أثار الرئيس التونسي قيس سعيِّد، عند لقائه أستاذين جامعيين يدرسان القانون الدستوري، مسألة التمويل الأجنبي للمرشحين للبرلمان.
وذكر قيس سعيّد أن محكمة المحاسبات انتهت إلى ثبوت التمويل الأجنبي لبعض القوائم والأحزاب الفائزة بالانتخابات التشريعية 2019.
وأضاف سعيّد أن هذا الأمر يمثل جريمة انتخابية وفق أحكام الفصل 163 من القانون الانتخابي، والذي يفرض إسقاط القائمة برمتها وحرمانها من الترشح في الانتخابات القادمة.
وهدد سعيّد بإصدار مراسيم بالإلغاء المباشر لبعض القوائم ولعضوية بعض النواب إذا لم يتحرك القضاء سريعاً ويبتّ في المسألة.
"سلاح" المراسيم.. وضرب الخصوم السياسيين
ما انفك رئيس الدولة التونسية قيس سعيد يهدد باستخدام "سلاح" المراسيم الذي أصبح من صلاحياته التشريعية في غياب البرلمان، من ذلك تهديده بإصدار مراسيم لإسقاط قائمات انتخابية في حال لم يتحرك القضاء بسرعة ويفصل في هذه المسألة.
الناطقة الرسمية باسم مجلس شورى حركة النهضة سناء المرسني قالت في تصريح لـ"عربي بوست" إن "رئيس الجمهورية ومنذ إصداره الأمر الرئاسي عدد 117 أصبح يتحرك خارج الشرعية الدستورية، وكل ما يصدر عنه من أوامر ومراسيم وتعيينات تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً".
وأشارت المرسني إلى أن "رئيس الجمهورية لم يطلع بشكل معمق على تقرير محكمة المحاسبات المتعلق بالرقابة التي تضطلع بها المحكمة على الانتخابات التشريعية والرئاسية تحديداً في موضوع تمويل الحملات الانتخابية".
وأضافت أنه "لا يوجد في تقرير محكمة المحاسبات ما يفيد ثبوت انتفاع نائب واحد بتمويل أجنبي، والمحكمة حمَّلت المسؤولية لوزارة المالية والبنك المركزي والبريد التونسي في عدم الكشف عن التمويل الأجنبي ومدها بكل المعطيات الضرورية لتتمكن من القيام بدورها".
وأفادت المتحدثة بأن "محكمة المحاسبات المتخصصة بمفردها بالبحث في هذه الجرائم الانتخابية، ولكن بالنسبة للرئيس قيس سعيد يجب على المحكمة أن تدين أحزاباً بعينها حتى لمجرد الشبهة، وإن لم تفعل ذلك فهو سيتكفل بإصدار مراسيم لتنفيذ ذلك في اعتداء صارخ وخطير على صلاحيات السلطة القضائية وعلى شروط وضمانات المحاكمة العادلة".
القضاء.. أداة قيس سعيد الجديدة
لم يبقَ أمام رئيس الدولة التونسية من أداة لإدانة خصومه سوى تقرير محكمة المحاسبات، وهو على خلاف ما ذهب إليه يدخل في باب الأعمال التحضيرية وهو أبعد ما يكون عن الأحكام القضائية، بل هو أقرب إلى أعمال التفقد لا غير.
القاضي السابق بالمحكمة الإدارية أحمد صواب قال "إن هناك تحذيرات يجب أخذها بعين الاعتبار لتجنب التدخل في سير القضاء أو في صلاحياته أو الحلول محل القضاء"، محذراً من "خطورة إسقاط القائمات الانتخابية لتشريعية 2019 بمراسيم رئاسية".
وأشار صواب في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن "قيس سعيد يعمل على أن يتجنب قدر الإمكان حل البرلمان حتى لا يتم اعتبار ما أتاه انقلاباً تاماً، لذلك يسعى إلى إيجاد آليات لشل البرلمان دون الوصول إلى حله".
وأضاف المتحدث أنه "كان يتعين على رئيس الدولة منذ مدة، المضي في حل البرلمان وتغيير القانون الانتخابي وقانون الأحزاب والجمعيات والدعوة إلى انتخابات جديدة سابقة لأوانها، وعندها يكون قد تحمَّل مسؤوليته كاملة في إتمام الانقلاب".
في المقابل أكد الخبير المالي والباحث الجامعي محمد علي بن قوتة أنّ "تقرير محكمة المحاسبات هو تقرير رقابي قضائي، وليس تقرير تفقُد كما ذكر البعض، وهو بداية حجّة للجريمة المرتكبة، على اعتبار أنّ الدور الرقابي لمحكمة المحاسبات أسند إليها بمقتضى القانون الانتخابي، في حين حدّد القانون عدد 41 لسنة 2019 المتعلّق بمحكمة المحاسبات أعمال التفقّد التي تقوم بها المحكمة".
وأضاف بن قوتة في تصريح لـ"عربي بوست" أنّ "رئيس الجمهورية وعلى عكس المغالطات التي تدعي أنه سيصدر مرسوماً بمقتضاه يحلّ محلّ القضاء ويصدر الأحكام ويحل الأحزاب فذلك غير صحيح، ولا يمتّ للواقع القانوني بصلة ومخالف لأحكام المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر/أيلول 2011، والمتعلّق بتنظيم الأحزاب السياسية والذي حدّد الفصل 28 منه العقوبات التي يمكن تسليطها على الحزب في صورة ارتكاب مخالفات وجملة الإجراءات المتّبعة".
وأشار المتحدث إلى أنّ "المرسوم الذي سيصدر سيختصر آجال نظر القضاء في الجرائم الانتخابية التي رصدتها محكمة المحاسبات، تكريساً لدورها الرقابي القضائي، وأن القضاء يظلّ سلطة مستقلّة وهو المتخصصّ بداية ونهاية، وأحكامه واجبة الاحترام والتطبيق على الجميع".