“منافسة” مع مصر ومواجهة مع المغرب.. ماذا وراء الاهتمام الجزائري الأخير بفلسطين؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/07 الساعة 15:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/08 الساعة 07:54 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أثناء استقباله للرئيس الفلسطيني محمود عباس (رئاسة الجزائرية في فيسبوك)

بعد ركودٍ دبلوماسي طويل تسببت فيه سنوات مرض بوتفليقة، بدأت الجزائر، فجأة، تحركاتٍ دبلوماسية بغرض استعادة مكانتها إقليمياً، بالتوازي مع تسارع الأحداث عربياً.

واختارت الجزائر أن تستأنف دعم القضية الفلسطينية، بدءاً باستقبال رئيس السلطة محمود عباس ثم تقديم منحة مالية، والإعلان عن ندوة جامعة للفصائل على أراضيها.

ولأن لكل شيءٍ ثمناً، فإن اختيار الجزائر لدعم القضية الفلسطينية والتوسط بين الفصائل من شأنه أن يتسبب لها في مواجهات، إن لم تكن مع المغرب فمصر أول المتضررين من التقارب بين القدس وتبون.

لماذا القضية الفلسطينية؟

يبدو أن الجزائر تريد أن تلعب دوراً أكبر في القضية الفلسطينية، وأنها تضرب عصفورين بحجر واحد، الأول مزاحمة مصر التي تستفرد بملف القضية، والثاني مواجهة المغرب، الجار الذي طبَّع مع إسرائيل.

وتعمل الجزائر منذ سنتين على لعب دورٍ مهم في مجموعة من الأزمات العربية والإقليمية، ومن أبرز الملفات التي تركز عليها فلسطين، إذ كانت الدولة الوحيدة التي انتقدت علانية التطبيع العربي- الإسرائيلي. 

وتريد الجزائر أن يكون لها تأثير في الملف الفلسطيني، لإزعاج أولاً إسرائيل التي باتت على حدودها الغربية من خلال اتفاقياتها الأمنية والعسكرية مع جارتها المغرب.

أيضاً تريد الجزائر خلق نوعٍ من القلق لدى مصر التي واجهتها لسنوات في ليبيا بدعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد حكومة السراج المعترف بها دولياً، والتي كانت مسنودة من طرف الجزائر. 

ومع التقارب الإسرائيلي- المغربي والتوتر المصري مع الفصائل الفلسطينية، زادت الجزائر من دعمها للسلطة الفلسطينية، إذ استقبلت الرئيس محمود عباس ودعت الفصائل الفلسطينية للاجتماع على أرضها

استقبلت الجزائر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (صفحة الرئاسة على فيسبوك)
استقبلت الجزائر الرئيس الفلسطيني محمود عباس (صفحة الرئاسة على فيسبوك)

مصر والجزائر.. الحرب الباردة

تعتبر مصر الدولة العربية الأساسية التي تلعب دور الوساطة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وذلك بالنظر لعلاقاتها الجيدة مع تل أبيب والسلطة الفلسطينية معاً، وحدودها المشتركة مع قطاع غزة. 

ورغم أن الجزائر ومصر لا تكفّان عن كيل المديح والإشادة ببعضهما، فإن الواقع شيء آخر تماماً لما تنبس به شفاه الدبلوماسيين خلال الزيارات المتكررة.

وقد حاولت العديد من الدول العربية الإمساك ببعض خيوط الملف الفلسطيني على غرار قطر والسعودية والإمارات، إلا أن القاهرة كانت تنظر إلى تلك المحاولات بـ"غضب"، وتعتبر نفسها الوصية الأولى عن المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.

ومن شأن الدور الجزائري الجديد أن يزعج القاهرة لا سيما أنه تزامن مع تصعيد لفظي من طرف الفصائل الفلسطينية تجاه مصر، بحجة عدم التزامها بالتعهدات التي قطعتها حول إعادة إعمار غزة وفك الحصار عن القطاع. 

ويرى المحلل السياسي مولود صياد أن "التأثير الجزائري الذي قد يحدث مستقبلاً لا يزعج مصر فقط بل يتعداه لإزعاج دول غربية حليفة لإسرائيل". 

وأضاف المتحدث لـ"عربي بوست" أن "الولايات المتحدة وبريطانيا وحتى فرنسا لا ترغب أن يخرج الملف الفلسطيني من بين أيدي مصر وقطر وتركيا والأردن". 

وزاد صياد أن "الدول الغربية ودول الاعتدال العربي يرون الجزائر كرؤيتهم لإيران وسوريا، لذلك فإمساكها ببعض خيوط اللعبة يشكل خطراً على إسرائيل والمنطقة". 

سرعة الرد الإيجابي التي ردت به الفصائل الفلسطينية على دعوة الجزائر للاجتماع على أرضها، يؤكد أن مواجهة محتملة بين الجزائر ومصر قد تنتقل إلى الشرق الأوسط، بعدما شارفت على نهايتها في المغرب العربي وبالضبط في ليبيا التي ستجرى فيها انتخابات رئاسية بعد أسبوعين من الآن.

السيسي أثناء استقباله لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة (أرشيف)
السيسي أثناء استقباله لوزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة (أرشيف)

لقاء مرتقب

كشفت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن اجتماعاً قريباً سيجمع الرئيسين عبد المجيد تبون وعبد الفتاح السيسي في الجزائر لمناقشة الملفات العالقة، فضلاً عن التحضير للقمة العربية المرتقبة شهر مارس/آذار المقبل بالعاصمة الجزائرية. 

وفي حال عدم التوصل إلى تفاهمات بين الجزائر ومصر، فإن هذه الأخيرة ستزيد من ضغطها على الجزائر بإفساد الانتخابات الرئاسية في ليبيا وزيادة الدعم لقيس سعيّد في تونس. 

وكانت الجزائر قد عبرت مراراً عن أنها ترفض تأجيل الانتخابات الرئاسية في ليبيا، كما أنها ترفض أي تدخل إقليمي أو دولي في تونس، معتبرة أن "أمنها من أمن جارتيها". 

ويرى المحلل السياسي فاروق حركات أن الجزائر تملك أوراق ضغط أخرى على القاهرة إلى جانب الملف الفلسطيني، وهو ملف سد النهضة في إثيوبيا، هذه الأخيرة التي زارها لعمامرة قبل أسابيع، خاصة أن البلدين تربطهما علاقات متميزة. 

ويقول حركات لـ"عربي بوست" إن الصراع الخفي بين الجزائر ومصر ليس جديداً فمنذ اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978 والبلدان يسيران على خطَّيْن متوازييْن لا يلتقيان. 

طموح تبون 

لا يختلف اثنان على أن تحرك الجزائر الأخير تجاه القضية الفلسطينية له أهداف استراتيجية، منها إزعاج إسرائيل والضغط على مصر وإحراج المغرب، إلا أن العام والخاص يعرف مدى توق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإعادة الجزائر لعهد الرئيس هواري بومدين.

ولا يُخفي تبون في كل لقاءاته الإعلامية إعجابه بالرئيس الأسبق هواري بومدين ومواقفه الدولية تجاه القضية الفلسطينية التي يصفها بالشجاعة والثورية. 

ومن الملفات التي يحاول تبون أن يستعيد دور الجزائر فيها سيراً على خُطى بومدين، الملف الفلسطيني الذي غابت الجزائر عنه خلال العشر سنوات الماضية بفعل تواري الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن الأنظار لدواعي المرض.

تحميل المزيد