رغم أنها لا تحظى بأهمية كبيرة لدى السلطة والإعلام والأحزاب السياسية في الجزائر، فإنها تخلق حراكاً كبيراً على المستوى المحلي في القرى والنجوع والدوائر، بسبب تنافس العائلات الكبيرة والقبائل على قيادة البلديات والمجالس الولائية.
وتعتبر السلطات الجزائرية انتخابات المجالس المحلية آخر حجر في بناء ما تسميه "الجزائر الجديدة"، بعدما أجرت انتخابات رئاسية ثم دستورية فتشريعية.
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً، إن الجزائر ستكمل بناء مؤسساتها الدستورية بعد 27 نوفمبر/تشرين الثاني، في إشارة إلى موعد إجراء الانتخابات المحلية.
صدمة الأحزاب في الجزائر
في سابقة هي الأولى من نوعها لم تتمكن الأحزاب التقليدية الكبرى من ضمان المشاركة في جميع بلديات الوطن وعددها 1541 بلدية.
وأرجعت الأحزاب الكبيرة عدم قدرتها على المنافسة في جميع البلديات، إلى قانون الانتخابات الذي يفرض جمع قرابة 800 ألف توقيع لتغطية كل المجالس المحلية.
واعتبرت حركة مجتمع السلم القانون ظالماً للأحزاب السياسية ودعماً غير مباشر للقوائم الحرة.
بينما يرى حزب جبهة القوى الاشتراكي، وهو أقدم حزب معارض في البلاد، أن قانون الانتخابات الجديدة "بمثابة إعلان حرب ضد الأحزاب السياسية وضد كل ما هو منظم في المجتمع"
وكان الحزب الأكبر في البلاد والفائز بنصف بلديات الوطن في الانتخابات المحلية الماضية، حزب جبهة التحرير الوطني، أعلن أنه لن يستطيع المنافسة في أكثر من 300 بلدية، لعدة أسباب، أبرزها القوانين الجديدة.
بينما لم يستطع حليفه، التجمع الوطني الديمقراطي، إعداد قوائم في أكثر من 500 بلدية.
أما الانتكاسة الكبيرة فكانت من نصيب حركة مجتمع السلم الإسلامية التي لن تشارك في أكثر من ألف بلدية، لأول مرة في تاريخها.
واتهمت الحركة سلطة الانتخابات بارتكاب "مجزرة إدارية وإقصاء تعسفي في حق قوائم الحركة من قِبل اللجان الانتخابية".
شروط "تعجيزية"
ترى الأحزاب الكبيرة المتضررة من قانون الانتخابات والتعديلات التي فرضتها السلطة المستقلة للانتخابات، أن هناك محاولة لتقزيم دورها لصالح القوائم الحرة المدعومة من طرف الحكومة، في إعادة لسيناريو الانتخابات التشريعية.
ونجم عن دعم الحكومة المالي للقوائم الحرة، احتلالها المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية، لتتكتل بعد ذلك في كتلة برلمانية واحدة داعمة للرئيس تبون.
ومن بين المواد التي أثارت جدلاً لدى الأحزاب السياسية، المادة الـ187 التي تنص على ضرورة توافق عدد المرشحين مع المقاعد في المجلس، إذ تنص على ما يلي: "يتغير عدد أعضاء المجالس الشعبية البلدية حسب تغير عدد سكان البلدية الناتج عن عملية الإحصاء العام للسكان والإسكان الأخير"، بمعنى أنه كلما زاد عدد السكان زاد عدد المقاعد والمرشحين والتوقيعات.
وأشعلت كذلك المادة الـ318 جدلاً هي الأخرى، إذ تنص على ما يلي: "على قائمة المترشحين المقدمة سواء تحت رعاية حزب سياسي أو بصفة مستقلة بالنسبة للبلديات التي يساوي عدد سكانها أو يقل عن عشرين ألف نسمة، أن تدعم على الأقل بـ20 توقيعاً من ناخبي البلدية المعنية فيما يخص كل مقعدٍ مطلوب شغله".
وطالبت بعض الأحزاب سلطة الانتخابات بالتخلي عن هذا الشرط، وإخضاع العملية لنفس شروط الانتخابات التشريعية والتي تلزم الحزب أو المرشح بجمع 25 ألف توقيع عبر 25 ولاية على الأقل.
أما المادة التي لا يتوقف النقاش حولها فهي المادة الـ184 والتي تنص على "ألا يكون معروفاً لدى العامة بِصلته مع أوساط المال والأعمال المشبوهة وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على الاختيار الحر للناخبين وحسن سير العملية الانتخابية".
وترى حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية وحزب الفجر الجديد وكثير من الأحزاب الأخرى أن هذه المادة مطاطة وتستغلها السلطة لحصر قوائم الأحزاب، مع التركيز على المرشحين الذين يملكون شعبية جارفة، وذلك لصالح القوائم الحرة.
وانتقد المحلل السياسي فاتح بن حمو هذه المادة الأخيرة، مؤكداً أنها تستعمل للسيطرة على المرشحين وتصفية الحسابات أحياناً.
وأضاف بن حمو، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن السلطة تستخدم القانون لغربلة المرشحين.
رهان القوائم الحرة
لم تغيّر السلطة في الجزائر من نهجها الذي اتبعته في الانتخابات التشريعية بحيث دعمت المرشحين الأحرار مادياً وقانونياً، ما جعلهم يتبوؤون المرتبة الثانية في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، متفوقين على قوى تقليدية كبيرة.
ومن خلال عمليات حصر قوائم الأحزاب التقليدية ومنعها من المنافسة في كل البلديات وفسح المجال أمام القوائم الحرة، يتأكد أن رهان السلطة لم يتغير، ومن المتوقع أن تحصد القوائم الحرة عدداً معتبراً من المجالس المحلية.
ووفق المحلل السياسي فاتح بن حمو، فإن رهان السلطة على القوائم الحرة سيتواصل إلى غاية موعد التجديد النصفي لمجلس الأمة.
ويعتقد بن حمو أن صانع القرار في الجزائر يسعى إلى تحجيم دور الأحزاب السياسية وفسح المجال أمام قوى المجتمع المدني التي يسهل التحكم فيها؛ لقلة خبرتها في العمل السياسي.