بالتزامن مع دعوات حركة "النهضة" التونسية إلى احتجاجات حاشدة ضد قرارات الرئيس قيس سعيّد قررت الحكومة، الخميس 13 يناير/كانون الثاني 2022، إعادة فرض حظر التجول الليلي ومنع كافة التجمعات لمدة أسبوعين، مرجعة ذلك إلى ارتفاع إصابات كورونا.
ويأتي قرار الحكومة قبل يومين من احتجاج مزمع ضد الرئيس قيس سعيّد دعت إليه الأحزاب السياسية الكبرى في تونس، فيما تعهدت الأحزاب بالمضي قدماً في التظاهر الجمعة متحدية القرار.
"لا تراجع عن المظاهرات"
محمد القوماني، القيادي في حزب النهضة في تونس، قال وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية إن الحزب سيمضي قدماً في احتجاج الجمعة، متحدياً بذلك الحظر الجديد المفروض على التجمعات بسبب فيروس كورونا، وأضاف القوماني: "مبدئياً النهضة ستمضي قدماً في احتجاج الجمعة، قرار المنع سياسي ويهدف لمحاصرة الاحتجاج". وتابع السياسي التونسي: "لقد سُمح للمحتجين بالخروج يوم 25 يوليو/تموز في ذروة انتشار كورونا.. واليوم تُمنع الاحتجاجات".
ويشار إلى أن تونس فرضت حظر تجول خلال الموجة الأولى للجائحة في 2020 ومرة أخرى في معظم العام الماضي، لكنها رفعته في سبتمبر/أيلول مع انخفاض أعداد الإصابات.
كما سيسري حظر التجول الجديد لمدة أسبوعين على الأقل وسيبدأ من الساعة العاشرة مساء وحتى الخامسة صباحاً.
دعوات لاحتجاجات في تونس
ويأتي قرار الحكومة بعد بيان نشرته حركة النهضة بصفحتها الرسمية على "فيسبوك"، إذ قالت إن هذه الدعوى جاءت "بمناسبة ذكرى ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر/كانون الأول – 14 يناير/كانون الثاني، ووفاء لدماء الشهداء الأبرار".
وحيَّت الحركة "نضالات الشعب التونسي في سبيل إرساء دولة القانون والحريات والعدل"، كما جددت "دعوتها لعموم التونسيات والتونسيين للاحتفال بهذه المناسبة العزيزة، في شارع الثورة بالعاصمة".
"النهضة" أوضحت، في المناسبة نفسها، أن هذه المظاهرة تأتي "تكريساً لمكاسب شعبنا من الحقوق والحريات الأساسية، وأهمها حرية التظاهر والتعبير عن الرأي، وتصدّياً للديكتاتورية الناشئة التي ما فتئت تكرّس الانفراد بالحكم والسُّلط وتسعى لضرب القضاء الحر، وتحتكر الرمزيات الوطنية، وتتجاهل الأولويات المعيشية للمواطنين (غلاء الأسعار، فقدان بعض المواد الأساسية، التشغيل…)".
جاء في البيان كذلك أنه "إذ تقدّر حركة النهضة أهمية حماية صحة التونسيين وحياتهم، فإنها ترفض التوظيف السياسي للوضع الصحي ومخاطر انتشار جائحة كورونا، لضرب ما تبقَّى من هوامش الحريات، وتخذيل دعوات الاحتفاء بعيد الثورة، وهو ما تجلى في القرارات الحكومية الأخيرة التي استثنت عدة مجالات وفضاءات للتجمُّعات على غرار المؤسسات التربوية ودُور العبادة والأسواق وغيرها واقتصرت على التظاهرات بكل أشكالها، في قصد ثابت لاستهداف التحركات المناهضة لمنظومة الانقلاب".
البحيري أشرف على الموت
في بيان منفصل، وفي وقت سابق من الأربعاء، حمّلت "النهضة" سلطات البلاد "المسؤولية الكاملة" عن حياة نائب رئيس الحركة، نور الدين البحيري، المحتجز قيد الإقامة الجبرية، إثر بلوغ حالته الصحية "مرحلة الخطر الشديد" بفعل إضرابه عن الطعام.
فقد قالت "النهضة"، في بيان اطلعت عليه الأناضول: "نحمّل السلطة القائمة المسؤولية الكاملة عن حياة البحيري المحتجز قسرياً".
كما أضافت أن "السلطة القائمة متعنتة وترفض الانصياع لمقتضيات القانون والإفراج عنه إثر بلوغ حالته الصحية مرحلة الخطر الشديد وإشرافه على الموت".
الحركة دعت السلطة إلى "تدارك أمرها بإطلاق سراحه والسماح بعودته إلى منزله، بما يفتح الباب للإحاطة الطبية به وتناول أدويته وتوقف إضراب الجوع (..) الذي يخوضه منذ 13 يوماً، خاصة بعد تعكر حالته الصحية وإشرافه على الموت في هذه الأثناء".
قلق دولي من الوضع في تونس
وفي سياق متصل بالأزمة التونسية عبّر مشرعون أمريكيون، مساء الأربعاء عن تخوفهم من التطورات الأخيرة التي تشهدها تونس، على خلفية قرارات "استثنائية" اتخذها الرئيس قيس سعيّد أفضت إلى دخول البلاد في أزمة.
وقال مشرّعون ينتمون للحزبين الديمقراطي والجمهوري بواشنطن في بيان لهم تعليقاً على الأحداث بتونسي وتزامناً مع ذكرى الثورة: "نعرب عن مخاوفنا بشأن التطورات الأخيرة التي تهدد الديمقراطية بتونس"، كما أعربوا عن قلقهم إزاء الاعتقالات ذات "الدوافع السياسية"، كما وصفوها.
فيما دعت فيه المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بدورها، السلطات التونسية، الثلاثاء، إلى الإفراج الفوري عن نائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري، والمسؤول السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي، الموضوعَين قيد الإقامة الجبرية.
حيث قالت المفوضية، في بيان، إن "التطورات الأخيرة في تونس عمَّقت انشغالنا بتدهور أوضاع حقوق الإنسان، ويجب على السلطات إما الإطلاق الفوري لسراح نور الدين البحيري وفتحي البلدي، أو توجيه تهم قضائية لهما وتقديمهما للمحاكمة، بشكل يضمن حقوقهما".
وأضافت أن "عملية اعتقال كل من البحيري والبلدي تذكّرنا بممارسات لم تحدث منذ أيام (الرئيس الراحل زين العابدين) بن علي، من اختطاف قسري ومحاكمات عشوائية".
كما تابعت: "نحن منشغلون بهذا التدهور في تونس، والتوظيف غير النزيه لقوانين مكافحة الإرهاب، وارتفاع أعداد المدنيين الماثلين أمام القضاء العسكري".
في غضون ذلك، قالت مصادر أمنية مطلعة لقناة الجزيرة القطرية، إن وزير الداخلية التونسي، توفيق شرف الدين، أحال عدداً من القيادات الأمنية إلى التقاعد الوجوبي.
إجراءات استثنائية
ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تشهد تونس أزمة سياسية، جراء إجراءات استثنائية للرئيس سعيد، منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.
أما في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فأعلن الرئيس سعيّد عن رزنامة مواعيد للخروج من "المرحلة الاستثنائية"، تبدأ بما سمّاه "الاستشارة الشعبية الإلكترونية"، وتنتهي يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 بانتخابات مبكرة، وتنظيم استفتاء يوم 25 يوليو/تموز 2022.
إلا أن معارضين لسعيد يؤكدون أن إجراءاته الاستثنائية عززت صلاحيات الرئاسة على حساب البرلمان والحكومة، وأنه يسعى إلى تغيير نظام الحكم إلى رئاسي، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).
على إثر ذلك، ترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس تلك الإجراءات الاستثنائية، وتعتبرها "انقلاباً على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بحكم الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).