روى الجزائري رابح ساحيلي، أحد الناجين من قمع تظاهرة شارك فيها عشرات آلاف الجزائريين بباريس عام 1961، شهادته عن وحشية الشرطة الفرنسية، وممارستها لقمع وصفه رئيس البلاد إيمانويل ماكرون بأنه "جرائم لا يمكن تبريرها".
ساحيلي روى بحزن ذكرياته عن التظاهرة التي شارك فيها بالعاصمة الفرنسية، ووصف وحشية رجال الشرطة والدرك بأنها كانت مروعة، وذلك خلال تصريحاته التي أدلى بها لوكالة الأنباء الفرنسية.
تعود الأحداث التي رواها ساحيلي إلى قبل ستين عاماً، عندما كان أكثر من ثلاثين ألف جزائري يتظاهرون بشكل سلمي، تلبية لدعوة فرع جبهة التحرير الوطني في فرنسا، بهدف التنديد بحظر التجول المفروض على الفرنسيين المسلمين (الجزائريين) حصراً من قِبل قائد شرطة باريس موريس بابون.
حينها انتشر انتشر عشرة آلاف شرطي ودركي، وكان القمع دموياً إذ قتل العديد من المتظاهرين بالرصاص وألقي ببعض الجثث في نهر السين.
يقدر المؤرخون عدد القتلى بالعشرات على الأقل إن لم يكن 200، بينما لا تتحدث الحصيلة الرسمية عن أكثر ثلاثة قتلى و11 ألف جريح.
يوم التظاهرة الدموي
يقول ساحيلي عن يوم التظاهرة: "كان علينا أن نجتمع في ساحة النجمة لبدء تظاهرتنا السلمية بأمر واحد: لا ينبغي أن يحمل المناضلون أي أداة حادة".
تم اختيار هذه الساحة الكبيرة من قِبَل جبهة التحرير الوطني كنقطة تجمع للمهاجرين القادمين من الضواحي، حيث تقطن الطبقة العاملة في غرب باريس مثل جونفيليي وأسنيير وناتير.
كذلك خُطط لتظاهرات في أماكن أخرى في العاصمة الفرنسية، وقال ساحيلي: "كنت مع أحد أقاربي عندما هاجمنا شرطيون. حاول حمايتي باعتباره أقوى مني، لكنه تلقى سيلاً من الضربات بأعقاب المسدسات والهراوات، ما تسبب في كسر ساقه".
أشار ساحيلي إلى أنه "تم اعتقال جميع الجزائريين الخارجين من محطة المترو، وكانت الاعتقالات بناء على السمات"، موضحا أن "إيطاليين وإسباناً وأمريكيين جنوبيين" اعتقلوا.
أضاف أن التعليمات التي أعطيت لرجال الدرك والشرطة بمهاجمة الفرنسيين المسلمين، وهي التسمية التي كانت تطلقها السلطات الاستعمارية الفرنسية على الجزائريين.
تم نقل المعتقلين "تحت ضربات الهراوات" إلى موقف للسيارات بالقرب من ساحة النجمة، وتعرض المعتقلون لوابل من ضربات أعقاب المسدسات على الرؤوس، واصفاً الضربات بأنها كانت وحشية.
يتابع ساحيلي في روايته للأحداث: "كان موقف السيارات مزدحماً. في منتصف الليل تم نقلنا بالحافلة إلى قصر الرياضة، حيث مكثنا لمدة ثلاثة أيام تحت مراقبة الشرطة وحركيين"، جزائريون في الجيش الفرنسي.
أكد أنه خلال أيام الرعب هذه، لم يتلقَّ الموقوفون "التسعة آلاف" في قصر الرياضة سوى "وجبة طعام خفيفة وقارورة ماء"، قبل أن تنقلهم الشرطة إلى "مركز الفرز في فانسان".
يقول ساحيلي: "كان هذا المعسكر خالياً من جميع وسائل الراحة: لا أسرّة ولا مراحيض. نمنا على الأرض في البرد القارس"، مضيفاً: "مكثت هناك لمدة أسبوعين قبل أن يُسمح لي بالعودة إلى المنزل".
رمي جثث جزائريين في نهر السين
خلال الاعتقالات، رأى ساحيلي نحو عشرين شخصاً ينزفون دماً على الأرض بالقرب من ساحة النجمة، وقال إن عدد رجال الشرطة "كان كبيراً جداً ويتصرفون مثل الوحوش الشرسة".
أكد ساحيلي أن "الشرطة الفرنسية ألقت جزائريين بعضهم أحياء في نهر السين، لكننا لن نعرف العدد الدقيق للجثث التي ابتلعها هذا النهر".
أضاف أنه حتى قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961، قضى عدد كبير من المناضلين الجزائريين "في مياه نهر السين" خلال حملات للشرطة.
ذكر الرجل أيضاً أنه شارك "في إنقاذ ناشط شاب في اللحظة الأخيرة بعدما ألقت به الشرطة في نهر السين بالقرب من محطة توليد الكهرباء في ميناء جونفيليي"، وأضاف أن الشاب اعتبر ميتاً، لأنه "كان قد تعرض لإصابات عديدة عندما تمكنا من إخراجه"، لكنه نجا لأنه كان شاباً وقوياً.
بعد الاستقلال في 1962، بقي رابح ساحيلي في فرنسا لمدة عامين قبل أن يعود إلى بلاده حيث عمل مع شركة الخطوط الجوية الجزائرية.
كان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد أعلن أمس السبت 16 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن "الوقوف دقيقة صمت كلّ سنة، عبر كامل التّراب الوطني بدءاً من اليوم الأحد، في السّاعة الحادية عشرة صباحاً، ترحّماً على أرواح شهداء مجازر 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 بباريس".
من جهته، أدان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ما وصفه بأنه "جرائم لا يمكن تبريرها"، خلال مراسم رسمية لإحياء الذكرى الستين للوقائع، وفقاً للوكالة الفرنسية.
بيان للإليزيه، قال إن رئيس الدولة "أقر بالوقائع: الجرائم التي ارتكبت تلك الليلة تحت سلطة موريس بابون (قائد شرطة باريس يومها) لا يمكن تبريرها".