قالت صحيفة The New York Times الأمريكية، الأحد 26 سبتمبر/أيلول 2021، إن رجلاً مسلماً متديناً من غرب الصين قضى أربع سنوات في سجن خليج غوانتانامو، بعد أن اتهمه الجيش الأمريكي بأنه "إرهابي متحالف مع حركة طالبان"، وذلك قبل أن يُطلق سراحه لاحقاً، ويُرسل إلى ألبانيا قبل 15 عاماً، لكنه لا يزال في غياهب النسيان.
هذا الرجل، الذي يُدعى أبو بكر قاسم، ويبلغ من العمر 51 عاماً، نال "حماية إنسانية" في ألبانيا باعتبارها البلد الوحيد الذي أبدى استعداداً لاستقباله من بين عشرات الدول التي سألتها وزارة الخارجية الأمريكية، رغم اعتراض الصين.
كان قاسم يحصل على راتب شهري قدره نحو 400 دولار، لكنه لم يتمكن من الحصول على تأشيرة أو جواز سفر، وهو ما يصعب معه السفر إلى أي مكان. والدولة الوحيدة التي تريده فعلياً هي الصين، التي تعتبره إرهابياً بسبب دعمه لاستقلال إقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية) الذي ينتمي إليه، وكان في حالة يأس بعد أيام من وصوله إلى العاصمة الألبانية تيرانا عام 2006.
"قوة إرهابية!"
فقد كانت الصين تطالب ألبانيا بتسليمه، واصفةً قاسم ورفاقه الإيغور المحررين من غوانتانامو بأنهم جزء من "قوة إرهابية" تربطها "علاقات قوية بالقاعدة وطالبان"، وفق زعمها.
بحسب صحيفة The New York Times الأمريكية، كان قاسم يشعر بارتباك شديد أيضاً، فلم يكن على دراية بالمكان الذي أرسله الأمريكيون إليه. إذ كانت معرفته هو ورفاقه الإيغور مقتصرة على الثكنات العسكرية التي تحيط بنوافذها أسلاك شائكة صدئة وشعر بأنه انتقل لسجن آخر. ولأنه كان يتحدث لغة الإيغور والصينية فقط، لم يتمكن من التواصل مع أي شخص في البلد المضيف ولم يكن يعرف ما ينوي الألبان فعله به.
لكن معنوياته ارتفعت الآن بشكل كبير. إذ رفضت ألبانيا، البلد الديكتاتوري الشيوعي السابق الذي كان صديقاً مقرباً للصين في عهد ماو تسي تونغ وأصبح الآن عضواً بحلف الناتو وحليفاً قوياً للولايات المتحدة، طلبات بكين بإرساله إلى الصين. بل أعطته المال لاستئجار شقة، وبَدَلاً شهرياً للطعام. وقد تمكن من إيجاد عمل في محل بيتزا، وكوّن صداقات في أحد مساجد تيرانا، وأصبحت لديه أسرة جديدة.
قاسم الآن يتحدث اللغة الألبانية بطلاقة، ونسي الكثير من الصينية التي كان مجبراً على تعلمها أثناء نشأته في شينجيانغ.
فيما لم ير قاسم عائلته في شينجيانغ منذ أكثر من 20 عاماً، حين انطلق مع صديق له من غرب الصين، في محاولة مشؤومة للسفر براً إلى تركيا، التي تشبه لغتها اللغة التركية التي يتحدث بها الإيغور، وكان يأمل أن يجد عملاً هناك. وسافر بجواز سفر صيني صالح لمدة عامين فقط.
إلا أنه وجد نفسه عالقاً بأفغانستان دون أموال أو أوراق في وقت هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، وأمسك به رجال القبائل من صيادي الجوائز على الحدود الباكستانية الأفغانية وسلموه إلى الأمريكيين، الذين كانوا يعرضون مكافآت مالية على الإرهابيين المشتبه بهم. واعتبروه "مقاتلاً عدواً" وأرسلوه إلى سجن خليج غوانتانامو لينضم إلى المسلمين الآخرين الذين اجتاحتهم "حرب جورج بوش الابن العالمية على الإرهاب".
"أمريكا هي الأمل الوحيد للإيغور"
رغم غضب قاسم من الولايات المتحدة بسبب السنوات التي قضاها في سجن غوانتانامو وسنوات النسيان الـ15 التي تبعتها بألبانيا، لا يزال ينظر إلى أمريكا على أنها الأمل الحقيقي والوحيد للإيغور.
في هذا الإطار، قال قاسم: "إذا حصلت تركستان الشرقية على استقلالها يوماً، فسيكون ذلك بفضل أمريكا. وكل بلد له أخطاؤه، ولكن لا يمكنني التوقف عن إيماني بقدرة الولايات المتحدة لمجرد أنها اعتقلت ظلماً خمسة من الإيغور وأرسلتهم إلى ألبانيا".
من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الألبانية أن بلادهم الصغيرة التي استقبلت قاسم، والتي التزمت مؤخراً بقبول ما يصل إلى 4000 أفغاني بحاجة إلى مأوى، "لديها تقليد يتمثل في استضافة المحتاجين". في حين وصل بالفعل ما يقرب من 700 أفغاني، ووُضعوا في منتجعات شاطئية على طول ساحل البحر الأدرياتيكي.
كما أوضحت صحيفة The New York Times الأمريكية أن قاسم ظل ضحك عندما سمع خلال الشهر الماضي أن مسؤولين أمريكيين يتفاوضون مع طالبان بشأن الوصول إلى مطار كابول الدولي، وقال إنه خلال فترة احتجازه في غوانتنامو "ظلوا يخبرونني بأن طالبان إرهابيون، واتهموني بالتعاون مع الحركة، لكنهم الآن يتعاونون معها! لكن العالم تَغيَّر كثيراً بالتأكيد خلال 20 عاماً".
محو الهوية الدينية والعرقية والعمل بالسخرة
تجدر الإشارة إلى أنه جرى تداول العديد من التقارير الإعلامية والحقوقية التي تثبت حالات اغتصاب، وتعذيب، وتعقيم قسري، وتدمير لعشرات المساجد والأضرحة، ومعسكرات اعتقال (غولاجات) القطن التي يُجبَر الإيغور على العمل فيها وسط ظروفٍ مُهينة بلا أجر أو مقابل أجرٍ زهيدٍ للغاية. وتُنتِج مقاطعة سنغان نحو خُمس إمدادات القطن في العالم.
يُذكر أن الصين تسيطر على إقليم تركستان الشرقية منذ عام 1949، وهو موطن أقلية الإيغور المسلمة، وتطلق عليه بكين اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة".
وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 30 مليون مسلم في البلاد، 23 مليوناً منهم من الإيغور، فيما تؤكد تقارير غير رسمية أن أعداد المسلمين تناهز 100 مليون.
كانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قد نشرت في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تقريراً كشف وثائق حكومية صينية مسربة، احتوت تفاصيل قمع بكين لمليون مسلم من "الإيغور"، ومسلمين آخرين في معسكرات اعتقال بتركستان الشرقية.
سبق أن أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2019، خلال شهر مارس/آذار 2020، والذي ذكرت فيه أن الصين تحتجز المسلمين بمراكز اعتقال؛ لمحو هويتهم الدينية والعرقية، وتجبرهم على العمل بالسخرة.
غير أن الصين عادةً ما تقول إن المراكز التي يصفها المجتمع الدولي بـ"معسكرات اعتقال"، إنما هي "مراكز تدريب مهني" وترمي إلى "تطهير عقول المحتجزين فيها من الأفكار المتطرفة".