ما زالت تونس تحت وطأة الأزمة السياسية غير المسبوقة، التي دخلت فيها بسبب القرارات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس البلاد قيس سعيّد، في 25 يونيو/حزيران 2021.
قرارات سعيّد فتحت أمامه جبهات مواجهة مع عدة قطاعات وجهات سياسية، مما أفسح المجال للحديث عن سيناريوهات ممكنة لتغيير المعادلة السياسية في مهد الربيع العربي.
وعلم "عربي بوست" من مصدر خاص أن هناك نقاشات تجري حالياً بين مختلف الفاعلين السياسيين في تونس لتطوير مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" لتصبح وثيقة سياسية مشتركة تجمع كل الأطياف السياسية والمنظمات الوطنية المطالبة بعودة المسار الديمقراطي ولتفادي وضعية الفراغ السياسي.
وتأسست مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، المؤلفة من نشطاء وحقوقيين ومواطنين، تزامناً مع إعلان سعيّد تلك الإجراءات "الاستثنائية"؛ كتحرك رافض لها.
وأضاف المصدر أن النقاشات تدور حالياً حول الصيغة النهائية لهذا المشروع السياسي الجديد الذي سيزيد من عزلة الرئيس وسيضيق عليه الخناق وسيمثل عملية فرز حقيقية لكل القوى الرافضة للإجراءات الاستثنائية.
وأشار المصدر إلى أن المشاورات متقدمة مع العديد من القوى السياسية والمنظمات الوطنية الفاعلة لبلورة تصوُّر مشترك حول الوثيقة السياسية وسيتم الإعلان عنها في القريب العاجل.
تونس.. والسيناريوهات الممكنة
من الواضح أن المسار الذي ينتهجه معارضو الرئيس في تونس هو العمل على مزيد عزلته داخلياً وخارجياً؛ داخلياً من خلال تنويع التحركات الاحتجاجية السلمية وخلق حالة مجتمعية تؤدي إلى العصيان المدني، وخارجياً مواصلة الضغط من خلال التواصل مع المجتمع المدني والسياسي لإخراج البلاد من المستنقع الذي تردت فيه.
أنور الغربي المنسق العام للمبادرة السويسرية لدعم الديمقراطية في تونس قال إن "غياب المدافعين عن الانقلاب في الخارج، وعبثية الخطاب والتمشي الذي تنتهجه الرئاسة يجعل مهمة النشطاء في الخارج يسيرة لبيان خطورة خطاب التقسيم على السلم الاجتماعي في تونس".
وأشار الغربي في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن تونس "تحتاج اليوم للدعم الخارجي ولا توجد إمكانية للدعم دون توفر مؤسسات ضامنة تطمئن الشركاء والمتدخلين".
وأضاف الغربي أن "جميع المؤشرات تؤكد أن فسحة الانقلاب شارفت على نهايتها، وأصبح مطلوباً من كل القوى الوطنية التعجيل بتجاوز خلافاتها السياسية وإعلان التعبئة من أجل إنقاذ المسار وحماية التجربة التونسية والعمل على إصلاح أخطائها وعيوبها وليس وأدها.
من جهته، أكد الكاتب والمحلل السياسي عادل السمعلي أن "المعارضة السياسية للانقلاب تراهن على أخطاء قيس سعيّد القاتلة وكان آخرها إلغاء القانون عدد 38 لتشغيل العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا الذي أثار سخط ونقمة لدى قطاع عريض من الشباب حتى من مؤيدي الرئيس وكذلك الأحزاب المؤيدة له.
وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إن "التحركات القادمة سيغلب عليها الطابع الاجتماعي، فمعلوم أن فترة الشتاء دائماً ساخنة في تونس، وقد بدأ التلويح من الآن بإغلاق حقول النفط في الكامور من محافظة تطاوين بتونس، لأن الحكومة لم تفِ بتعهداتها إضافة إلى أن الوضع المالي والاقتصادي حرج جداً".
الرئيس.. واحتمال تعديل الموقف
يبدو أن الرئيس قيس سعيّد مُصرّ على موقفه في تنفيذ مشروعه السياسي ولا توجد نية لديه لتغييره والاستجابة للأصوات المعارضة بل هو بصدد إزاحة كل من يقف في طريقه حتى أصدقاء الأمس ممن دعموه لإقرار الإجراءات الاستثنائية قد أصبحوا اليوم أعداء.
المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي قال إنه "لا توجد إلى حد الآن مؤشرات جدية عن احتمال تغيير أو تعديل موقف الرئيس، السيناريو الأقرب أن تستمر الحالة على ما هي عليه حيث سيواصل الرئيس السير من أجل تنفيذ مشروعه السياسي إلى الآخر".
وأضاف الجورشي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "خصوم قيس سعيّد بمختلف مكوناتهم سيواصلون الضغط، أما الأطراف الخارجية فستبقي على تكتيكاتها الراهنة دون أن تقدم على إجراءات قاسية سيكون ضحيتها الشعب".
وأشار المتحدث إلى أن "الصراع حالياً صراع وقت وصبر وتدهور تدريجي للاقتصاد والقدرة الشرائية للفقراء والطبقة الوسطى إلى أن تبلغ الأزمة الاجتماعية درجات أكثر خطورة عندها تنفجر الأوضاع ويصبح التغيير وارداً ولكن بثمن باهظ.
المعارضة في تونس.. والسياسات الحذرة
تتخذ القوى المعارضة للانقلاب في تونس سياسات حذرة وتتفادى المصادمة والمجابهة وجهاً لوجه، وذلك من خلال تحركات واحتجاجات مدروسة في التوقيت وفي المطالب مع إسناد قيادة التحركات لوجوه سياسية غير حزبية وتحظى باحترام الجماهير المناهضة للانقلاب.
عادل السمعلي الكاتب والمحلل السياسي قال إن "مرد هذه السياسة الحذرة والتمشي البطيء لقوى المعارضة التونسية هو المعادلة الإقليمية والدولية التي يبدو أنها لا تعارض الانقلاب من غير أن تعلن عن ذلك ولكن في نفس الوقت لا يبدو أنها ستدعم حكماً استبدادياً جديداً".
وأضاف السمعلي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "هذه المعارضة تريد الاستفادة من الدرس المصري ومن حادثة "رابعة" الدموية التي مكنت للانقلاب في مصر فهي تعمل ببطء على إسقاط الانقلاب دون مواجهات عنيفة ولا دماء".
وأشار السمعلي إلى أن "انسحاب راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب المجمدة أشغاله وأنصار حركة النهضة من محيط البرلمان ليلة 25 من يوليو/تموز الماضي كان بهدف عدم إعطاء الانقلاب فرصة ليعيد السيناريو المصري خاصة أنه بان بالكاشف أن مصر لعبت دوراً محورياً ولوجستياً في الانقلاب بمباركة فرنسية".