تسعى الحكومة اللبنانية الجديدة، أن تجد لها موطئ قدم في المجتمع الإقليمي والدولي، وذلك من خلال بدأها مجموعة من الإصلاحات، وخوضها تحديات داخلية وخارجية، مباشرة بعد تعيينها.
ويسعى نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة الجديدة أن يُعيد لبنان إلى مساره الصحيح، من خلال إعادة فتح ملفات دولية، ووصلِ علاقات إقليمية تم تجميدها في الفترة السابقة.
ويحتل الملف الخارجي الحيز الأكبر من عمل حكومة ميقاتي، وذلك لحاجة لبنان لدعم دولي وعربي لعودة تعافيه، والثاني وصل ما انقطع مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية، هذه الأخيرة التي تعتبر أهم التحديات أمام ميقاتي وحكومته.
زيارة ميقاتي لباريس
أولى محطات رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الخارجية كانت إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث استقبله الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الإليزيه على مائدة غداء تخللها نقاش دام أكثر من ساعتين حول الواقع اللبناني والتحديات المرافقة للحكومة.
وحسب المعلومات التي أكدها مصدر دبلوماسي غربي لـ"عربي بوست" فإن ماكرون أكد لميقاتي دعم فرنسا للبنان خلال هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ فيها، وأنه سيبذل كل جهده مع قادة أوروبا لدعم لبنان، إذ وضع ماكرون إمكانيات باريس بتصرفه، شرط المضي في خارطة الطريق التي وضعها الفرنسيين العام الماضي.
ووفقاً لمصادر ذاتها فإن ميقاتي استقبل من ماكرون مجموعة "أوامر"، أبرزها أن تقوم الحكومة اللبنانية الجديدة برزمة الإصلاحات المنتظرة، منها في قطاعات باتت معروفة وهي قطاعات الكهرباء والاتصالات والمشاريع المتعلقة بسير التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف المصدر ذاته أن ميقاتي فاتح ماكرون بمجموعة من الملفات التي تهم حكومته وهي: دعم لبنان لمشاريع حيوية، وتفعيل مخرجات مؤتمر سيدر الذي عقد في باريس العام 2018، وأقرّ حوالي 12 مليار دولار 860 مليون دولار على شكل هبات للبنان، والباقي قروض ميسّرة من قبل الدول المانحة تُقدَّم على مراحل، ومشروطة بإصلاحات.
عودة السعودية
أكد مصدر "عربي بوست" أن نجيب ميقاتي طلب من الرئيس الفرنسي السعي لتأمين زيارة له إلى المملكة العربية السعودية للقاء الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز وولي عهد الأمير محمد بن سلمان، خاصة أن السعودية كانت الراعي الدائم لمنصب رئاسة الحكومة في لبنان، ولكنها ومنذ سنوات انسحبت من هذا الدور، وأوقفت دعمها للبنان نتيجة سيطرة حزب الله وحلفائه على قرار الدولة والحكومة.
ووفقاً للمصدر ذاته فإن ماكرون شرح بشكل مفصل لميقاتي الجهود التي تبذلها باريس تجاه إعادة الدور السعودي للبنان، والاتصالات التي أجراها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال تكليف سعد الحريري، والفيتو السعودي على الحريري متصل بعدة أمور نوقشت مع الحريري سابقاً.
وأوضح ماكرون لميقاتي أن عودة الدعم السعودي مرتبط بعوامل دولية وإقليمية أبرزها نتائج الحوار الإيراني–السعودي الجاري في بغداد برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، والثانية أن الرياض تنتظر طلباً رسمياً من إدارة بايدن لتفعيل دورها في الساحة اللبنانية، وأن هذا الطلب متصل بلقاء أو اتصال بين الرئيس الأميركي جو بايدن والأمير محمد بن سلمان.
ويشير المصدر أن ماكرون أكد لميقاتي أنه سيوفد وزير خارجيته جان إيف لودريان ومدير المخابرات برنار ايمييه إلى السعودية قبيل برنامج الزيارة المعد لماكرون إلى دول الخليج للقاء المسؤولين السعوديين، حيث سيكون الملف اللبناني أبرز نقاط الزيارة المرتقبة قبيل نهاية العام الحالي.
رسائل إيجابية لحكومة ميقاتي
يؤكد مصدر سياسي لـ"عربي بوست" أن رسائل إيجابية وصلت إلى ميقاتي منذ تشكيل الحكومة اللبنانية، وستنعكس في نهاية المطاف في حال ذهبت الحكومة لخطوات إجرائية مرتبطة بالإصلاحات المطلوبة من لبنان.
ويرى المصدر أن القرار الدولي الذي أفرج عن تشكيل الحكومة اللبنانية مرتبط بالتفاهمات الإقليمية بين مجموعة من قوى المنطقة، والتي تجمع على عدم ترك لبنان يواجه مصيره نحو الانهيار الكبير.
وكشف المصدر أن جهوداً بُذلت لتذليل العقبات أمام ميقاتي، أبرزها تلك التي قام بها الملك الأردني عبدالله الثاني (صديق ميقاتي)، مع الرئيس الأميركي جو بايدن بغية الوصول إلى حل يوقف تسارع الانهيار اللبناني عبر إقناع بايدن بالإفراج عن الحكومة، بالإضافة لفكرة استيراد الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا تجاه لبنان، وهذا ما أدى للموقف الأميركي حول ملف استجلاب الغاز المصري.
ويؤكد المصدر ذاته أن الملك الأردني عبدالله الثاني أكد لميقاتي خلال اتصال جرى منذ أيام بينهما أن الأردن يقف إلى جانبه، ووجه له دعوة رسمية مفتوحة لزيارة العاصمة عمان.
فيما القاهرة، والتي لعب مدير مخابراتها عباس كامل دوراً في تشكيل الحكومة اللبنانية، ستوفد وزير خارجيتها سامح شكري إلى بيروت في شهر تشرين الأول المقبل في إطار دورها في الساحة اللبنانية على عدة أصعدة، حسب معلومات "عربي بوست".
ويؤكد المصدر ذاته أن ميقاتي تلقى مكالمة هاتفية من نظيره العراقي مصطفى الكاظمي، وجرى الاتفاق على لقاء قريب وعلى دعم عراقي يمكن أن يتجاوز كمية المليون طن من الفيول سنوياً لمؤسسة كهرباء لبنان.
أيضًا سيبدأ وفد مفاوض من صندوق النقد خلال عشرة أيام زيارة عمل إلى بيروت للتوافق على آلية التفاوض بين الصندوق والحكومة اللبنانية، في ظل إرادة فرنسية وأوروبية ورغبة أميركية بتسريع وتيرة المفاوضات من أجل إبرام تفاهم بين الجانبين قبل نهاية السنة الحالية، وهذا ما أكدته السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا لميقاتي خلال لقائهما.
أما عربياً فيؤكد المصدر أن ميقاتي وفي حال عدم تمكنه من زيارة السعودية في الوقت الحالي فإنه سيجري زيارة إلى قطر، والتي وجه له أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دعوة لزيارة الدوحة بعد رسائل إيجابية تلقاها لبنان من مسؤولين قطريين أكدوا استعداد قطر لتقديم رزمة كبيرة من الدعم لكنها أيضاً مشروطة بالإصلاحات وصندوق النقد الدولي.
أيضًا، حسب المصدر ذاته فهناك زيارة عمل لميقاتي لدولة الكويت مرتبطة بتفعيل تفاهمات في ملف الكهرباء، إذ إن سفير الكويت في لبنان عبدالعال القناعي أبلغ رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة أن بلاده مستعدة لاستئناف العمل بين البلدين بمذكرة التفاهم القديمة لكن أي تمويل لمشاريع الكهرباء سيكون ملزمأ أن يمر عبر صندوق النقد أولاً، والتفاهم مع دول الخليج ثانياً.
فيما ستكون إسطنبول إحدى محطات الزيارات التي سيجريها ميقاتي، خاصة أن طلباً رسمياً لبنانياً سجل تجاه تركيا لتأمين هبة بواخر لتوليد الطاقة الكهربائية، ريثما تنضج مسارات استجلاب الغاز المصري للبنان لتوليد الكهرباء.
ويؤكد مصدر "عربي بوست" أن زيارات ميقاتي المقبلة ستشمل كل من مصر وتركيا وقطر والكويت والعراق والأردن، فيما يجري العمل على ترتيب زيارة عمل لميقاتي لواشنطن للقاء المسؤولين الاميركيين.
ويشير المصدر أن مسؤولين عرب وأوروبيين ووفد رئاسي روسي بالإضافة لوفد أميركي سيحطون رحالهم ببيروت بغية مناقشة ملفات تتعلق بترسيم الحدود البحرية، والتي يعتبر أحد أهم الملفات التي يحرص عليها المجتمع الدولي.
وزير خارجية إيران في بيروت
سيكون وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، أول المسؤولين الذين يزورون لبنان بعد تشكيل الحكومة، إذ سيصل خلال اليومين القادمين في زيارة رسمية تشمل كل دمشق وبيروت وسيلتقي الرؤساء الثلاثة -ميشال عون ونجيب ميقاتي ونبيه بري- بالإضافة لنظيره اللبناني ومسؤولين في حزب الله.
ووفقاً للمحلل السياسي اللبناني، منير الربيع فإن زيارة وزير الخارجية الإيراني ستكون انطلاقاً مما حققته إيران من استجلاب بواخر وصهاريج المازوت والبنزين التي عمل ويعمل حزب الله على استقدامها من إيران عبر سوريا.
وهذه المواقف وفقاً للربيع معطوفة على التطورات السياسية وموازين القوى الجديدة في المنطقة، تؤكد أن الزيارات الرسمية الإيرانية السريعة – إضافة إلى زيارات غير معلنة وغير رسمية لقائد فيلق القدس اسماعيل قاآني وقادة آخرين في الحرس الثوري – تتكامل في ما بينها لتكوين تصور واضح عن دخول لبنان في العصر الإيراني.
وبحسب الربيع فإن هذا المسار السياسي لا يمكن لطهران أن تتراجع عنه أو تفرّط به، بعد اختراقها المراتب والحدود اللبنانية كافة تقريباً، وهي بالوقت نفسه تعتبر أن البرلمان بأغلبيته موالياً لها، ورئيس الجمهورية حليفها، وحزب الله قوتها الأكبر في المنطقة وصاحب القرار الأساسي في البلاد.
ووفقاً للربيع فإن لزيارة وزير خارجية إيران هذه بعد سياسي ومعنوي رسمي، حيث سيشير إلى فتح الطريق الإيرانية إلى بيروت بشكل كامل، بعدما نجح حزب الله والحرس الثوري الإيراني في فتح طريق بيروت من الأراضي الإيرانية عبر العراق وسوريا.، وتجسد ذلك في انتقال قوافل صهاريج المحروقات من سوريا، فأسقطت الحدود، وثبت النفوذ الإيراني على هذه المساحات الجغرافية الواسعة.