من فتاة كانت تلعب بالضفائر والعرائس وتحاكي دور الأم في إعداد الطعام باللعب التخيّلي، إلى شابة في سن البلوغ تهرول فزعاً وخوفاً من قطرات الدم التي وجدتها بثيابها ولا تعلم مصدرها أو كيف أتت! وهل هي مريضة أم لا؟ وماذا حدث؟
بين أخطاء الأمهات تضيع الكثير من الفتيات
الأم الخجولة: هناك بعض الأمهات التي تخجل من الحديث مع بناتها حول البلوغ وماهيته وما يجب أن تفعله الفتاة في تلك الفترة، ممَّ تخشى، وما الذي تحرص عليه، وهلم جرا، وقد تسند هذا الأمر إلى أختها الكبرى، أو تترك الفتاة تشق طريقها بنفسها في البحث والمعرفة وتجربة ما ستتعلمه، وكل هذا تحاشياً وخجلاً، لكنه في الأساس دليل على عدم وجود علاقة إيجابية وجسر من التواصل بين الأم وابنتها، ما يؤدى لمشاكل تربوية عظيمة وتبعات وخيمة.
الأم المتسلطة: في هذا النوع من الأمهات نجدها تتحكم في ابنتها، وتؤثر على قراراتها بشكل يسلبها حرية القرار والتفكير والاختيار، ويسلبها الطمأنينة والأمان من أن تعيش التجربة بنفسها فقط بإرشاد وتوجيه الأم، وإنما هي تسألها عن كل صغيرة وكبيرة حول البلوغ، متى بدأ وانتهى، ماذا فعلت اليوم، وتراقب نظافتها الشخصية بشكل مبالغ فيه، وقد تحرجها بالسؤال أمام الآخرين بشكل علني، ما يتسبب في تكوين خبرات سلبية وانعدام ثقة وأمان لدى البنت، وقد يحدث ارتباط شرطي بين وقت الحيض والخبرة الأولى التي تركتها الأم للبنت، فتصبح البنت تكره تلك الفترة بشدة لما تجلبه من توتر وتتبع لدى البنت.
وبالتالي تبحث الفتاة عن طرق أخرى لاكتساب هذه المعرفة وإشباع الفضول حول هذا الأمر، فتلجأ لخبرات الصديقات، والجارات، أو البحث في الإنترنت دون تفرقة بين الغث والسمين، فتستقي ربما عادات وخبرات خاطئة تجعلها تكوّن أفكاراً سلبية أو مخيفة وخاطئة عن الأمر، وربما لا تتعلم كيفية الطهر الصحيح من الحيض والحفاظ على النظافة الشخصية.
ما السن المناسب للحديث عن مرحلة البلوغ؟
يعتبر سن التاسعة هو المناسب للحديث عن مرحلة البلوغ، لأن سن البلوغ عند البنات في الغالب بين 12 أو 13 سنة، وبعضهن يبدأن مبكراً قبل هذا العمر، وبعضهن يتأخرن إلى سن الـ15 أو الـ16، ولكن في كل الأحوال ينبغي أن تتحدث الأم مع ابنتها بصراحة تامة ولا تخفي عنها معلومة، حتى تتقبل الطفلة مرحلة البلوغ وهي مستقرة نفسياً ومطمئنة وتُحسن التعامل مع مخاوفها وقلقها.
أهم ما يجب أن تعرفه ابنتك عن مرحلة البلوغ
– أهم معلومة ينبغي أن تعلّميها لابنتك هي أنها صارت مكلفة ومسؤولة عن جميع تصرفاتها، وأنها تتحمل مسؤولية أخطائها، سواء كان الخطأ في حق الله أو في حق نفسها أو في حق الناس.
– لا بد أن تعرف البنت أن بطانة رحمها تمتلئ بالدم للتهيؤ لتغذية البويضة التي إذا لم تخصّب ستنفصل وتسقط هذه البطانة المليئة بالدم وتحدث الدورة مع بعض التقلصات والألم الخفيف.
– أن فترة الحيض عبارة عن دورة شهرية بمراحل مختلفة، فقد تختلف بمدتها كل شهر، كما أنَّها قد تترافق مع حدوث تشنجات أو آلام قبل بداية الدورة الشهرية أو معها، وقد تبدأ الإفرازات المهبلية العادية الشفافة أو البيضاء بالظهور، والتي تعدّ عملية تنظيف ذاتية طبيعية للجسم.
– شرح كل ما يتعلق بكيفية استخدام الفوط الصحية، والحرص على استبدالها كل أربع ساعات أو أقل، حسب كمية الدم الخارج مع الدورة الشهرية.
– الاهتمام بالنظافة العامة، وضرورة الاغتسال عند نهاية كل دورة، والحفاظ على نظافة كل الجسم يومياً، وخاصة المناطق الحساسة من الجسم.
– أن تفهم الأم ابنتها أن الفوط الصحية لن تعيقها عن أداء أي نشاط حتى الرياضة، وذلك لكي لا تشعر البنت أنها معاقة لمدة ثلاثة أيام أو أكثر بسبب هذه الدورة.
– يمكن التخلص من عقدة آلام الدورة الشهرية بحمام ساخن أو بمسكن بسيط أو بممارسة بعض الرياضة وتناول غذاء متوازن وصحي.
– أن تعرف أن هذا الحدث طبيعي وجميل، ويدل على الصحة والأنوثة، ويجب تعريف كل أفراد البيت بذلك الأمر، ومن المهم أن نفصح عنه قبله بعدة أيام، حتى يراعي الجميع تغيّراتها النفسية والجسدية ويساعدوها في تلبية احتياجاتها في تلك الفترة، حتى تشعر بالاحتواء والتقبل دون خوف أو خجل.
كيف تهيّئين طفلتك دون خجل؟!
– التهيئة المعرفية، فتشرح وتوضح الأم كل ما ستواجهه ابنتها من تغيّرات جسدية، وتُهيئها لذلك، وتتحدث عن تجربتها الذاتية مع سن البلوغ، وعلاماته بالتفصيل
– التهيئة النفسية بإشباع احتياجات ابنتك في هذه الفترة وهي:
(الحب والاحتواء، الثقة، الدعم، القدوة الحسنة، الاهتمام والرعاية، كوني الصديقة المقربة لابنتك، تحمل مزاجية ابنتك وتقلب مزاجها، النصح والإرشاد بطريقة لائقة دون تأنيب أو توبيخ، احترام خصوصيتها والحديث معها على انفراد دون إحراجها أمام الآخرين).
إرشادات ستُسهل الأمر عليك
– خذي بيد ابنتك كي تدخليها إلى هذا العالم بهدوء ورباطة جأش وثقة.
– لا تخجلي أو تهربي، واشرحي لها ما يجب عليها معرفته بهدوء وعطف.
– يجب أن تتدربي على هذه المهمة، وكيف تتحدثين مع طفلتك عن الدورة الشهرية، وما يجب أن يقال، وما يجب ألا يقال.
– انتقي الوقت الملائم للحديث عن الدورة الشهرية مع ابنتك بعناية، حسب ما يلائمها ويلبي احتياجاتها.
– راقبي جسد ابنتك باستمرار وهدوء، حتى تشرحي لها سر هذه التحويلات وتشعريها بأن هذا تطور طبيعي لنمو جسدها.
– شجّعي ابنتك على أن تكون صريحة معك لتخبركِ عن أي تغييرات تحدث لجسدها، لتتابعي معها مرحلة البلوغ من بدايتها.
– ضرورة توضيح أن بداية ظهور علامات البلوغ يعني أنها في حالة صحية ممتازة، وعليها أن تستقبل كل تغيّر في جسدها بحب، مع انتظار التغيّرات القادمة لتتأكد أنها في صحة تامة.
– شوّقي ابنتك لاستقبال علامات البلوغ من حيث الملابس، فتخبرينها بأنها بعد هذه المرحلة ستستطيع أن ترتدي ملابس مناسبة لعمرها، وهذه من الأشياء المحببة للبنت.
– عند تأخر سن البلوغ وضّحي لها أن البلوغ لا يأتي عند كل البنات في نفس السن، وطمئنيها.
– الأم هي الصديقة الأولى لابنتها، فيجب أن تشرحي لها المشاعر العاطفية، أو حتى المشاعر الجنسية التي تحدث عند كل البنات، لأنها أحاسيس غريزية وطبيعية، ويجب أن تنصحيها بألا تتسرع في الانسياق نحو مشاعرها، ولكي لا تتخيل بأنها تعيش قصة حب، متأثرة بالأفلام والمسلسلات.
– يجب توجيه الابنة على الحرص الشديد من المتحرشين، والذين قد يتسترون وراء بعض الكلمات أو التصرفات، أو إظهار بعض المشاعر العاطفية التي قد تدغدغ مشاعر الفتاة في سن البلوغ، وخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
– الحفاظ على خصوصيتها، فيجب على الأم توجيه ابنتها بضرورة عدم الحديث عن مشاعرها أو عن أي أسرار تخصها لأي أحد، وتحاول الأم أن تجعل ابنتها تبوح لها بكل أسرارها، ببناء الثقة بينهما، وتوجيهها بحكمة، ودون توبيخ.
– العمل على تعزيز ثقة ابنتها بنفسها، من خلال دعمها، واحتواء أفكارها، وعدم التقليل من أفكارها، مهما كانت بسيطة.
– وجّهي ابنتك إلى أن تحافظ على سمعتها الشخصية في المجتمع، وألا تتصرف باستهتار، وأن تحافظ على سلوكياتها، وكلامها أينما كانت، مستعينة بتقوية الوازع الديني، والقيم الأخلاقية.
البلوغ لدى ذوي الاحتياجات الخاصة
يمر الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة بمرحلة البلوغ كجميع الأطفال الآخرين، لكنهم قد يعانون في بعض الحالات من تأخر أو تقدم سن البلوغ مقارنة بأقرانهم الأصحاء، إلا أن هناك بعض الحالات الطبية النادرة التي تحتاج إلى تدخل طبي، كاللجوء إلى استخدام العلاجات الدوائية للوصول إلى مرحلة البلوغ، ويفضل تهيئة هؤلاء الأطفال للتغيّرات التي ستطرأ على أجسامهم قبل حدوثها قدر الإمكان، وخصوصاً الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد؛ لأن ذلك يعطيهم الوقت الكافي للتكيف مع هذه التغيّرات.
وإليكم بعض النصائح التي يمكن تقديمها لأهالي أطفال الاحتياجات الخاصة، ومنها ما يأتي:
– البدء المبكر في ملاحظة ومراقبة علامات البلوغ، فلا داعي للانتظار حتى يبلغ الطفل عمر 14 عاماً دون ظهور علامات البلوغ عليه.
– الجلوس مع الطفل والتحدث عن التغيّرات التي سيواجهها، ودعم الموقف باستخدام كتاب علمي مصور، وفي حال كان الطفل رافضاً للتحدث بهذا الموضوع من الممكن ترك مثل هذا الكتاب ليقرأه وحده.
– تقسيم المهام للطفل إلى خطوات، وتعليمه طرق النظافة الشخصية.
– التعامل بوضوح بخصوص العلاقات الأسرية.
– استخدام مصطلحات دقيقة لأجزاء الجسم ووظائفه.
– استغلال أي لحظة في الحياة اليومية لاستخدامها في تعليمه كالحديث عن أمور الزواج والحمل.
– إعادة المعلومات وتكرارها لترسيخها في عقل الطفل.
احذري.. شائعات خاطئة عن الدورة الشهرية
1- "احذري الاستحمام وخاصة اليوم الأول"؛ وذلك اعتقاداً من البعض أنه يزيد آلامها ويجعل الجسم متفتحاً للهواء الخارجي ويصيبك بالبرد، ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً، بل إن أخذ حمام ساخن يخفف من آلامها ويشعرك بالاسترخاء والهدوء والراحة.
2- "لا تمارسي الرياضة"؛ اعتقاداً أن ذلك المجهود البدني ضار للفتيات ويزيد آلامهن، ولكن ثبت أن ممارسة الرياضة أثناء فترة الحيض تخفف من آلامها، وتساعد على التخلص من التشنجات وتحسن المزاج.
3- "احذري الماء الساخن فإنه يزيد آلام ومدة الحيض"، وهذا غير صحيح أبداً فجسمك وهرموناتك من يحدد شدة ومدة الحيض، بل إن استخدام الماء الساخن أو الدافئ يساعد في التخلص من التقلصات والتشنجات التي تحدث في تلك الفترة، وخاصة في مناطق أسفل الظهر والبطن.
4- "يمكنك تأخير أو تقصير مدة الحيض"، وعلى الرغم من قيام بعض النساء والفتيات بذلك الأمر حقاً؛ فإنه خطأ فادح يضر بجسمك وهرموناتك، فلا تحاربي شيئاً طبيعياً يحدث في جسمك، فذلك من الممكن أن يؤثر عليك بشكل كبير في المستقبل.
5- "الحيض ينظف وينقي الجسم من السموم"، وهذه خرافة، فالنزيف الناتج عن الدورة الشهرية لا ينظف الجسم من أي سموم، بل هو نتيجة لتطور بطانة الرحم كل شهر لاستقبال الجنين، والتي تفرز على هيئة ذلك الدم.
6- "دم الدورة الشهرية ملوث"، وهذا خطأ فدم الدورة الشهرية لا يختلف عن أي دم في الجسم وليس ملوثاً وهذا مثبت بشكل علمي.
وأخيراً،اصنعا معاً ذكرى سعيدة
من المهم جداً أن نتحدث عن هذا الأمر بفرح حقيقي، ونستقبله أول مرة على أنه حدث جميل في حياة البنت، وليس على أنه مأساة عصيبة، وأن ننقل هذا الإحساس للبنت ونحن نتحدث عن الدورة، لا بد من القول إنه أمر طبيعي وجزء مكمل للأنوثة، بل اصنعي لها ذكرى سعيدة بتهيئة البيت لاستقبال هذا الحدث المهم وإعداد احتفال أسري جميل يضفي الأمان والحب والدعم النفسي للفتاة، والاحتفاء بوصولها مرحلة البلوغ، وخطوها أولى خطواته، التقطوا صوراً لذلك اليوم، وقدموا لها الهدايا، هذا سيحدث فارقاً كبيراً في نفسية الفتاة بشكل إيجابي، ويجعلها تشعر باحتواء ودعم الأهل لها دون خجل، فكما كنا نمسك يدها لتخطو أولى خطواتها في الحياة وهي صغيرة، فرحين مهللين بتلك الخطوة، علينا أن نعيد الكرّة ونمسك يدها مرة أخرى لتستطيع المشي واثقة وبحب ودون خجل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.