في خضم مخطط التهويد الذي تقوده إسرائيل بمدينة القدس المحتلة منذ احتلالها في عام 1967 والذي ارتفعت وتيرته في الأشهر الأخيرة، يبرز الحديث في هذا الملف عن شبكة من المنظمات الاستيطانية التي تقود حملة التهويد في المدينة المقدسة بدعم وتأييد من أجهزة الدولة والحكومة وبلدية القدس التابعة للاحتلال، حيث توفر المؤسسات الرسمية غطاءً قضائياً وتنفيذياً تسمح من خلاله باستيلاء منظمات الاستيطان على عقارات المقدسيين، وتحديداً في البلدة القديمة لمدينة القدس.
إحدى أبرز هذه المنظمات ما تعرف بـ"نحلات شمعون" التي برز دورها في قضية ترحيل أهالي "الشيخ جراح"، حيث تدَّعي المنظمة أنها تمتلك ما يثبت ملكيتها لأراضي الحي، وهو ما دفعها إلى الدخول في صراع قضائي مع أهالي حي الشيخ جراح بهدف طردهم والاستيلاء على عقاراتهم بطرق مختلفة، منها الاحتيال غير المباشر عبر تقديم مبادرات لتسوية أوضاع الحي تهدف إلى الحصول على اعتراف بملكية المنظمة للحي، وأن السكان المقيمين يتمتعون بخدمة الإقامة كمستأجرين لدى المنظمة.
ما هي منظمة نحلات شمعون؟
نحلات شمعون "Nahalat Shimon" وتعني باللغة العبرية "أملاك شمعون"، هي جمعية استيطانية يهودية تأسست في أبريل/نيسان عام 2000، وفقاً لبيانات مراقب تسجيل الشركات الإسرائيلي، يديرها رجل الأعمال الإسرائيلي سيمور براون، وهو مواطن كندي يبلغ من العمر 68 عاماً، يعمل محامياً في شركة Braun" Goldberg" للمحاماة بنيويورك المتخصصة في الصناديق الاستثمارية.
وقد أظهرت تحقيقات أوردها مركز "شومريم"، أن براون له باع طويل في قضايا تمويل الاستيطان بالمناطق المحتلة عام 1967، حيث كان له دور مباشر في تمويل قرض بقيمة نصف مليون دولار لشركة "بار إيمونا" العقارية، التي تعمل تحت مظلة حركة "إيمونا" الاستيطانية؛ وذلك للمساعدة في توطين خمس عائلات بمستوطنة "معاليه أفرايم" في عام 2010.
الضلع الثاني في هذه المنظمة، تساحي مامو، وهو شخصية بعيدة عن الأضواء، توكل إليه مسؤولية المداولات القانونية والقضائية ومدير الأصول العقارية لجمعية "نحلات شمعون"، ويتهم مامو، وفقاً لتحقيق أوردته صحيفة هآرتس في مايو/أيار الماضي، بأنه نشط منذ تسعينات القرن الماضي في إدارة ما يزيد عن عشرين شركة أسسها أو ساهم في تأسيسها من أجل الاستحواذ على أكبر قدر من الأراضي والعقارات في مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية.
من بين هذه الشركات: "الوطن، بني هناحل"، وهما مسجلتان لدى الإدارة المدنية التابعة لسلطات الاحتلال في يهودا والسامرا (الضفة الغربية)، وشركتا سبايس ندلان وليبفس المسجلتان في الولايات المتحدة الأمريكية.
يعتقدون أن قبر شمعون بالشيخ جراح..
خالد شعبان، الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمركز أبحاث منظمة التحرير، قال لـ"عربي بوست"، إن "المعنى التوراتي الديني لمنظمة نحلات شمعون منسوب إلى الحي اليهودي الذي كان يقيم فيه الحاخام شمعون الصديق، حيث تدَّعي الروايات التوراتية أن قبر شمعون الصديق بالأساس كان في منطقة حي الشيخ جراح قبل 400 سنة، وقام الرحالة اليهود بتسمية الحي باسم نحلات شمعون في عام 1891، التي اشترت الأرض وبنت عليها سكناً لليهود اليمنيين الفقراء".
وأضاف: "الدور الذي تمارسه منظمة نحلات شمعون دور استيطاني بأبعاد سياسية ودينية، حيث إنها تجمع ما بين أفكار اليمين الإسرائيلي الذي يريد السيطرة على الأرض، واليسار الإسرائيلي الذي يؤمن بيهودية الدولة، أي إن البعدين في يهودية السيطرة الجغرافية والديموغرافية أكسب المنظمة تأييداً من قِبل الحكومات الإسرائيلية في ممارسة ما يحلو من نشاطات داخل الحي".
تسعى المنظمة إلى السيطرة على أقرب الأحياء للمسجد الأقصى، ويتركز دورها في حي الشيخ جراح، الذي يقطنه ما يزيد على 28 عائلة، لإنشاء مجمع استيطاني يضم 200 وحدة سكنية، لاستقطاب العدد الأكبر من اليهود المتدينيين، كما أن سيطرة المنظمة على الحي تمنحها فصلاً جغرافيّاً بين شمال مدينة القدس وجنوبها، بما يمهد الطريق لإنشاء ما يُعرف بالحوض المقدس، وهو محور دائري يلتف كحزام جغرافي لكامل محيط المسجد الأقصى.
تتعامل المنظمة باعتبارها وريثة حارس أملاك حي الشيخ جراح، مستغلةً امتلاكها أوراقاً تدَّعي أنها نقلت ملكية الحي عبر شرائها مما يعرف بالوقف الأشكنازي والسفاردي في عام 2001 بقيمة 3 ملايين دولار.
وتعد "نحلات شمعون" جزءاً من هرم ممتد لسلسلة شركات استيطانية متداخلة يديرها الأثرياء اليهود في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تندرج المنظمة بأنها جزء من شركة "شمعون هتصديك" القابضة، بجانب شركات أخرى مهمتها جلب التمويل الخاص بمشاريع الشركة الاستيطانية في مناطق القدس المحتلة والضفة الغربية.
نشاط المنظمة الرئيسي هو الدخول في صراع قضائي مستمر مع أهالي القدس الشرقية بهدف طردهم من المناطق التي يقطنون فيها بصيغ قانونية أهمها التحايل والتلاعب في نصوص الأحكام القضائية، نظراً لامتلاكها شبكة واسعة من المحامين ذوي الخبرات الواسعة في شؤون النزاع العقاري، ويساندها بذلك انحياز جهاز القضاء الإسرائيلي لمواقف المستوطنين.
محامون عرب في منظمة استيطانية
خليل تفكجي، مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية في القدس، قال لـ"عربي بوست"، إن "منظمة نحلات شمعون بمثابة الذراع القضائية لشبكة من المنظمات اليمينية في القدس التي تتلقى تمويلها المباشر من الصندوق القومي اليهودي والأثرياء اليهود من الولايات المتحدة الأمريكية، يتركز دورها في إثبات ملكيتها جزءاً كبيراً من أراضي البلدة القديمة في القدس، من خلال ادعائها أنها اشترت هذه الأحياء إبان الحكم العثماني لفلسطين في الحقبة الممتدة من القرن الثامن عشر والتاسع عشر".
وأضاف: "تستند المنظمة في دورها القضائي إلى عدد من القوانين التي أقرتها دولة الاحتلال، وأهمها قانون أملاك الغائبين الذي يجير للدولة وضع اليد على العقارات والأصول التي غاب أفرادها قسراً أو اختياراً لمدة ثلاث سنوات، وهي فترة الفراغ التي تلت النكبة عام 1984 وما قبلها، إضافة إلى ممارسة عمليات احتيال قانوني عبر استقطاب محامين عرب بهدف إقناع سكان الحي بمغادرة الحي مقابل مكافآت مالية وتأمين ممر آمن لإخراجهم من القدس إلى إحدى دول العالم أو ترحيلهم للضفة الغربية".
تخترق عمليات نزع ملكية الأراضي من الفلسطينيين القانون الدولي لعدة أسباب، أولها أنها "تتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم (2334) الذي طالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة وضمنها القدس الشرقية".
فإخلاء منازل الفلسطينيين ينتهك المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، حيث أكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومحكمة العدل الدولية والأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة، أنها تنطبق على المستوطنات الإسرائيلية.
التهجير غير قانوني..
كما أن التهجير يعتبر انتهاكاً لاتفاقية جنيف الأولى لعام 1864 المتعلقة بحماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة.
وتجدر الإشارة إلى أن حي الشيخ جراح له جذور تاريخية عميقة تعود للقرن الثاني عشر، ونشأته الحديثة تعود إلى عام 1956 بموجب اتفاقية بين الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وكان الهدف من الاتفاقية هو توطين 28 عائلة فلسطينية في وحدات سكنية بالحي، مقابل استغناء تلك العوائل عن بطاقات اللاجئين والإعانات الخاصة بهم من المنظمة الأممية، لكن الحكومة الأردنية لم تمنح وثائق ملكية أراضي تلك الوحدات السكنية للعوائل المستفيدة إلى أن خسرت سيادتها على القدس المحتلة في حرب 1967، فاستغلت "إسرائيل" هذه الثغرة في رفع قضايا الإخلاء على سكان الحي.
استغلت الجمعية ذلك واستصدرت أحكاماً قضائية إسرائيلية بملكية قسيمة الأرض بدعوى أن يهوداً اشتروها قبل 130 عاماً.
ويعد إقرار أهالي حي الشيخ جراح بملكية المنظمة للحي، شكلاً التفافياً على تسريب العقارات، حيث إن إقرار خطوة كهذه والاعتراف بها يعنيان منح جهاز القضاء الإسرائيلي دوراً أكبر في السيطرة على مناطق القدس الشرقية.