في لبنان لا شيء مستحيل، صفقات وتسويات تتحول في لحظات إلى معارك بين الأطراف المتفقة، فبينما كان حزب الله عبر المعاون السياسي لأمينه العام الحاج حسين خليل يرتب صفقة بين جبران باسيل ونبيه بري مساء السبت أو ما عرفت بصفقة تسوية بين الأطراف السياسية والتي تقضي بعودة الحكومة مقابل عزل مجموعة من القضاة بينهم قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار، في مقابل أن يضمن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) موافقة المجلس الدستوري ظهر أمس الثلاثاء، على قرار الطعن المقدم من باسيل حول قانون الانتخابات وتصويت المغتربين.
لكن صفقة السبت سقطت مساء الإثنين، حيث بقي البيطار في مهامه، ولم تعُد الحكومة للاجتماع، فيما لم يتخذ المجلس الدستوري قراراً حول طعن باسيل؛ ما يعني أن الطعن سقط والانتخابات الخارجية باقية على أساس تصويت المغتربين اللبنانيين لـ128 نائباً بدلاً من حصرهم باختيار 6 نواب فقط.
لقاء ميقاتي – بري العاصف
تقول المصادر الحكومية المطلعة لـ"عربي بوست" إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سمع بالصفقة عبر بعض "الرسل السياسيين" الذين أبلغوه عن صفقة يجري إعدادها في الحدائق الخلفية بين باسيل وبري برعاية حزب الله، بدأت الصفقة تتضح لميقاتي قبيل لقائه العاصف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وخاصة أنه وفي حال حصلت فإنها ستظهره أمام المجتمع الدولي وتحديداً الأمريكيين والفرنسيين بمظهر المتواطئ مع حزب الله لتعطيل تحقيقات المرفأ.
تؤكد المصادر أن بري اتصل بميقاتي صباح يوم الإثنين الماضي وطلب منه الحضور لمقره لمناقشة تطورات تسوية يجري إعدادها في الكواليس، وقبيل حضور ميقاتي لمقر بري برزت رسائل دولية واضحة حذرت الحكومة من الإقدام على مثل هذه الخطوة، حيث أبلغ ميقاتي من مسؤولين فرنسيين، وفق المصدر، أن أي إقدام على تسوية كهذه يعني العقوبات الشاملة الأميركية والفرنسية.
وهذا ما دفع ميقاتي إلى الإعلان عن رفضه الصفقة، فظهر التوتر بينه وبين ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، خلال الجلسة، وبحسب المصدر فإن ميقاتي حذر بري من مغبة مسايرة عون وباسيل وحزب الله، حاول برّي وضع ميقاتي في أجواء التقدم الذي تم إحرازه في سبيل إبرام الصفقة، فقال ميقاتي إنه غير قادر على تحمّل ذلك.
اقترح بري على ميقاتي فكرة الدعوة إلى جلسة حكومية تتخذ قراراً بتنحية القاضي طارق بيطار عن التحقيق مع الرؤساء والنواب والوزراء وحصره بالتحقيق مع الموظفين الأمنيين والإداريين، لكن ميقاتي رفض ذلك. وهذا ما أدى إلى خلافه مع برّي حيث خرج غاضباً وظهر ذلك أثناء خروجه.
اتصالات ميقاتي.. ثابت على موقفي
تؤكد مصادر دبلوماسية مطلعة لـ"عربي بوست" أن ميقاتي وعقب خروجه من جلسته العاصفة مع بري بدأ بإجراء سلسلة اتصالات شملت رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري وفؤاد السنيورة والسفيرة الأمريكية في بيروت دورثي شيا ورئيس المخابرات الخارجية الفرنسية برنار إيمييه ووضع ميقاتي هؤلاء بصورة ما جرى وكيف كان حزب الله يحضِّر لتسوية "أشبه بانقلاب على البلاد" وهو قام بمنعها ورفضها، وأكد ميقاتي أنه ثابت على موقفه حول رفضه المساس بالسلطة القضائية وتحقيق المرفأ.
قرار الدستور.. خسارة مبكرة لباسيل
بالتوازي وعقب سقوط التسوية أتى قرار المجلس الدستوري برفضه أخذ قرار حول طعن التيار الوطني الحر، وهو وفقاً للمطلعين يعد سابقة تحدث للمرة الأولى في المجلس الدستوري. فعادة كان المجلس يصدر قراراً جزئياً بأية طعون وإبطال جزئي أو كلي به إنما لم يحصل في مسيرة المجلس الدستوري عدم إصدار قرار بالمطلق أي "اللاقرار"، وهنا اللاقرار أعاد المواجهة السياسية إلى نقطة الصفر بعدما سقط طعن التيار بالكامل، ولم يعد بإمكانه الطعن بكافة المواد السابقة التي تُرد تلقائياً بعد قرار المجلس الدستوري الذي يعتبر مبرماً وغير قابل للمراجعة، ما يعني فتح مواجهة سياسية بين الأطراف، وخاصة أن باسيل يقول إنه يواجه حلفاً مسلماً رباعياً يضم بري وميقاتي وجنبلاط وربما حزب الله ضد الحضور المسيحي.
لذا وبحسب المحللة السياسية غادة حلاة فإن تطورات ما بعد قرار المجلس الدستوري فإن الجميع اصطدم بحائط مسدود، وتدهورت العلاقة بين الثنائي الشيعي من جهة وبين عون وباسيل من جهة أخرى، لا سيما بعد قول باسيل إن طرفاً اتصل به طالباً إليه المقايضة بين قرار الدستوري والجلسة النيابية، ملمحاً بذلك إلى مرجعية نيابية.
وترى حلاوة أن حديث باسيل عن اتفاق رباعي جديد في مواجهة رئيس الجمهورية- وكأنه يتهم حلفاءه قبل غيرهم بالانقلاب على عون- ستكون له ترتيباته المختلفة على مستوى العلاقة وعلى مستوى الحكومة، وتعتقد حلاوة أنه كان يمكن لقرار الدستوري ألا يكون مهماً لهذه الدرجة، لكن كان الجميع بحاجة إلى نقطة انطلاق لاتفاق شامل؛ فصار بالشكل الذي خرج به سبباً لكل الأزمات التي ستلي، مهدداً مصير الحكومة ومجلس النواب والانتخابات النيابية.
بالمقابل تؤكد مصادر رئاسة الجمهورية لـ"عربي بوست" أن لحزب الله مسؤولية مباشرة عن هذه السقطة الدستورية وستكون لها تداعيات سلبية وعسيرة على تفاهم مار مخايل والذي عقد بين التيار الوطني الحر والحزب عام 2006، وترى المصادر أن ما جرى في المجلس الدستوري بتمنعه عن اتخاذ قرار حول الطعن المقدم من التيار الوطني الحر يعني أن المجلس سقط بكونه بات أداة بيد رباعي مسلم في مواجهة حقوق المسيحيين في البلاد.
الصفقة وبنودها.. انقلاب على الجميع
كانت الصفقة التي عمل حزب الله على تسويقها تقضي بإجراء تغيير في أربعة مواقع قضائية، بينها رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمحقّق العدلي طارق بيطار وتوسعت آفاق الصفقة لتشمل الإطاحة بمدعي عام التمييز، ورئيس هيئة التفتيش القضائية، والمدعي العام المالي، ومدعي عام جبل لبنان، إضافة لبند أضافه باسيل وهو الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبيل جلسة ميقاتي وبري بساعة واحدة.
بالمقابل يجري فصل مسار التحقيق مع الوزراء والنواب المتهمين بانفجار المرفأ عن بقيّة المسارات القضائية من خلال إعادة تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وعودة الحكومة للاجتماع بشكل طارئ لإقرار مجموعة القرارات المتفق عليها بين الأطراف.