قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية في تقرير نشرته يوم الجمعة 29 أكتوبر/تشرين الول 2021 إن فلسطينياً قُتِلَت بناته الثلاث مع ابنة أخته في 16 يناير/كانون الثاني 2009، يكافح منذ 13 عاماً للحصول على حقهم والتعويض عن قتلهم.
قضية الدكتور عز الدين أبو العيش الذي قتلت بناته الثلاث سوف تنظر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أمام أعلى محكمةٍ في إسرائيل، ويقول: "لا تقتلوا بناتي مرةً أخرى. امنحوهن الحياة. امنحوهن وجهاً بشرياً. استغلوا هذه الفرصة لنشر الأمل".
قصف إسرائيلي
يذكر أن بناته الثلاث وابنة اخته قُتِلَن عندما تعرَّض منزلهم في غزة لضربةٍ مباشرة من نيران دبابةٍ إسرائيلية. حدث ذلك قبل يومين من إعلان وقف إطلاق النار في الحملة العسكرية التي استمرَّت ثلاثة أسابيع والمعروفة باسم "الرصاص المصبوب". في ذلك الوقت، عمل أبو العيش طبيباً لأمراض النساء والتوليد في مركز شبا الطبي في تل أبيب، وكان ناشط سلامٍ فلسطينياً بارزاً.
كانت ابنته الكبرى، بيسان، تبلغ من العمر 21 عاماً عندما قُتِلَت، وكانت على وشك إكمال درجة البكالوريوس. كانت تخطِّط للحصول على درجة الماجستير في كلية لندن للاقتصاد. أما ميار، التي كانت في الـ15 من عمرها عندما قُتِلَت، فكانت طالبةً بارزةً في الرياضيات، وخطَّطَت للسير على خطى والدها لتصبح طبيبة. وآية، 13 عاماً، كانت تحلم بأن تصبح محامية، فيما كانت ابنة أخته نور، 17 عاماً، تأمل أن تصبح معلِّمةً.
أما ابنته الأخرى، شذا، فكانت في الـ16 من عمرها، وفقدت عينها في القصف.
فقدان الزوجة
فقد أبو العيش زوجته، التي كانت مصابةً باللوكيميا، قبل الهجوم بأشهرٍ قليلة. وبعد تعافي شذا، انتقل مع أطفاله الخمسة المتبقين إلى كندا، وعمل منذ ذلك الحين أستاذاً للصحة العالمية في جامعة تورنتو.
رفع دعوى قضائية ضد الدولة في محكمة بئر السبع المركزية في ديسمبر/كانون الأول 2010، بعد أن رُفِضَ طلبه بالاعتذار والتعويض. لم يحدِّد مبلغاً معيناً، لأنه يرى أنه "لن يكون من الأخلاقي أو المعنوي" وضع ثمنٍ لحياة الإنسان.
يقول إنه إذا فاز بالقضية في نهاية المطاف، فلن يأخذ فلساً واحداً لنفسه. في المقابل سيتبرَّع بالمال لمؤسسة "بنات من أجل الحياة" التي أسَّسها قبل عدة سنوات تخليداً لذكرى بيسان وميار وآية. وتُكرَّس المؤسسة لتمكين الشابات في الشرق الأوسط من خلال المنح الدراسية.
يذكر أن دعواه رُفِضَت في ديسمبر/كانون الأول 2018، إذ حكم القاضي شلومو فريدلاندر بأن الجماعات الفلسطينية المسلَّحة، وليس إسرائيل، هي المسؤولة عن مقتل الفتيات لأنهن خزَّنَّ الأسلحة في المبنى الذي تعرَّضَ للقصف. وكتب فريدلاندر في الحكم: "من المؤسف للغاية أن أربع فتيات صغيرات لم يشاركن في القتال فقدن أرواحهن".
من المفارقات إلى حدٍّ ما أن أبو العيش قد أُخطِرَ بالقرار أثناء إلقاء خطاب في حدثٍ نظَّمَته منظمة "Women Wage Peace – نساءٌ تشنُّ السلام"، وهي جماعة تأسَّسَت بعد حرب 2014 في غزة. يروي أبو العيش قائلاً: "ظللت صامتاً عندما سمعت، وكان ذلك مؤلماً للغاية"، ووصف الحكم بأنه "منحازٌ ومليءٌ بالتناقضات ومنقطع عن السياق".
التوصل إلى تسوية
ستُعقَد الجلسة الأولى للاستئناف أمام المحكمة العليا في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وسيكون أبو العيش، المواطن الكندي الآن، هناك مع أسرته. ومع ذلك، لا يزال يأمل أن تكون هناك إمكانيةٌ للتوصُّل إلى تسويةٍ خارج المحكمة قبل ذلك الوقت. ولهذه الغاية، التقى خلال الصيف بالرئيس إسحق هرتسوغ، ووزير الخارجية يائير لبيد.
قال في مكالمةٍ هاتفية من منزله في تورنتو: "كانت هذه اجتماعاتٍ مؤثِّرة للغاية ومُلهِمة. في الواقع، وَعَدَ الرئيس بالتواصل مع المدَّعي العام الإسرائيلي نيابةً عني".
يمثِّله في هذه القضية حسين أبو حسين، المحامي من مدينة أم الفحم، والذي دافع أيضاً عن عائلة راشيل كوري في دعوى الموت الخطأ ضد الحكومة الإسرائيلية والتي انتهت بالفشل. قُتِلَت كوري، الناشطة الأمريكية المؤيِّدة للفلسطينيين، تحت عجلات جرَّافة للجيش الإسرائيلي أثناء تطوُّعها في غزة عام 2003.
يواجهون المأساة
يقول أبو العيش إن الحياة في تورنتو كانت جيِّدة. طفله الأصغر، الذي كان في السادسة من عمره حين فقد ثلاثاً من شقيقاته ووالدته، هو الآن طالب في السنة الثانية في الجامعة. تخرَّج جميع أبناء أبو العيش الآخرين وبدأوا حياتهم المهنية. يقول الطبيب: "لم نسمح لأنفسنا بأن تكسرنا مأساتنا".
بعد عامين من فقد بناته الثلاث، نشر أبو العيش كتاباً بعنوان "لا أكره: رحلة طبيب من غزة على الطريق إلى السلام والكرامة الإنسانية"، وساعده ذلك على شقِّ طريق مهني كمتحدِّثٍ مُلهِمٍ ومطلوب. وهو يسافر كثيراً، كما يقول، واصفاً نفسه بأنه "مواطنٌ عالمي".
رغم أنه متفائلٌ بطبيعته، يقول أبو العيش إنه لا يسعه إلا أن يشعر باليأس بشأن الوضع في الشرق الأوسط هذه الأيام، ويضيف: "الأمور تزداد سوءاً".