تشهد الحالة الفلسطينية حراكاً سياسياً تقوده كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية لحث الأطراف الفلسطينية على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حركتي حماس وفتح، تمهيداً لبدء مرحلة سياسية، في ظل الفيتو الإسرائيلي والأمريكي الرافض لإجراء انتخابات شاملة، خشية من تكرار تجربة عام 2006، حينما فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي.
توجيهات من الإدارة الأمريكية
كشفت صحيفة "هآرتس" أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي، هادي عمر، طرح على رئيس السلطة محمود عباس تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها ممثلون من حماس أو حكومة خبراء "تكنوقراط" يتفق عليها الطرفان، شريطة الالتزام بجميع الاتفاقيات السياسية التي وقعتها السلطة ومنظمة التحرير ونبذ العنف.
يأتي الكشف عن هذا الطرح بعد أيام قليلة فقط من إجراء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً بالرئيس عباس أكد خلاله أن بلاده تولي اهتماماً كبيراً لتوحيد البيت الفلسطيني، وأنها ستواصل تحركاتها وجهودها من أجل عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة.
اتصال السيسي بعباس ترافق مع زيارة أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس للقاهرة الذي اجتمع للمرة الأولى منذ انتهاء دورة الانتخابات الداخلية، وهو ما قد يشير إلى جدية الطرح الأمريكي والمصري لتشكيل حكومة جديدة في الأراضي الفلسطينية.
حماس ترفض المساومة
كشف مصدر قيادي في حركة حماس على اطلاع بزيارة وفد الحركة للقاهرة لـ"عربي بوست" أن المخابرات المصرية قدمت عرضاً للحركة للدخول في شراكة مع حركة فتح لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى عملية الإعمار في قطاع غزة، نظراً لوجود فيتو أمريكي وإسرائيلي يشترط أن تتولى السلطة الفلسطينية حصراً عملية الإعمار في غزة عبر تحويل أموال الدول المانحة لميزانيتها، ولكن رد الحركة جاء برفض هذا الاشتراط الذي اعتبرته بمثابة ابتزاز لا يمكن القبول به.
وأضاف المصدر أن "الحركة اشترطت على مصر ممارسة ضغط على حركة فتح لإجراء انتخابات شاملة (مجلس وطني، مجلس تشريعي، وانتخابات رئاسية)، التي ألغيت بقرار من رئيس السلطة، والحركة بتقديرها أن القبول بهذه الحكومة هي طوق النجاة لرئيس السلطة الذي يعاني من تدني شعبيته في الشارع، وسوء التقدير الذي منيت به بالتعويل على حكومة بينيت وإدارة بايدن اللتين لم تتخذا أي خطوة على الأرض لعودة مشروع السلام".
عبد اللطيف قانوع المتحدث باسم حركة حماس قال لـ"عربي بوست" إن "رؤية حماس للواقع الفلسطيني والحالة الوطنية الراهنة تستلزم إعادة النظر بآليات العمل والحلول المؤقتة التي كانت تطرح في السابق للخروج من حالة الانقسام، الحركة ترفض مبدأ تشكيل حكومة تنتهج ذات السياسية في التعامل مع قطاع غزة وتفرض حصاراً عليه، رؤيتنا في الحركة هو استكمال ما تم التوافق عليه مع حركة فتح لمنح الشارع حقه في اختيار ممثليه".
وأضاف: "نرفض أي اشتراطات تقدمها إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ربط ملف الإعمار بأي ملف سياسي آخر، فحتى وقت قريب ربطت إسرائيل ملف الإعمار بالجنود الإسرائيليين ولكنها فشلت وانتزعنا حقنا في دخول مواد الإعمار، والآن نرفض مجدداً ربط ملف الإعمار بتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولدينا من الأدوات ما يمكننا توظيفها لإجبار إسرائيل لإعادة الوضع لما كان عليه قبل حرب مايو".
تدني شعبية فتح
سياسياً؛ يمكن قراءة الضغط الأمريكي والمصري على السلطة الفلسطينية لتشكيل حكومة جديدة في ظل ما تعانيه حركة فتح من أزمة ثقة في الشارع الفلسطيني، مقابل ارتفاع رصيد حركة حماس، فوفقاً لآخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية فيرى 45% من الشارع الفلسطيني أن حماس هي الأكثر جدارة لقيادة الشعب الفلسطيني مقابل 19% لحركة فتح، في حين ستحصل حماس على الأغلبية بما نسبته 37% من مقاعد المجلس التشريعي في حال أجريت الانتخابات التشريعية مقابل 32% لفتح.
عبد الله عبد الله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن "الرئيس عباس نقل رسالته للإدارة الأمريكية عبر المبعوث هادي عمر، وللرئيس عبد الفتاح السيسي، بأنه مستعد لبدء المشاورات مع حركة حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على أساس الشراكة الحقيقية، وليس حكومة تكنوقراط، ولكن حركة حماس ترفض الاعتراف باتفاقيات السلام، والرد الذي نقلته الحركة للمصريين والذي وصل إلينا لا يدعو للتفاؤل".
سلام فياض.. العودة من جديد
لعل إحدى الإشكاليات التي تواجه ملف تشكيل الحكومة القادمة، هي التوافق على اسم المرشح لرئاستها، ويبرز في هذا الإطار اسم "سلام فياض" كأحد الخيارات التي قد توكل إليه هذه المهمة، نظراً لكونه شخصية سياسية تتمتع بعلاقات مع مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
وكان فياض قد شغل منصب رئيس الحكومة خلال الفترة ما بين العام 2007_2014، وقد عيَّنه الرئيس أبومازن في هذا الموقع خلفاً لإسماعيل هنية بعد سيطرة حماس على قطاع غزة بعد أحداث الانقسام منتصف عام 2007.
وكان فياض قد أجرى سلسلة لقاءات مع قيادات في حركتي حماس وفتح بعد حرب غزة الأخيرة، حيث التقى برئيس السلطة محمود عباس في يوليو/تموز الماضي، بالتوازي مع لقاء آخر جمعه بكل من ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة، والوزير حسين الشيخ رئيس هيئة الشؤون المدنية، كما زار فياض قطاع غزة في ذات الشهر والتقى بقيادات حركة حماس.
وبالرغم من الدور الذي قد يلعبه فياض في إخراج السلطة من العزلة السياسية التي تعاني منها وفتح قنوات اتصال مع الإدارة الأمريكية، فإن خيار فياض قد يصطدم بفيتو من قِبَل مركبات حركة فتح، التي تخشى من أن عودته على رأس الحكومة بمباركة أمريكية وإسرائيلية قد تؤثر على معركة الخلافة لما بعد الرئيس أبومازن الذي تجاوز الـ85 من عمره، ووضعه الصحي لا يسمح له بالاستمرار طويلاً في رئاسة السلطة.
من جانبه، يرى وزير الثقافة السابق إبراهيم أبراش في حديثه لـ"عربي بوست" أن "عودة الحديث عن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة هي دعوة نابعة من المخاوف الأمريكية، فلا يمكن إخفاء حقيقة أن تصعيد حماس الأخير كان متزامناً مع حالة الغضب في الشارع الفلسطيني بسبب قرار الرئيس تأجيل الانتخابات، لذلك ترى الإدارة الأمريكية أنه يجب نزع فتيل التوتر والاحتقان في الشارع من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون حماس جزءاً منها، لتتحمل المسؤولية عن أي تدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية".
أما سليمان بشارات، الباحث في مركز يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، قال لـ"عربي بوست" إن "هنالك تحولاً في السياسة الأمريكية في التعامل مع الشأن الفلسطيني، فالحديث عن مسألة تشكيل حكومة وحدة بين حماس وفتح برغبة أمريكية، يهدف إلى اقحام حماس في المنظومة السياسية، على أمل أن يغير ذلك من موقف الحركة في التعامل بشكل متشدد مع أطروحات كتهدئة طويلة الأمد، والقبول ببعض الحلول المرحلية، إضافة إلى تهيئة مرحلة ما بعد الرئيس أبومازن، فوجود حماس في الحكومة وبالشراكة مع فتح يسهل على الأخيرة الوصول لحالة توافق في حال غاب أبومازن عن المشهد السياسي، لذلك لا تريد الإدارة الأمريكية والإسرائيلية أن تشهد الأراضي الفلسطينية حالة فراغ سياسي في مرحلة ما بعد أبومازن".