وسط مطالبات حقوقية بفتح تحقيقات مستقلة، كشفت صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 23 يناير/كانون الثاني 2022، تفاصيل جديدة صادمة عن دور بريطانيا في واحدة من أكثر المذابح وحشية في القرن العشرين، حيث ظهرت منشورات دعاية بريطانية حرّضت على مذابح الشيوعيين في إندونيسيا التي وقعت خلال ستينيات القرن الماضي.
حيث تُظهر وثائق جديدة كُشف عنها مؤخراً في هيئة الأرشيف الوطني البريطانية كيف أرسل خبراء دعاية في وزارة الخارجية البريطانية مئات المنشورات التحريضية إلى قيادات مناهضة للشيوعية في إندونيسيا، تحرِّضهم فيها على قتل وزير الخارجية الدكتور سوباندريو وتزعم أن الإندونيسيين ذوي الأصول الصينية يستحقون العنف المرتكب بحقهم.
هذه المنشورات المكتشفة حديثاً، التي يعود تاريخها إلى منتصف الستينيات، كانت تستهدف وزير الخارجية اليساري، وتحاول استثارة المناهضين للشيوعية وتحريضهم على قتل سوباندريو، واصفة إياه بأنه "الديك الأليف" لأحمد سوكارنو، وهو أول رئيس لإندونيسيا بعد استقلالها، والذي نال شهرة واسعة بسبب نضاله لأجل الاستقلال.
كما خصصت المنشورات سُمّاً من نوع خاص لسوباندريو، حيث جاء فيها: "الجيش لم ينتف سوى القليل من ريش الديك الغزير، بل إنه حتى لم يقص جناحيه. من الضروري كسر رقبته؛ وسوف تبتهج إندونيسيا كلها".
تحريض بريطاني
في حين أُرسلت المئات من المنشورات أيضاً إلى المسلمين المناهضين للشيوعية، حيث زعمت أن عملاء الصين الشيوعية سيستولون على إندونيسيا.
بحسب أحد هذه المنشورات السرية البريطانية، "اُختطف خلاله ستة قادة عسكريين وقتلوا في أعقاب انقلاب فاشل، وحمَّل الجيش الشيوعيين مسؤوليته، وكان من المحتم أن يدفع العديد من الصينيين الأبرياء الثمن. ربما نأسف لهذا الغضب الجامح الذي انفجر في وجه الصينيين في إندونيسيا، لكننا ندرك أنه لا ينبغي أن يلوموا إلا أنفسهم".
فيما كتب البريطانيون أيضاً نص بث إذاعي غريباً، يصرخ فيه الجنرالات القتلى الذين ألقيت جثثهم في بئر قائلين: "ربما تتغذى الديدان على لحمنا المتعفن، لكن أصواتنا أصبحت أصوات ضمير الأمة. سوباندريو! ألا تعتقد أن حبل المشنقة مخرج سهل جداً لرجل مثلك؟".
عقب محاولة الانقلاب مباشرة، تولى الجنرال سوهارتو قيادة الجيش الإندونيسي وأشرف على مذابح تطهير الشيوعيين. وخلال الأشهر التالية، اغتصب سوهارتو اليميني الموالي للغرب السلطة من سوكارنو المريض. وعُين قائماً بأعمال الرئيس عام 1967 ثم رئيساً في العام التالي، ودام نظامه الديكتاتوري 32 عاماً.
مطالب بفتح تحقيق
من جهته، قال ستيف ألستون، من منظمة Tapol تابول الحقوقية، السبت، إن منظمته "أفزعتها مشاركة الحكومة البريطانية في حملة تضليل للتحريض على العنف".
ألستون أضاف: "على الحكومة البريطانية الآن، في مواجهة هذه الأدلة، أن تتعهد بفتح تحقيق يجريه مستشار مستقل في غضون 18 شهراً".
كانت صحيفة The Observer البريطانية قد كشفت، العام الماضي، كيف نشر مسؤولون بريطانيون سراً دعاية سوداء في الستينيات لتحريض الإندونيسيين على ما وصفوه بـ"استئصال السرطان الشيوعي".
فيما تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 500 ألف شخص مرتبطين بالحزب الشيوعي الإندونيسي PKI أُبيدوا بين عامي 1965 و1966.
الإطاحة بحكومة الرئيس المنتخب
كان البريطانيون قد أرادوا أن يطيح الجيش و"الميليشيات الإندونيسية" بحكومة الرئيس المنتخب سوكارنو. وكان يُعتبر هو وسوباندريو قريبين جداً من الحزب الشيوعي الإندونيسي والصين الشيوعية، وأرادت بريطانيا إنهاء حملة "المواجهة"، وهي الحملة العسكرية والسياسية المحدودة التي أطلقها سوكارنو وسوباندريو على اتحاد المالايا.
لعقود من الزمان، كان هناك القليل من النقاش حول عمليات القتل التي وقعت في 1965-1966.
كذلك يُعتقد أن الولايات المتحدة كان لها دور في هذه المذابح لإبادة خصومها الشيوعيين وحتى يومنا هذا، المنظمات الشيوعية محظورة رسمياً في إندونيسيا.
لم تبدأ المناقشات حول الأحداث الرهيبة إلا في السنوات القليلة الماضية. في عام 2010، ألغت المحكمة الدستورية في إندونيسيا حظراً على العديد من الكتب حول الانقلاب التي ذكرت عمليات القتل.