برعاية إماراتية-إسرائيلية عُقد مؤتمر "السلام والاسترداد" في أربيل بكردستان العراق، والذي دعا إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن أعلن الحضور في البداية أنّه يهدف "للعمل على مفاهيم التعايش وتطبيق أسس الفيدرالية في العراق على ضوء الدستور العراقي الدائم، لكنّ الهدف من إقامة المؤتمر كان أعمق ويسعى لـ"أغراض سياسية" تتمثل في الدعوة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وتؤكدّ مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أنّ مؤتمر "أربيل" للسلام مع إسرائيل هو واجهة لمشروع أكبر تعمل عليه أبو ظبي بدعم وتنسيق إسرائيلي، وهو مدعوم من شخصيات سياسية كبيرة من الطرفين السُّني والشِّيعي.
ويهدف المؤتمر الذي عُقد في أربيل إلى تحقيق هدفين أساسيين وهو تحقيق التطبيع مع إسرائيل على المدى القصير، أما الهدف بعيد المدى فيتمثل في العمل على توطين فلسطينيين في الأنبار، وذلك في مقابل دعم إنشاء إقليم سني مستقل ذاتياً، يضم الأنبار إلى جانب محافظات صلاح الدين والموصل وديالى.
وفي هذا السياق، يؤكدّ المحلل السياسي الإيراني قيس قريشي، المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية، في حديث خاص إلى "عربي بوست"، أنّ المؤتمر هو امتداد لمشروع أعمق وأكبر يضمّ شخصيات سياسية سُنية وشيعية عراقية على حد سواء، منوهاً إلى أنّ الشخصيات المشاركة والمتصدرة في المؤتمر ليست إلا واجهات تمّ استغلالها من سياسيين كبار في بغداد.
ويكشف قريشي أنّ المؤتمر جاء بضوء أخضر من مسؤولين سياسيين في رئاسة الوزراء، منهم مصطفى الكاظمي، بالإضافة لشخصيات شيعية محسوبة على تيار الحكمة الوطني والذي يتزعمه عمار الحكيم، والتيار الصدري في العراق بزعامة مقتدى الصدر، مؤكداً أنّ هذين التيارين تعرضا لاختراقات سياسية وأمنية من أبو ظبي، مشيراً إلى أنّ التيار الصدري بداخله جهات أمنية تمكنت من اختراق التيار لتنفيذ أجندات تابعة للإمارات وإسرائيل.
ويؤكدّ قريشي أنّ المؤتمر جاء بدعم وموافقة من غالبية الشخصيات السياسية السنية، إلا أنّ ردة فعل الشارع العراقي العنيفة تجاه المؤتمر، جعلت الكثير من الحاضرين للمؤتمر والداعمين له من خلف الكواليس يتنصلون منه ويعلنون براءتهم منه، على اعتبار أنّ المؤتمر كان بمثابة "بالون اختبار" للشارع العراقي ويهدف لقياس ردة الفعل تجاه تطبيع العراق لعلاقاته مع إسرائيل.
وذلك بعدما أثار المؤتمر عاصفة غضب في وسائل الإعلام العراقية؛ حيث أدان الرئيس العراقي ورئيس الوزراء الحدث ووصفه بأنه غير قانوني وتعهّد بمحاكمة من حضروا، إذ يفرض القانون العراقي عقوبات صارمة على المواطنين والمقيمين الذين يتواصلون مع الإسرائيليين، وجهود التطبيع يعاقب عليها بالسجن مدى الحياة.
بدعم وترتيب إماراتي-إسرائيلي
المؤتمر حضرته شخصيات سنية معروفة على رأسهم رئيس "صحوة العراق" وسام الحردان، والذي ينتمي لتيار "الصحوات" الذي تمّ تشكيله على شكل مجموعات شبه عسكرية من قبل القبائل السنية لحماية مناطقهم.
الحردان، الذي يتمتع بعلاقات مميزة مع نوري المالكي، ينتمي إلى التيار القومي العربي، وكان في وقت سابق يدعو إلى عدالة القضية الفلسطينية ولم يكن ينادي بالتطبيع مع إسرائيل، إلا أنّ مواقفه انقلبت، ودعا علانية إلى التطبيع مع إسرائيل في المؤتمر، وذلك بعد وعود إسرائيلية-إماراتية له بأنّه سيحظى بدعم لإنشاء مشروع سياسي سني بالعراق بدعم إماراتي ومباركة إسرائيلية، حسب مصادر لـ"عربي بوست."
وقد كشف مصدر عراقي مطلع أنّ المؤتمر حضره مسؤولو الصحوات في المحافظات السنية، وجميعهم على علم بمضمون المؤتمر، لكن بعد معرفتهم لرفض الشارع والشعب بصورة عامة لهذا المؤتمر أعلنوا أنّهم ليس لهم علم بذلك.
كما أنّه جاء بعد سلسلة من المباحثات والاتصالات التي جرت بين سياسيين عراقيين مع الجانب الإماراتي-السعودي، ومنهم شخصيات شيعية على رأسها مقتدى الصدر وعمار الحكيم اللذان أبديا موافقتهما وعدم ممانعتهما مستقبلاً في أن يتجه العراق نحو التطبيع مع إسرائيل، وذلك مقابل أن يحظى التيار الصدري بنفوذ سياسي أكبر في الحكم بالعراق؛ حيث يسعى الصدر إلى أن يكون تياره في واجهة الصدارة داخل الحكومة ومجلس النواب العراقي، بالإضافة إلى رغبته في الحدّ من النفوذ الإيراني في العراق؛ لذلك يسعى في الوقت الحالي إلى التوجه نحو المحور الإسرائيلي-الإماراتي.
وذكر المصدر أنّ غالبية الحاضرين والمتحدثين في المؤتمر كانوا شخصيات عربية من خارج الإقليم الكردي، وهو امتداد إلى سلسلة لقاءات تمت بين ممثلين في وزارة الخارجية الإسرائيلية مع عدد من الناشطين والسياسيين العراقيين في أوروبا وأمريكا وداخل إسرائيل وفي كردستان العراق.
يضيف المصدر أن أبو ظبي عمدت إلى رعاية تلك اللقاءات عبر مؤسسة أمريكية تحمل اسم "مركز اتصالات السلام" التي يرأسها جوزيف براودي، وهو أكاديمي أمريكي يهودي من أصول عراقية، يعمل مستشاراً لدى مركز المسبار للدراسات والبحوث والمموَّل والمدعوم إماراتياً.
والتي نجحت في استقطاب نحو 300 شخصية عراقية (أكراد، وسنة، وشيعة)، من ست محافظات هي: بغداد والموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وبابل.
كما برز اسم ريسان الحلبوسي، المقرب من رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، الذي شارك في المؤتمر بصفته شيخ عشيرة البومطر من الأنبار، وقد اعتبر خلال مشاركته في المؤتمر أن "التطبيع مع إسرائيل أصبح من الضروريات".
ويعتبر آدم أحمد سمينة، المسؤول التنفيذي لمؤتمر أربيل، هو حلقة الوصل بين الشخصيات المشاركة بالمؤتمر وبين مركز "مركز اتصالات السلام"، بل ويعدّ أحد الشخصيات المهمة والرئيسة في المؤتمر، حيث تشير المصادر إلى أنّ آدم سمينة اسمه السابق كان أركان أحمد البياتي التركماني المسلم قبل أن يتحول إلى آدم أحمد سمينة اليهودي بعد انتقاله للسويد وحصوله على جنسيتها؛ لينطلق إلى عالم التجسّس على اللاجئين العرب بشكل عام والعراقيين بشكل خاص.
تنقَّل سمينة ما بين السويد ومصر وبلدان عربية في المغرب العربي ولندن، وتعرّف على أوين شكر، نائب رئيس الكنيست اليهودي البريطاني، الذي جنَّده للعمل لصالح جهاز الموساد الصهيوني، وأول عملية قام بها هي عقد مؤتمر ما يسمى بـ مؤتمر أربيل (السلام والاسترداد) في العراق وبدعم مفتوح من قبل الكنيست اليهودي البريطاني.
الحكومة العراقية تسير في قطار التطبيع
التطبيع مع إسرائيل لم يعد مجاملة أو موقفاً سياسياً عابراً لاسترضاء تل أبيب، لأنّ الأمر متعلق باستقرار المنطقة والتحالفات، وهذا ما يؤكدّ عليه السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي يرى أنّ الحكومة العراقية تسعى إلى السير في قطار التطبيع، مشدداً على أنّ الخطر الأكبر في المنطقة يتمثل في دولة "ولاية الفقيه" الممثلة في إيران؛ لأنّها دولة توسعية تريد بسط امبراطوريتها للسيطرة على السعودية ودول الخليج بعد أن سيطرت على العراق وسوريا ولبنان واليمن، مضيفاً أنّ مبدأ تصدير الثورة هو مبدأ معلن للدولة الإيرانية، ومن هنا فإنّ إسرائيل- على حد قوله- هي الحليف الأكبر والأهم ضد هذا التوسع الإيراني، فمصالح الدولة العراقية تلتقي مع مصالح إسرائيل في هذا الجانب، وهذا أحد أسباب التطبيع والدعوة إليه من خلال مؤتمر "أربيل".
ويرى قنبر أنّ إسرائيل باتت حليفاً مهماً لكثير من الدول في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنّ تطبيع الحكومة العراقية علاقاتها مع إسرائيل لا يعني نسيان القضية الفلسطينية والتنكُّر لها، فيمكن أن يشكل العراق عاملاً إيجابياً للشعب الفلسطيني في علاقاته مع إسرائيل.
ويشدد على أنّ إطلاق المؤتمر بطريقة ارتجالية أعطى الحُجَّة للميلبشيات الشيعية الإيرانية بأنّ هناك مؤامرة من وراء إطلاقه بمثل هذا التوقيت، خصوصاً أنّه يأتي قبل الانتخابات، وهذا سينتفع منه الكثير من رموز وقادة تلك الميليشيات، كما أنّ هذا التصرف سيعرض 4 ملايين من الشعب الكردي للخطر.