تعيش بلدة عقارب، في محافظة صفاقس، وسط شرقي تونس، التي يقطنها حوالي 40 ألف نسمة منذ نحو أسبوع، على وقع احتجاجات اجتماعية تُطالب بغلق ثاني أكبر مكبّ للنفايات في البلاد، إذ يقولون إنه ترك آثاراً سلبية كبيرة على صحتهم.
ففي الشارع الرئيسي لبلدة عقارب يتجمع منذ الصباح نساء وشباب وحتى أطفال للتظاهر، وهاجسهم الوحيد غلق المكب لأنهم كما يقولون سئموا الأمراض والتدهور البيئي الذي تُسببه النفايات، حسبما رصدت ذلك وكالة الأنباء الفرنسية، السبت 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
بعوض مُسمّم
تقول مبروكة بن إبراهيم، التي تسكن المنطقة وتخرج مع المتظاهرين، إن ابنتها يُسرى، التي كانت في الحادية والعشرين من عمرها، في عام 2019، قد ماتت بسبب لدغة بعوضة تقول إنها "مسمومة ومصدرها المكب".
مبروكة تعتقد أن الحشرة نقلت إلى ابنتها سُماً قاتلاً أو مرضاً بسبب نفايات المكب المنتشر فوق 35 هكتاراً بالقرب من محمية طبيعية.
تضيف في حرقة وهي تحمل صورة يسرى "فقدت ابنتي ولا أريد أن تفقد عائلات أخرى أبناءها جراء أوساخ المصب"، وأضافت باكية "نريد العيش سالمين، لماذا يريدون لنا الضرر؟".
رائحة كريهة
تنتشر رائحة النفايات في الشوارع، آتية من مكبّ "القُنّة"، الواقع على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من مركز البلدة، ويستقبل يومياً أكثر من 620 طناً من الفضلات، حسب تقديرات منظمات ناشطة في المجال.
وتحتوي أطنان القمامة المدفونة في الموقع الذي يخدم مليون نسمة في ولاية صفاقس أيضاً على نفايات صناعية وطبية خطيرة، بحسب السكان.
ويتحدث السكان وأطباء عن أنواع معينة من السرطان ومشكلات في الرؤية والعقم، تُسجل بمعدل أعلى من أي مكان آخر.
وتحت الضغط الشعبي، وعدت السلطات بإغلاق الموقع، لكن أُعيد فتحه الإثنين، بعد الفشل في العثور على مكان آخر، ما أدى إلى سلسلة من الاحتجاجات والصدامات مع الشرطة.
حيث أُغلق مكبّ عقارب مؤقتاً، في نهاية سبتمبر/أيلول 2021، وتوقفت البلديات في المنطقة عن جمع القمامة؛ ما أدى إلى أزمة نفايات في صفاقس، التي غمرت شوارعها بعد 40 يوماً أكياس القمامة.
لذلك أعادت السلطات فتح مكب عقارب على بعد حوالي 30 كيلومتراً من المدينة الصناعية الكبيرة، لكن هذا لم يؤدِ سوى إلى نقل المشكلة، ويشكو السكان من المكب منذ افتتاحه في عام 2008.
أعضاء بشرية في المكب
يؤكد الطبيب بسام بن عمّار "بعد سنتين من إنشاء المكب، وبسبب حرق الفضلات والغازات السامة التي تفرزها، بدأنا نلحظ وكسبب مباشر ارتفاعاً في أمراض الحساسية والجهاز التنفسي والإجهاض المبكر والأمراض السرطانية".
ويتابع بن عمّار، الذي يعمل في البلدة منذ عشرين عاماً "يتم جلب فضلات من كل الأصناف، لاحظنا وجود مواد طبية وأعضاء بشرية وحتى أجنّة"، في حين تؤكد وزارة البيئة أن نفايات المستشفيات تُعالج بصورة منفصلة.
يقول عادل بن فرج، وهو من بين المتظاهرين "طيلة العام لا يفارقنا البعوض ولا الرائحة الكريهة، نوافذ البيت لا تُفتح، مطالبنا بيئية ومشروعة، ولا علاقة لها بالسياسة".
يُشار إلى أن تونس من الدول التي لا تقوم بتدوير النفايات إلّا بنسب ضئيلة، وتعتمد أساساً على الحرق أو الطمر للتخلص منها، وتُنبه منظمات المجتمع المدني إلى أن ما يحدث في عقارب يشبه مناطق أخرى تفاقم الوضع فيها، ولم تعُد تستوعب كميات الفضلات المنزلية والصناعية.
تقول منسّقة قسم العدالة البيئية في منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، إيناس لبيض، إن "أكثر من 90% من النفايات لا يتم تدويرها في تونس، وهذا يتسبب في تدهور الوضع الصحي والبيئة" بجوار المكبات.
يقول المهندس محمود العجمي (29 عاماً)، الناشط ضمن جمعية "مانيش مصب"، (لستُ مصباً)، وهو يعرض رسماً ساخراً لجرذان بصدد قضم دستور البلاد، الذي يضمن حق العيش في بيئة سليمة "نحن مواطنون تونسيون نريد حقنا في بيئة نظيفة".