موجة جدل حادة أثارها الإعلان عن إنشاء مجلس الأمن القومي بالأردن والذي يأتي كصيغة جديدة في التعامل مع المرحلة المقبلة التي تمرّ بها البلاد، فالقرار الجديد يحمل في طياته العديد من المؤشرات والدلالات، وأهمية إيجاد حلول وبدائل لتمرير قرارات ناعمة بعيدة عن ضجيج وصخب الشارع الأردني.
إنشاء مجلس الأمن جاء بعد موافقة مجلس النواب الأردني، على تعديل المادة 122 من النص الأصلي للدستور، والتي ينشأ بموجبها مجلس الأمن القومي، واستحداث فكرة المجلس التي ستعمل بحسب البعض على ضبط البوصلة في عملية اتخاذ القرارات بعد تداخلها مع العديد من دوائر الدولة.
ينشأ بموجب التعديلات الدستورية، مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية، ويتولى جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن المملكة والأمن الوطني والسياسة الخارجية، على أن يكون الملك رئيسه.
كما ألغت التعديلات وجود توقيع رئيس الوزراء أو الوزير المختص على الإرادة الملكية الصادرة بتعيين مدير الأمن العام، وأصبح الملك بموجب التعديلات يقبل استقالات قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام، بالإضافة لصلاحية تعيينهم وإنهاء خدماتهم.
دسترة القرارات المصيرية القادمة
ويهدف الملك عبر استحداث مجلس الأمن القومي- حسب محللين- إلى دسترة بعض القرارات القادمة وحمايتها دستورياً وتوفير الحصانة التي يسعى إلى تمريرها وعلى رأسها القرارات المتعلقة بقضايا خارجية مثل الانعكاسات والتداعيات فيما يتعلق بـ"حق العودة" لفلسطينيي الأردن أو السماح بتوطين لاجئين جدد، ما سيؤدي إلى تغييرات ديمغرافية في الداخل الأردني تنعكس سياسياً واجتماعياً على المواطن.
برز مصطلح "الهوية الوطنية الجامعة"، المصطلح الذي استخدمته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في طرح مخرجاتها للإصلاح السياسي، من دون الإفصاح عن أهدافه الحقيقية وما يحمل داخله من مضامين، حيث أكدت اللجنة في توصياتها أنّ الهوية الوطنية التي تدمج الجميع وينتمي إليها الجميع، هي أحد الشروط الأساسية لبناء النموذج الديمقراطي الوطني.
وبهذا الخصوص تطرق العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، الذي تسلّم التوصيات في 3 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إلى مصطلح "تعزيز الهوية الجامعة" عبر اجتماعه باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الأمر الذي زاد من حدة التوترات في الأوساط الشعبية، باعتبار أنّ الوحدة الوطنية مهددة بالتشظّي، وذلك بعد 100 عام على تأسيس الدولة الأردنية لم تتضح معالمها بعد، لتزداد الحاجة إلى توضيح الرؤية حول الهوية الجامعة لتبديد الهواجس الموجودة عند الناس.
هنا يؤكدّ المحلل السياسي الأردني د. حسام العبدلات، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" بأنّ فكرة إطلاق مجلس الأمن القومي تأتي في محاولة من العاهل الأردني لتقنين و"دسترة" قراراته القادمة التي كان يتخذها في مراحل سابقة دون الرجوع إلى مرجعية قانونية، حيث كان مجلس السياسات الوطني بمثابة "المجلس الإستشاري" الذي كان يترأسه الملك بحضور عدد من مسؤولي الحكومة والديوان الملكي، وهم رئيس الديوان الملكي، ووزير الخارجية، ومستشار الملك لشؤون الأمن القومي مدير المخابرات العامة، ومدير مكتب الملك، ومقرر مجلس السياسات الوطني، ووزير الداخلية، ووزير الدولة لشؤون الإعلام، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومديرا الأمن العام وقوات الدرك.
ويوضح العبدلات أنّ هؤلاء كانوا جميعاً- عبر مجلس السياسات الوطني وبتوجيهات الملك- هم من يديرون السياسة العامة للدولة ويتخذون القرارات من دون شرعنتها، لكنّ الحال قد تغير بعد التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للملك، بعد رفض الأردن تمرير قرارات الإدارة الأمريكية السابقة الممثلة في ترامب والمتعلقة بتقديم حلول تجاه القضية الفلسطينية وبتوطين الفلسطينين والتنازل عن حق العودة، الأمر الذي ولد مخاوف وهواجس حقيقية لدى العاهل الأردني من رفع الغطاء الدولي عنه، بعد أن ظهر بمظهر "المعارض" و"المكافح" لما عُرف بـ"صفقة القرن" و"الوطن البديل".
فصل الأمني عن السياسي..
ويسعى العاهل الأردني عبر جهاز مجلس الأمن القومي الذي تمّ تمريره عبر مجلس النواب، إلى فصل السياسي عن الأمني، وضمان عدم تداخل السلطات في البلاد، خصوصاً بعد التغوّل الكبير للأجهزة والجهات الأمنية في القرارات والتعيينات السياسية، ومنها تدخلها في تعيين العديد من أعضاء مجلس النواب الأخير والتغوّل على أعضائه، وهذا ما يحصل على وجه الخصوص من قبل جهاز المخابرات العامة عبر ممارسة ضغوط على النواب سواء قبل ترشحهم أو بعد وصولهم لمجلس النواب.
وتؤكد مصادر خاصة رفضت الكشف عن اسمها لـ"عربي بوست" أنّ الملك يسعى عبر مجلس الأمن القومي، إلى سحب المخابرات من المشهد السياسي قليلاً، ويفسح المجال للمؤسسات العامة، بممارسة عملها دون مساعدة أو تدخل من الجهات الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة.
وتؤكدّ المصادر ذاتها أنّ سيطرة المخابرات على العمل السياسي باتت واضحة للعيان، ما سبب إزعاجاً لوزير الخارجية الأردني الأسبق مروان المعشر، الذي تحدث قبل عدة أشهر عن أهمية توافر الإرادة السياسية للتقدم في طريق الإصلاح، مؤكداً أنّه لا يشعر بتوافر الإرادة السياسية ولا بالجدية؛ وطالب بترجمة رسالة الملك إلى مدير المخابرات، والتي تطالبه بالتوقف عن التدخل بالسياسة إلى خطة عمل، وما لم يحدث ذلك فإن الكلام عن الإصلاح ليس له معنى.
المحلل السياسي محمد الملكاوي، يوضح تبعات القرار المتعلق بالمجلس الأمن القومي، حيث يؤكدّ أنّ إنشاء مجلس الأمن القومي في الأردن جاء ضمن تعديلات دستورية شملت كثيراً من الأمور المتعلقة بالحياة السياسية والحزبية والأمنية على المستوى الأردني، وهذا المجلس جاء ضمن حزمة متكاملة من التعديلات الدستورية، فلم يأتِ القرار منفرداً؛ وهذا مؤشر إيجابي الهدف منه محاولة القيام بإصلاح سياسي.
ويضيف الملكاوي في معرض حديثه عن مجلس الأمن القومي بالقول: "يجب أن تنأى القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية بنفسها عن أي حالة من الصراع السياسي والحزبي".
ويعتبر الملكاوي أنّ خطوة إنشاء المجلس تأتي لنزع الدسم من الحكومات الأردنية التي لم يعد الشارع الأردني يثق بها ولا بمجلس النواب حتى وإن كانت منتخبة، منوهاً إلى أنّ تسليم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأردنية لحكومات لا يحظى بثقة كبيرة في الشارع ولا حتى المجالس النيابية، ما سيؤدي إلى الكثير من المشكلات والعقبات، مؤكداً أنّ الشارع الأردني ما دامت حالة الثقة معدومة لديه حتى هذه اللحظة، فعلى الحكومة الأردنية أن تقوم بدورها السياسي والتنموي والإداري لخدمة المواطنين.
ويشدد الرجل على أنّ التجارب أثبتت أنّ ربط الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بالحكومات في المنطقة العربية هو ربط في غير محله، وأن التجربة اللبنانية التي تقتضي بأن كل حزب لديه قواه وأذرعه يحاول جاهداً أن يسيطر، وأضعف حلقة في لبنان هو الجيش اللبناني وهذا أسوأ السيناريوهات.