شعر عراقيون بأريحية عندما تلقوا خبر وفاة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، ولم تخل تعليقاتهم من كلمات السخط على الرجل الذي يعد واجهة الغزو الأمريكي لبلادهم، الذي تسبب في مقتل نحو 200 ألف شخص، وعقدين من الفوضى والاضطرابات التي عمت المنطقة.
كانت عائلة باول قد أعلنت الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن وفاته عن عمر ناهز 84 عاماً، ولم تؤلم وفاته كثيرين في العراق الذي لا يزال يعاني آثار الاحتلال الكارثي والجماعات المسلحة التي ظهرت في أعقاب غزو 2003 التي اعترف باول نفسه لاحقاً بأنها وصمة في تاريخه.
صحيفة The Guardian البريطانية، قالت الإثنين، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن كلمات تأبين الجنرال الأمريكي السابق في مدينة الموصل شمال العراق، كانت قاسية وغير متسامحة في كثير من الأحيان.
خالد جمال، أحد سكان المدينة، قال إن "أمريكا زادت من سوء حال العراق لأنها دمرت البلد بأكمله، وكانت السبب في قدوم الدخلاء من خارج العراق للسيطرة عليه".
هاجم جمال باول وقال إنه "عاث الفوضى في العراق، وكان جزءاً مهماً من هذا، لأنه كان الكاذب الرئيسي الذي قدم أسباباً غير صادقة لأمريكا لمهاجمة العراق".
في جنوب العراق أيضاً يُنظر إلى الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام حسين -لكنه أغرق البلاد في حمام دم- على أنه كارثة للبلاد، وفي العاصمة بغداد كانت المواقف من الغزو -ودور باول- أكثر تبايناً، بحسب الصحيفة.
يقول إياد عبد الرحمن، رجل الأعمال من حي الأعظمية: "أصبحنا أكثر حرية، هذا صحيح. ويمكننا السفر وكسب لقمة العيش، لكن هل كان الأمر يتطلب كل هذا الألم لنصل إلى هذه المرحلة، هل كان حقاً يستحق كل هذه المعاناة؟ جميل أنه فكر فيما فعله قبل وفاته".
أما منتظر الزيدي، الذي ألقى حذاءه على جورج بوش في مؤتمر صحفي ببغداد عام 2008، فقال: "حزنت على وفاة كولن باول دون أن يُحاكم على جرائمه في العراق، لكنني على يقين من أن محكمة الله ستنتظره".
إلا أن هذه المواقف مختلفة عن بعض المواقف في الشمال الكردي للعراق، حيث قال بعض السكان إن "باول دعم قضية الأكراد بمساعدته في هزيمة الديكتاتور العراقي".
كان رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، من بين أول من نعى باول الذي توفي بسبب مضاعفات كورونا، وقال بارزاني على تويتر: "أحزنني خبر وفاة وزير الخارجية السابق كولن، الصديق الوفي لإقليم كردستان والعراق".
أضاف بارزاني: "تعاونّا معاً لتخليص البلاد من الديكتاتورية، وأُدرك أنه كان يسعى لتحقيق سلام دائم في المنطقة".
أما الباحث الكردي جوران سلام فكان موقفه متبايناً من وفاة باول، وقال: "لقد جعل العراق أفضل حالاً بمساهمته في إدخال الحرية والديمقراطية إلى البلاد، لكن الحالة الأمنية تدهورت، وأدى الوجود الأمريكي إلى زيادة الأنشطة الإرهابية، وكان سبب ظهور داعش والقاعدة في الشرق الأوسط".
كان باول قد ألقى، في 5 فبراير/شباط 2003، خطاباً مطولاً أمام مجلس الأمن الدولي، حول أسلحة الدمار الشامل التي كان يعتقد أن العراق يملكها، وهي حجج كانت وراء تبرير اجتياح البلاد.
وأقر لاحقاً بأن هذا الخطاب كان "وصمة" لسمعته، قائلاً "كانت وصمة لأنني أنا من قدم هذا العرض للعالم باسم الولايات المتحدة، وسيبقى على الدوام جزءاً من حصيلة أدائي"، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
ولد باول في أبريل/نيسان 1973، في نيويورك، حيث درس الجيولوجيا، وبدأ مسيرته العسكرية في 1958، حيث تولى أولاً مركزاً في ألمانيا ثم أرسل إلى فيتنام كمستشار عسكري للرئيس الأسبق جون إف كينيدي.
كُلّف باول بالتحقيق في مجزرة "ماي لاي"، التي وقعت خلال حرب فيتنام على أيدي جنود أمريكيين، والتي اعتبرت من أسوأ التجاوزات التي ارتُكبت في تاريخ الجيش الأمريكي، ووجّهت انتقادات لتقريره؛ إذ اعتبر البعض أنه يرفض تحميل العسكريين أي ذنب، بحسب الوكالة الفرنسية.