قالت الشرطة البريطانية إنها اعتقلت رجلاً بارزاً في مخطط تبييض أموال بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني (132 مليون دولار أمريكي)، زاعمين أنه نظَّم "شبكة توزيع" من السُّعاة الذين تولوا نقل الحقائب المليئة بالنقود من بريطانيا إلى دبي.
يأتي ذلك بعد أن كشفت وثائق باندورا عن دور مركزي لكل من لندن ودبي في عملية إخفاء الأموال والثروات، وكذلك في غسيل الأموال، بحيث يمكن القول إن المدينتين تتنافسان على لقب عاصمة الأموال المريبة.
تبييض أموال بملايين الدولارات
وكالة Bloomberg الأمريكية، قالت الثلاثاء 14 ديسمبر/كانون الأول 2021، إن الوكالة البريطانية لمكافحة الجريمة ألقت القبض على الإماراتي البالغ من العمر 46 عاماً والمتهم بقضية تبييض أموال، في شقة تقع في حي "مايفير" الراقي في العاصمة البريطانية لندن.
كما أشارت إلى أنه يُزعم أن الرجل كان مسؤولاً عن تنظيم عشرات من السُّعاة لنقل الأموال غير المشروعة.
بينما قال إيان تروبي، ضابط التحقيق في الوكالة البريطانية لمكافحة الجريمة، إن "الشبكة الإجرامية التي تزعم أن هذا الرجل مشارك فيها هي واحدة من أكبر الشبكات التي حققنا بشأنها في هذا النوع من القضايا، حيث تدفع الشبكة آلافاً للسُّعاة المسؤولين عن نقل ملايين الأموال في المرة الواحدة في حقائب مكدسة بها".
كما أشارت الوكالة البريطانية إلى أنها احتجزت بالفعل اثنين من هؤلاء السُّعاة، وأنها ألقت القبض على عشرات آخرين من المرتبطين بالشبكة.
دبي ولندن في قفص الاتهام
خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوضح تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن ذاكرة التخزين المؤقت التي تحمل علامة "Pandora" المسربة بواسطة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تحتوي على 11.9 مليون ملف من الشركات التي استأجرها العملاء الأثرياء، لإنشاء هياكل خارجية وصناديق ائتمانية في الملاذات الضريبية، مثل بنما ودبي وموناكو وسويسرا وجزر كايمان.
لكن تُظهر نظرة فاحصة أن لندن تلعب دور المركزي العصبي لشبكة إخفاء الثروات الهائلة وتبييض أموال.
كما تشمل الملفات إفصاحات عن مانحين رئيسيين لحزب المحافظين البريطاني، ما أثار أسئلةً صعبةً على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بينما كان يجتمع حزبه في مؤتمره السنوي، حسب وصف The Guardian.
نيكولاس شاكسون الكاتب في مؤسسة Tax Justice Network البريطانية، عرض في مقال نشرته صحيفة New York Times الأمريكية للدور الكبير لمدينة لندن كعاصمة تبييض أموال ومركز للملاذات الضريبة، والضرر الذي يسببه هذا الدور للعالم وبريطانيا نفسها.
بريطانيا عاصمة غسيل الأموال
لعبت بريطانيا دوراً محورياً في إخفاء الأموال والأصول حول العالم، بفضل الأقاليم التي تُسيطر عليها جزئياً فيما وراء البحار. وبالتالي فهي "عاصمة غسيل الأموال في العالم"، على حد وصف أحد أعضاء حزب المحافظين الحاكم، الأسبوع الماضي، ما يجعل مدينة لندن، مركزها المالي العتيد، في قلب هذه المنظومة، كما ظهر من تسريبات باندورا.
النظام البريطاني القائم فيما وراء البحار له تصميمٌ معقدٌ للغاية، إذ تتضافر العديد من الأدوات المعقدة والمبهمة -التي تتضمن صناديق الاستثمار الخارجية والثغرات الضريبية والشركات الوهمية- مع سرية التعاملات المصرفية وإهمال التنظيم المالي، لتحجب الرؤية عن أصول الأثرياء خلف ستارٍ من الضباب القانوني.
تلعب الملاذات الضريبية مثل جزر كوك وجزر فيرجن البريطانية وجيرسي دوراً مركزياً في هذه المنظومة، حيث تُعتبر بمثابة برّ الأمان للكثير من المتهربين، إذ ينقل الأثرياء والمجرمون أموالهم إلى تلك الملاذات لحمايتها، والتهرب من القوانين والقواعد والضرائب التي لا تُعجبهم.
دبي جنة غسيل الأموال
بينما أصدرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، العام الماضي، تقريراً بعنوان "دبي أصبحت جنة غسيل الأموال".
يشير التقرير إلى سلالة جديدة ومخيفة إلى حد ما من الملاذات الضريبية، فقبل ذلك كانت الملاذات الضريبية تقليدياً صغيرة ومنفتحة وديمقراطية -فكر في أماكن مثل جيرسي أو لوكسمبورغ- التي يمكن إخراجها من العمل في هذا المجال، بمزيج مستدام من القوة الدبلوماسية والغضب السياسي المحلي.
يكشف التقرير أن دبي ليس لديها أي من تلك الثغرات، إنها مدينة استبدادية، مع عدم وجود سياسة داخلية تقلق بشأنها، والضغط الدبلوماسي ضئيل للغاية عليها، وذلك بفضل صداقة الإمارات الوثيقة مع الدول الغربية الكبرى.
يقول التقرير "تم إجبار الملاذات الضريبية الأخرى على التوقف عن العمل، ولكن دبي ازدهرت، وأصبحت نقطة جذب للكثير من الأموال والأشخاص الأكثر ظلمة في العالم، بالإضافة إلى الألماس والذهب، ومن المستحيل التأثير عليها بالطرق القديمة".