ليست جادة ولا حقيقية وإنما هي جزء من مناورات النظام القائم في مصر للتحايل على الانتقادات الغربية المتزايدة لمصر فيما يخص تعاملها مع ملف حقوق الإنسان.. بهذه الكلمات لخَّص باحثون سياسيون مصريون عمل ما يُسمى "لجنة الحوار الدولي" التي أسسها في مصر النائب البرلماني السابق محمد أنور السادات في عام 2020، بهدف حلحلة ملفات المحبوسين في قضايا الرأي والقضايا السياسية في السنوات الثماني الماضية، في أعقاب الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي.
وفد يمثل اللجنة ضم السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، زار العاصمة الأمريكية واشنطن مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي للقاء نواب من الكونغرس الأمريكي بغرفتيه النواب والشيوخ، بالإضافة إلى لقاء إعلاميين ونشطاء حقوق إنسان أمريكيين، وباحثين سياسيين بخلاف بعض المصريين المحسوبين على المعارضة من المقيمين في أمريكا، وسط أجواء من التفاؤل بخصوص قدرة الوفد على تحريك ملفات المصالحات السياسية المجمدة في مصر منذ تولّي عبد الفتاح السيسي زمام الحكم صيف عام 2014، في لقاء يعتبر الأول من نوعه الذي يضم معارضين وأعضاء من الحكومة.
علم "عربي بوست" من مصدر وثيق الصلة بأعضاء اللجنة أن أبرز ما حققته اللجنة هو محو جزء من الصورة شديدة السلبية التي تركها اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصري والرجل المقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن في يونيو/حزيران الماضي، حين ناقش مع المسؤولين الأمريكيين أسباب عدم إلقاء القبض على الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان، بعد الافراج عنه في مصر عام 2015 عقب تنازله عن جنسيته المصرية.
خصوصاً أن الأمريكان وعدوا السيسي -بحسب زعم كامل- أنهم سيقبضون على سلطان لتنفيذ الحكم الصادر ضده بالحبس مدى الحياة!، وهو الأمر الذي تسبب في إحراج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الرأي العام هناك، خصوصاً بعد أن فتحت أغلب وسائل الإعلام النار على الإدارة وانتقدت تخاذلها تجاه تجاوزات السيسي لحقوق الإنسان.
حتى وصل الأمر بالنظام المصري لإرسال مسؤول مهم مثل رئيس جهاز المخابرات لمناقشة أسباب عدم حبس ناشط حقوقي، تاركاً الملفات الأكثر خطراً على بلاده مثل سد النهضة والموقف في ليبيا وغيرهما.
أعضاء لجنة الحوار الدولي لم يلتقوا ممثلين عن جماعة الإخوان خلال زيارتهم إلى واشنطن
أعضاء اللجنة التقوا سلطان نفسه ضمن المعارضين المصريين الذين التقوهم خلال زيارة اللجنة إلى واشنطن، لكن أعضاء اللجنة أبلغوهم بشكل واضح أنهم ليسوا مفوضين من النظام لترتيب إسقاط الأحكام التي صدرت ضد بعضهم، أو رفع أسماء البعض الآخر من قوائم الترقب والوصول، وإنما كل ما يستطيعون عمله هو النقاش معهم لمعرفة وجهات نظرهم ونقلها إلى المسؤولين السياسيين في مصر بهدف التقريب بين الطرفين، ومن ثم إزالة أسباب التوتر التي كانت وراء "التدخل الأمني" ضد هؤلاء.
ورداً على سؤال لـ"عربي بوست" عما إذا تضمنت اللقاءات التي أجراها أعضاء اللجنة ضمت أفراداً محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين من المقيمين في أمريكا، قال إن بعض اللقاءات العامة ربما ضمت أسماء من هؤلاء، لكن لم يكن هناك لقاء مباشر بين أعضاء اللجنة وممثلين عن جماعة الإخوان، التي يعتبرها القانون المصري جماعة محظورة، وبالتالي لم يكن هناك داعٍ أو عائد من إجراء مقابلات كهذه.
ولفت المصدر إلى أن اللجنة تركز جهودها بالأساس على فتح الملفات التي تخص قضايا الرأي والنشطاء الحقوقيين في مصر، وتقدم مبادرات متعددة في هذا السياق، باعتبار أن ذلك الملف متاح النقاش فيه والتفاهم حوله مع الجهات الأمنية والنيابية في مصر، بخلاف السجناء والمعارضين السياسيين في مصر وخارجها، حيث يدار هذا الملف بمعرفة جهات أخرى وأجهزة سيادية والنقاش فيه غير متاح حالياً.
ومن المفترض أن يتم اللقاء ذاته في عدد من المدن التي يتركز فيها ممثلو المعارضة في الخارج مثل إسطنبول، والدوحة، وبرلين.
السادات يعترف بأن الحديث عن الإسلاميين المسجونين ممنوع، وتضارب أجهزة الأمن يعطل قرارات الإفراج
يُذكر أن محمد أنور السادات كان قد اعترف في حوار أجراه معه موقع مدى مصر، وتم حذف الحوار بعد ساعتين فقط من نشره في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول الماضي بطلب من النائب السابق نفسه، أن الأجهزة الأمنية لا تسمح له بمناقشة أي قضية تخص سجيناً تابعاً لجماعة الإخوان أو سجيناً سياسيا، كما أن تلك الأجهزة تتعنت في الإفراج عن بعض النشطاء المعارضين لنظام السيسي مثل زياد العليمي ورامي شعث المحبوسين على ذمة ما يعرف بقضية مجموعة الأمل، ما يعزز حديثه أن وفد الحكومة طلب من المجتمعين عدم التحدث عن أبوالفتوح وعلاء عبداالفتاح ومحمد القصاص تحديداً، أو أي معارضين يتبعون تنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين.
وتُقدر المنظمات الحقوقية عدد الموقوفين السياسيين في مصر بنحو 65 ألف محتجز، منذ تولّي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي البلاد في 2014 وشن حملة قمع واسعة شملت الإسلاميين والليبراليين.
شروط أمريكا التي أبلغتها لوفد لجنة الحوار لتنفذها مصر قبل الإفراج عن مبلغ المعونة المجمد
وحول نتائج الزيارة تقول مصادر لـ"عربي بوست" إن الهدف من الزيارة لم يكن تقديم التزام حقيقي من السلطات المصرية بتحسين سجلها فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان، بقدر ما تعد مناورة جديدة من النظام المصري لتبييض وجهه أمام الغرب والولايات المتحدة تحديداً، خصوصاً بعد إقدام الإدارة الامريكية على تجميد جزء من المعونة العسكرية التي تبلغ 130 مليون دولار، ورغم أن المبلغ لا يعد كبيراً فإن اللفتة نفسها هي ما تقلق إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لما تحمله من إشارات سلبية تجاه موقف الإدارة الأمريكية تجاهه في المستقبل.
ولجنة الحوار تأسست بـ(7 أعضاء من نواب مجلسي الشعب والشورى يمثلون تيارات سياسية مختلفة) بجانب النائب السابق محمد أنور السادات، لكن عمل اللجنة لم يتم تفعيله إلا في نهاية العام الماضي بعد نجاح الرئيس الديمقراطي جو بايدن الذي لم يكن ودوداً في تصريحاته بشأن السيسي، خصوصاً بعدما وصفه بأنه ديكتاتور (سلفه دونالد) ترامب المفضل.
وفد اللجنة حاول إقناع الأمريكيين بأن التنمية التي يحققها السيسي أهم عند المصريين من الحريات
من هنا جاءت فكرة تنشيط عمل اللجنة، خاصة أن المنظمات الحقوقية الأمريكية لا تحبذ التعامل مع منظمات ولجان حقوق الإنسان المحسوبة على الحكومة، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الانسان في مجلس الشعب ومثلها في مجلس الشورى، بجانب اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان التي يرأسها وزير الخارجية سامح شكري بنفسه، وكررت تلك المنظمات والكثير من المسؤولين الأمريكيين رغبتهم بأن يمنح النظام المصري هامشاً أكبر للحركة أمام المنظمات غير الحكومية التي تلاحق الأجهزة الأمنية أغلبها، وآخرها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومؤسسها حسام بهجت.
انفراجة مرتقبة..
ركزت نتائج زيارة وفد لجنة الحوار الدولي إلى واشنطن على الترويج لحدوث انفراجة، ولم تحمل أي جديد فيما يتعلق بالمصالحات أو الإفراج عن المعتقلين السياسيين أو حتى سجناء الرأي والنشطاء، وأغلبهم من المحبوسين احتياطياً لمدة تناهز العامين دون توجيه تهم محددة، بل إن المثير واللافت أن الوفد وجَّه دعوات لعدد من نواب الكونغرس الأمريكي وبعض الإعلاميين لزيارة مصر، ولقاء السيسي، بجانب تنظيم زيارات إلى المعالم التي تعتبر من إنجازات الرئيس المصري، مثل قناة السويس ومدن العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة والأسمرات، لترويج ما يقوله النظام المصري إنه يحقق إنجازات في ملف التنمية وتحسين الحالة الاقتصادية التي يدعي النظام أنها تهم المصريين أكثر بكثير من الحريات العامة والحريات السياسية.
من المفارقات أن مَن تولّى إطلاق المبادرة في العلن هو محمد أنور السادات، الذي كان هو نفسه ضحية لتعنت الأجهزة الأمنية معه، حين تم طرده وإنهاء عضويته من البرلمان عام 2017، بدعوى الحط من قدر البرلمان، لمجرد أنه كان ينتقد عدم تعاون رئيس المجلس السابق علي عبد العال ونوابه في رفع المظالم عن الناس، باعتباره عضواً في لجنة حقوق الإنسان، وكذلك حصول عبد العال ونائبيه على سيارات مصفحة بقيمة 18 مليون جنيه على نفقة دافعي الضرائب.
اللجنة التقت بسفراء غربيين في مصر ونقلت تحفظاتهم على ملف حقوق الإنسان إلى السلطات المعنية.. فمن هي تلك السلطات؟!
جدير بالذكر أن السادات صرح في أكثر من مرة بأن اللجنة تشكلت بدعوة منه، وتضم في عضويتها 7 أشخاص ممثلين عن البرلمان بغرفتيه والمجتمع المدني والأحزاب، وأن هدفها التواصل مع العالم الخارجي، وجاءت فكرتها عندما لاحظنا وجود أزمة في لغة الحوار بين الحكومة المصرية ومؤسساتها والعالم الخارجي، فرأينا باعتبار ما نمتلكه من خبرات في الاحتكاك مع العالم، سواء برلمانات أوروبية أو أمريكية أننا نلعب دوراً في بناء جسور تفاهم وثقة، ونفهم كيف يرانا الغرب، خاصة أن السنوات الماضية شهدت هجوماً على مصر في بعض الملفات السياسية والحقوقية والحريات، فأخذنا على عاتقنا التواصل مع الخارج.
غير أنه أضاف إلى ذلك أسباباً أخرى لإنشاء اللجنة، ذكرها في الحوار المحذوف مع موقع مدى مصر، منها أن الدولة الرسمية -ممثلة في الخارجية- لا يُستمع لها في الخارج، وكذلك شركات الدعاية لأنها تقدم خدمة مدفوعة الأجر، وأن توضيح وجهة نظر مصر تحتاج إلى أشخاص لهم مصداقية وليسوا محسوبين على الدولة والحكومة، يقولون كلمة حق، ويقدمون لصانع القرار توصيات محددة.
وعن السبب في اختياره هو للقيام بهذه المهمة وليس أحد المقربين للنظام، قال السادات إن لديه قبولاً من الأجهزة الأمنية، التي تشعر أنها أخطأت في حقه بإخراجه من مجلس النواب السابق، وكذلك من المعارضة، فضلاً عن خبرته كسياسي وبرلماني ليس في خصومة مع أحد، ولا يفعل ما يفعله للإفراج عن قريب له محبوس ويريد دعمه، وأخيراً بفضل ما يمتلكه من علاقات مع مسؤولين وبرلمانيين في العديد من دول العالم.
جدير بالذكر أن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في مصر قدرت في تقرير أصدرته في شهر مارس/آذار من العام الحالي 2021 عدد المحبوسين احتياطياً في مصر بحوالي 37 ألف شخص.
هامش الحركة المسموح به لأعضاء اللجنة هو الإفراج عن الشباب غير المعروفين، وأغلبهم تم القبض عليهم بالخطأ!
سفير وعضو سابق بإحدى المنظمات الحكومية لحقوق الإنسان تحدث لـ"عربي بوست" حول عمل اللجنة وطريقة تشكيلها، فقال إنها ليست سوى مناورة جديدة من السيسي ونظامه لكسب تعاطف الغرب، متوقعاً أن تفشل في كسب أي نقاط في ملف حقوق الإنسان.
وقال السفير السابق إن معلوماته التي استقاها من تواصله مع زملاء سابقين له ومهتمين بملف حقوق الإنسان، وبعضهم قريب من أعضاء لجنة الحوار الدولي، تفيد بأن هامش الحركة الوحيد المسموح به لأعضاء اللجنة هو الإفراج عن المحبوسين من الشباب غير المعروفين.
بل إن أغلب المفرج عنهم بمعرفة اللجنة تم القبض عليهم بالخطأ من الأساس.
وكانت اللجنة تستطيع إحداث حراك في ملف المصالحة بين النظام المصري وجماعة الإخوان، ومن ثم إعادة المعارضين المقيمين في الخارج، خصوصاً من أعضاء الجماعة، قال لواء سابق بأمن الدولة لـ"عربي بوست"، إن هذا الأمر مستحيل الحدوث في الوقت الحالي، لأن الرئيس السيسي يريد الحفاظ على أوراقه التفاوضية مع إدارة جو بايدن، وبالتالي لن يغامر بحل كل الملفات العالقة مرة واحدة، مضيفاً أن ما يتم تداوله داخل اجتماعات قيادات الأجهزة الأمنية في الوقت الحالي هو تحريك الأمور في الملفات الخلافية مع الدول الغربية بنظام التتابع.
فمثلاً تم الإفراج عن كثير من الشباب وبعض النشطاء في الفترة الماضية، على أساس أن تكون ورقة بيد أعضاء لجنة الحوار الدولي في زيارتهم الحالية لواشنطن، لإظهار جدية النظام في تحسين صورته في ملف الاعتقالات وحقوق الإنسان، لكن هناك أوراق أخرى بيد النظام في حالة عدم اكتفاء الأمريكان بالورقة الأولى، ومن هذه الأوراق ملف 16 محبوساً احتياطياً في مصر، يحملون الجنسية الأمريكية، كان المسؤولون الأمريكيون قد طلبوا من اللواء عباس كامل الإفراج عنهم خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، في يونيو/حزيران الماضي.
ورقة ثالثة يلعب بها النظام المصري هي ورقة المعارضين المقيمين في الخارج (من غير أعضاء جماعة الإخوان)، الذين صدرت بحقهم أوامر بترقب الوصول، بالسماح لبعضهم بدخول مصر على سبيل الزيارة لأسباب إنسانية، ثم مغادرتها دون القبض عليهم، وهذه الورقة وُضعت بيد لجنة الحوار الدولي أيضاً.
ويضيف اللواء أن ورقة المصالحة السياسية مع الإخوان هي الورقة الأخيرة التي يبقيها السيسي في يده حتى آخر لحظة، ويأمل ألا يحتاج إليها، خصوصاً أن هناك إجماعاً داخل الأجهزة السيادية في الدولة على خطورة استيعاب جماعة الإخوان مجدداً في الشارع المصري، حتى لو تم منع أعضائها من العمل بالسياسة، لأن ذلك لن يكون سوى إبقاء الخطر كامناً تحت الرماد، لكنه سيكون مضطراً لاستخدام ورقة المصالحة في حال فشلت الأوراق الأخرى في إنقاذ النظام من حصار الانتقادات والضغوط الغربية.