً، مما قد يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة، كما أن قانون الموازنة شمل الكثير من الضرائب التي سيتم فرضها على الشعب".