أيام قليلة وتنطلق الدورة الخامسة من مهرجان الجونة السينمائي والذي تدور فعالياته في الفترة من 14 حتى 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، دورة ينتظرها الكثير من صناع السينما والفنانين وجمهور السوشيال ميديا، فهناك من يبحث عن مشاهدة أهم الأعمال السينمائية الطويلة والقصيرة والوثائقية على مستوى العالم، وهناك من ينتظر رحلة قصيرة للجونة لقضاء وقت ممتع.
ولكن ما يجري خلف كواليس الجونة أصبح مثيراً للانتباه، المهرجان الذي وُلد كبيراً ونجح في إثبات حضوره كحدث فني هام في الشرق الأوسط أصبح يعاني من صراعات داخلية بين صناعه، وكلٌّ يسعى لإثبات أحقيته في نسب نجاح المهرجان له والتقليل من إنجاز الآخرين المشاركين له في الحدث.
بداية لنقف على حقيقة ما يحدث فإن المهرجان وُلد على يد الثلاثي انتشال التميمي رئيس المهرجان، والفنانة بشرى رئيس العمليات والمؤسس المشارك للمهرجان، وعمرو منسي المدير التنفيذي للمهرجان، بالإضافة إلى الأخوين نجيب وسميح ساويرس اللذين تبنَّيا فكرة المهرجان وقاما بتمويله، ولكن مع مرور السنوات والدورات أصبحت هناك جبهات داخل أروقة المهرجان وأصبح الجميع يسعى لخطف الأضواء وحده.
خلافات الدورتين الثالثة والرابعة
حسب مصادر "عربي بوست" فإنه وفي الدورة الرابعة من المهرجان بدأت تلك الجبهات في التكوين، وكان ذلك جلياً وواضحاً من خلال تجنيب بشرى في تلك الدورة والاكتفاء بحفاظها على لقبها كرئيس عمليات ومؤسس مشارك في المهرجان دون مشاركة فعلية منها في التحضير للدورة، وحضرت بشرى كل فعاليات المهرجان كي لا تلفت الأنظار للخلافات، ولكن الجميع كان يعلم أن بشرى لم تضع يدها في تلك الدورة وانتهت الدورة على ذلك الحال.
في الدورة الرابعة تم تغيير الأدوار بين عمرو منسي وبشرى بمباركة من إدارة المهرجان، إذ عادت بشرى لاستئناف عملها في المهرجان، فيما احتفظ عمرو منسي بلقبه كمدير تنفيذي للمهرجان ولكن بشكل شرفي وليس فعلياً، فلم يكن له تأثير يذكر في التحضير للمهرجان، وهي الدورة التي تمت إقامتها بشكل استثنائي في ظل انتشار فيروس كورونا، لتخرج الدورة بشكل متواضع.
الخلافات تطفو على السطح
مع بداية التحضير للدورة الجديدة "الخامسة" من المهرجان منذ عدة أشهر، أعلن عمرو منسي عن انسحابه من المهرجان، وأكد أن السبب هو انشغاله بتنظيم عدة أحداث رياضية هامة، ولكن في حقيقة الأمر هو انسحاب شرفي لعدم رغبته في الظهور بدور مهمش داخل المهرجان، وأكد أنه سيكتفي بلقب الشريك المؤسس للمهرجان والتنازل عن دور المدير التنفيذي.
ومن المفترض في تلك الأجواء أن تهدأ الصراعات داخل المهرجان، ولكن ما حدث هو العكس، حيث اشتدت الخلافات بين بشرى وانتشال التميمي، لتستغل بشرى أول فرصة مناسبة للحديث لتعلن عن رسائل موجهة لإدارة المهرجان.
جبهة بشرى ويسرا
ومن الواضح أن رئيس المهرجان العراقي انتشال التميمي أصبح يتخذ القرارات المنفردة، فيما يتعلق ببعض الأمور التنظيمية وهو ما أغضب بشرى، وفي نفس الوقت أكد انتشال التميمي في تصريحات صحفية أنه لا يمكن أن يتم تكريم الفنانة يسرا في المهرجان لأنه عضو اللجنة الاستشارية، وهي التصريحات التي أشعلت الحرب وبدأ الجميع في استخدام أسلحته.
يسرا خرجت لترد على رئيس المهرجان في رسالة طويلة عبر صفحتها الرسمية على "فيس بوك" ملخصها أنه شخص متناقض لأنه قام بعرض فيلم للفنانة هند صبري في المهرجان وفازت من خلاله بجائزة على الرغم من كونها عضواً في نفس اللجنة بالمهرجان، مؤكدة أن تصريحاته ليس لها معنى وأنها أغضبتها بشدة، ليخرج انتشال التميمي مرة أخرى ويؤكد أنه لن يعلق.
على جانب آخر خرجت بشرى في تصريحات صحفية بدون مناسبة لتؤكد أن المهرجان أخذ من عمرها الفني 5 سنوات وأنه السبب في ابتعادها عن السينما، في رسالة واضحة لصناع المهرجان بأنه تسبب في تعطيلها كفنانة، ولكن الرسالة الأقوى لإدارة المهرجان كانت من خلال تأكيدها أن مهرجان الجونة نجح من خلال خبرتها هي وليس أي أحد آخر قائلة نصاً: "أنا اللي ساندة مهرجان الجونة وليس العكس، فمن خلال علاقاتي وخبرتي نجح المهرجان"، وهو اختزال لعمل فريق كامل في الفريق في شخصها، أما الرسالة الأهم والتي كانت في شكل تهديد مبطن هي ما ختمت به تلك النقطة قائلة: "لو مشيت من المهرجان الله أعلم هيحصل إيه"، ملمحة إلى أنه قد يفشل بسبب عدم وجودها، وهو أمر غير حقيقي، ولكنها رسالة تهديد لإدارة المهرجان في شكل تصريح صحفي.
وصممت بشرى على كونها السبب الأساسي في نجاح المهرجان وظهوره للنور، عندما أكدت أنها من أسست المهرجان وليست موظفة فيه، وأنها من سعت لخروج تلك الفكرة للنور، وهي من جلبت معظم العاملين فيه وتوظيفهم في أماكنهم، وذلك بناء على خبرتها كفنانة، ولم تكتفِ بشرى بتلك التصريحات التي كانت موجهة لانتشال التميمي في المقام الأول، ولكنها قامت بنشر صورة تجمعها بالفنانة يسرا في عيد ميلادها منذ أسبوع في رسالة جديدة منها أنها تدعمها ضد انتشال التميمي، وكررت الأمر بعدها بيومين ولكن هذه المرة كان بشكل أوضح بتعليقها على الصورة حيث قالت إنها لو خيروها بين يسرا وكل مهرجانات العالم ستختار يسرا.
نجيب ينسحب وسميح يسيطر
من يقرأ ما بين السطور يدرك جيداً أن بشرى تلمّح لإمكانية الإطاحة بها قريباً، خاصة بعدما تراجع اهتمام نجيب ساويرس بالمهرجان وأصبح الداعم الأول له شقيقه سميح، مالك مدينة الجونة التي يقام بها المهرجان، حيث إن سميح أصبح يهتم بالمهرجان على عكس البداية التي كان فيها نجيب هو الأكثر اهتماماً ودعماً مادياً، يأتي ذلك في الوقت الذي حدث فيه تقارب متزايد ما بين عمرو منسي وسميح ساويرس، واستعانة الأخير به في تنظيم العديد من الفعاليات.
هذا الأمر مع التقليل من دور بشرى داخل المهرجان جعلها تشعر بإمكانية الإطاحة بها قريباً، كما أن عمرو منسي سيكون المنظم لمهرجان الجونة الموسيقيةالذي أعلن عنه سميح ساويرس والذي ستقام الدورة الأولى منه في 2022، مع احتمالية عودة عمرو منسى مرة أخرى إلى موقعه في مهرجان الجونة السينمائي.
الدورة الأخيرة لانتشال
في الدورات السابقة كان انتشال التميمي يؤكد للمحيطين به أنه لن يقضي سنوات كثيرة في إدارة مهرجان الجونة وأنه قد يكتفي بدورة أو اثنتين أخريين وينسحب بعدها، وربما هذا ما جعله ديكتاتوراً في الدورة الحالية، لرغبته في توديع المهرجان وهو ناجح وفي أفضل ثوب له، والأهم من كل ذلك معاناة انتشال التميمي من بعض الأمراض التي تجعله غير قادر على مواكبة متطلبات عمله كرئيس مهرجان يبذل الكثير من الجهد والحركة، لذلك فإن هناك احتمالاً أكثر من 90% أن هذه الدورة ستكون الأخيرة له.
وهو الأمر الذي سيضع إدارة المهرجان في مأزق اختيار رئيس مهرجان جديد له نفس مواصفات انتشال التميمي في التوافق مع رؤيتهم في تقديم مهرجان فني كبير، وفي نفس الوقت يكون لديه القدرة على الموازنة بين الأمر وبين التسويق لمدينة الجونة وتوفير رعاة من دول الخليج التي يسعى المهرجان لاجتذابها.