للمرة الأولى، أحيا سكان الموصل العراقية ذكرى مولد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في مسجد النوري التاريخي شمالي البلاد، يوم الأحد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وذلك منذ أن دُمّر قبل سنوات خلال المعارك ضد تنظيم "داعش".
حيث احتفل المئات تحت الأضواء والرايات التي زينت باحة المسجد بهذه المناسبة، على وقع الأناشيد الدينية التقليدية التي تمدح النبي محمد، والتي قام بتأديتها خمسة رجال بثياب تقليدية.
فيما تخللت الاحتفالية صلاة جماعية بعدما تم رفع الأذان في الجامع العريق.
تلك الاحتفالية الدينية جرت على مسرح شُيّد أمام المئذنة الحدباء التي لم تبقَ إلا قاعدتها.
أول احتفالية
من جهته، قال مدير أوقاف محافظة نينوى، أبو بكر كنعان: "هذه أول احتفالية بمناسبة المولد النبوي الشريف في جامع النوري"، موضحاً أن "هذا المسجد الذي كان له مكانة كبيرة قبل تفجيره، وكانت دائماً تقام فيه الاحتفالات المركزية في مناسبة المولد".
كنعان عبّر عن سعادته الكبيرة لرؤية الناس وأهالي المنطقة يؤدون الصلاة ويحتفلون في هذا المسجد.
كما لفت مروان موفق، مشرف تربوي من سكان الموصل يبلغ 45 عاماً كان مشاركاً في الاحتفال، إلى أنه يشعر بالبهجة والسعادة، لأن "هذا اليوم (الأحد) غير عادي. جامع النوري يذكرني بطفولتي والأيام التي مضت".
في حين أوضح أن هذا الحفل يتخذ "رمزية لإعادة الأذان والصلاة لهذا المكان.. أهل الموصل يريدون أن يعيدوا الحياة إلى ما كانت عليه من خلال هذا المكان".
تجدر الإشارة إلى أن المسلمين يحتفلون بذكرى مولد النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في 12 من ربيع الأول من كل عام، وتشهد العديد من البلدان الإسلامية والمجتمعات المسلمة في بلدان العالم احتفالات وفعاليات وأنشطة خاصة بالمناسبة.
دمار على يد "داعش"
جدير بالذكر أن جامع النوري الكبير تعرّض للتدمير قبل أربع سنوات، إلى جانب العديد من المواقع التراثية الأخرى في المدينة القديمة بالموصل، بالتزامن مع تقدُّم القوات العراقية في آخر محاولاتها لاستعادة السيطرة على المنطقة إبان المعارك مع "داعش".
كان زعيم "داعش" السابق، أبو بكر البغدادي، قد أعلن من خلاله "الخلافة" خلال عام 2014، وذلك في أول ظهور له.
يحمل هذا الجامع التاريخي اسم نور الدين زنكي، النبيل الذي حارب الصليبيين الأوائل من إقطاعيةٍ غطّت أراضي في تركيا وسوريا والعراق المعاصر. وبُنِيَ الجامع بين عامي 1172 و1173، قبل فترةٍ وجيزة من وفاته، وكان يضم مدرسةً إسلامية.
بحلول وقت زيارة الرحالة والعالم الشهير من القرون الوسطى، ابن بطوطة، بعد قرنين من الزمن؛ كانت مئذنة الجامع مائلة. وقد منحها ذلك الميل اسمها الشهير: الحدباء.
في حين بُنِيَ الجامع بسبعة شرائط من الطوب المزخرف بأنماط هندسية معقدة تُشبه تلك الموجودة في فارس ووسط آسيا.
فيما لا يزال المسجد قيد الترميم برعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وخصوصاً مئذنته الحدباء التي تعود للقرن الثاني عشر، حيث جمعت اليونسكو نحو مئة مليون دولار منذ العام 2019 كجزء من مشروع "إحياء روح الموصل".
من المفترض أن تنتهي أعمال الترميم في المسجد بحلول نهاية العام 2023.
في هذا السياق، ذكر المسؤول المحلي في هيئة الآثار عبد الرحمن عماد لوكالة "فرانس برس" أنه سيعاد بناء المئذنة الحدباء والمصلى بالشكل السابق نفسه.