يُخطّط الاتحاد الأوروبي لتقديم ملفٍ مشترك مع مصر من أجل قيادة منظمةٍ دولية نافذة في مجال صياغة سياسات مكافحة الإرهاب العالمية، إذ وافق المسؤولون في بروكسل على ملف الرئاسة المشتركة من الاتحاد الأوروبي ومصر لقيادة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، وذلك حسبما جاء في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 21 يناير/كانون الثاني 2022.
وفق المصدر نفسه، فإن هذا الأمر يأتي على الرغم من الأدلة الموثقة واسعة النطاق على انتهاكات حقوق الإنسان واستخدام صلاحيات مكافحة الإرهاب في البلاد، منذ استيلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة عام 2013.
محاولة أوروبية لمساعدة السيسي
تقدّمت بالملف فرنسا، التي ترأس حالياً مجلس الاتحاد الأوروبي، في الـ11 من يناير/كانون الثاني. وجاء ذلك بعد يومٍ واحد فقط من تصريحات الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بأنّها أُجبِرَت على إيقاف نشاطها، بسبب الاضطهاد الحكومي.
كانت الشبكة العربية آخر منظمات حقوق الإنسان المستقلة العاملة داخل مصر، وقد قالت إنّها ستُجمّد أنشطتها نتيجة "غياب الحد الأدنى من سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان"، وأردفت أنّ العاملين فيها تعرضوا للاعتقال، والترهيب، والاعتداء الجسدي بواسطة قوات الأمن.
في حين قال أحمد مفرح، المحامي الحقوقي المصري ومدير منظمة Committee for Justice بجنيف، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن الملف الذي تم التقدُّم به يبدو محاولةً من الاتحاد الأوروبي "لمساعدة نظام السيسي على تجميل صورته".
كما قال إن الخطوة تُشير إلى استعدادٍ من جانب بعض مؤسسات الاتحاد الأوروبي لغضّ الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، رغم المخاوف التي أُثيرت في الأمم المتحدة حول انتهاك مصر قوانين مكافحة الإرهاب.
المتحدث ذاته أوضح أن "ترشيح مصر لرئاسة أي هيئة دولية لمكافحة الإرهاب يُعتبر استخفافاً بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، التي تُرتكب تحت ستار الحرب على الإرهاب".
فقد نشر موقع منظمة Statewatch البريطانية نسخةً من مذكرة مجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ الـ11 من يناير/كانون الثاني. وبحسب المذكرة، فقد طُرِحَت فكرة الملف المشترك المقترح لأول مرة بواسطة أعضاء الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية، وذلك في أثناء اجتماعات مجموعة عمل بالاتحاد الأوروبي حول الإرهاب بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
"شريكٌ قديم"
نصّت المذكرة على التالي: "يستطيع الاتحاد الأوروبي المساعدة في صياغة أجندة سياسة وممارسات مكافحة الإرهاب الدولي، وترويج قيم الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب، باعتباره رئيساً مشاركاً للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب".
كما أردفت المذكرة أنّ مصر قد أعربت عن اهتمامها بتقديم ملفٍ مشترك، كما أنها "شريكٌ قديم للاتحاد الأوروبي، ورئيسٌ مشارك لمجموعة عمل المنتدى المختصة ببناء قدرات شرق إفريقيا".
المذكرة نفسها أوضحت أن مسؤوليات الرئيس المشارك ستتضمن "توفير التوجيه والإدارة الاستراتيجية الشاملة لأنشطة المنتدى".
كذلك، حملت المذكرة تصنيف "مُقيّدة limite"، الذي يعني أن الوثيقة تُعتبر حساسةً وغير مخصصةٍ للنشر.
تمت الموافقة على الملف في الـ12 من يناير/كانون الثاني، بواسطة لجنة الممثلين الدائمين في مجلس الاتحاد الأوروبي، التي تُمثل الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.
في حين أكّد بيتر ستانو، المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، للموقع البريطاني، أن الاتحاد الأوروبي تقدّم مع مصر بملفٍ مشترك لرئاسة المنتدى العالمي. ومن المقرر أن يُسجل المرشحون المحتملون للرئاسة المشتركة اهتمامهم، بحلول نهاية الأسبوع الجاري.
في حديثه أمام الحضور في اجتماع المنتدى العالمي بشهر أكتوبر/تشرين الأول، قال مدير وحدة مكافحة الإرهاب الدولي بوزارة الخارجية مصر، محمد فؤاد أحمد: "لدى مصر إيمانٌ راسخ بأن نجاح جهودنا في مكافحة الإرهاب يتطلّب منا اتباع نهجٍ شامل في علاج الأسباب الجذرية للإرهاب، والتشدد العنيف الذي يُفضي للإرهاب. وهذا ليس مقصوراً على الإجراءات الأمنية، لكنه يمتد أيضاً لتحسين التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ودحض الأيديولوجيات المنحرفة للجماعات الإرهابية".
"حرية التصرّف في قمع المعارضة"
لكن استخدام الحكومة المصرية نفسها لقوانين مكافحة الإرهاب -في قمع المعارضة تحت حكم السيسي- يتعرّض لانتقادات واسعة النطاق.
حيث إن آخر تقرير حول الإرهاب لوزارة الخارجية الأمريكية قد أدرجها ضمن الدول التي "تُؤثر فيها قضايا حقوق الإنسان المهمة على حالة النشاط الإرهابي في البلاد، وربما كان لها دورها في إعاقة سياسات مكافحة الإرهاب الفعالة".
في سبتمبر/أيلول، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن حكومة السيسي استغلت سياق مكافحة الإرهاب لمنح قوات الأمن "حرية التصرف في قمع كافة أشكال المعارضة، بحصانةٍ شبه مطلقة من العقاب على الانتهاكات الجسيمة".
في ديسمبر/كانون الأول 2020، مرّر البرلمان الأوروبي مشروع قانون يدعو إلى "مراجعةٍ عميقة وشاملة" لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، كما استنكر استخدام السلطات المصرية تشريعات مكافحة الإرهاب ضد نشطاء حقوق الإنسان ومعارضي السيسي السياسيين.
كما أدانت أوزليم ديميريل، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب اليسار الألماني، ملف الاتحاد الأوروبي المشترك مع مصر لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.
حيث أشارت أوزليم إلى واقعةٍ أخيرة للناشط المصري حسام منوفي محمود سلام، الذي تم اعتقاله في أثناء رحلته من السودان إلى إسطنبول، بعد إجبار الطائرة التي كان يستقلها على الهبوط اضطرارياً في مطار الأقصر.
كما صرحت أوزليم للموقع البريطاني: "نظام السيسي معروفٌ بانتهاك حقوق الإنسان. والتعاون مع زعيم الانقلاب الأوليغارشي، السيسي، بمثابة خيانة لكل أولئك الذين يُكافحون من أجل الحقوق الاجتماعية والديمقراطية في مصر".