شكلت الفصائل الفلسطينية، الخميس 16 سبتمبر/أيلول 2021، ما سمته "غرفة العمليات المشتركة" في مخيم جنين، التي تضم للمرة الأولى منذ سنوات الأجنحة العسكرية المحسوبة على حركات التحرير الوطني "فتح"، والمقاومة الإسلامية "حماس"، و"الجهاد الإسلامي" استعداداً لأي هجوم إسرائيلي على المخيم في عملية بحث عن اثنين من الأسرى الذين هربوا من السجن، الأسبوع الماضي.
كما كشفت وسائل إعلام فلسطينية عن مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي على حاجز الجلمة العسكري، وفي مناطق متفرقة في جنين بالضفة الغربية، في وقت يتجول فيه الفلسطينيون في المخيم مسلحين وهم يخفون وجوههم بأقنعة تحمل شعارات الفصائل التي ينتمون لها، ورغم الانقسام السياسي بين حركتي "فتح وحماس"، فإن بندقية المقاومة في مخيم جنين وحدتهما.
وتحدثت وكالة الأناضول مع مقاتل مقنّع، يضع شعار "كتائب شهداء الأقصى"، المحسوبة على حركة "فتح"، ويقول المقاوم الفلسطيني: "لا مجال للحديث (مع إسرائيل) سوى بالرصاص"، ويضيف المقنع الذي يحمل على كتفه بندقية من نوع M16، وعلى خاصرته مسدساً: "مستعدون للقتال، لن نتراجع".
وقرب عنصر "شهداء الأقصى"، تواجد مسلحون يضعون على أقنعتهم شارة كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة "حماس"، فيما رفض المسلحون المحسوبون على "حماس" الحديث.
نفير عام في جنين
أما المحطة الثانية فكانت مع مقاتل ينتمي لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وقال المسلح المقنع: "تم إعلان النفير العام في المخيم، كافة الفصائل على استعداد للقتال، سيرى الجيش الإسرائيلي ما لا يتوقعه في حال فكر ودخل المخيم"، وأضاف دون التعريف عن هويته: "عشرات المقاتلين على استعداد لصد أي اعتداء.. مخيم جنين غزة الثانية".
ويرى مراقبون أن ظروف مخيم جنين تتشابه، إلى حد كبير، مع الأوضاع في قطاع غزة، الذي يعجز الجيش الإسرائيلي عن اجتياحه، ويشير عضو "سرايا القدس"، إلى عناصر المقاومة في المخيم، حيث يقول: "الشباب تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عاماً، من أسر مناضلة، منهم من فقد والده أو شقيقه شهيداً، ومنهم ابن أسير"، ويضيف: "نتمنى أن يدخل الجيش الإسرائيلي إلى المخيم، نعده أنه سيندم على تلك اللحظة"، مشيراً إلى أن مقاومين من مناطق مختلفة من الضفة الغربية وصلوا مخيم جنين "استعداداً لأي معركة".
ويكمل: "صحيح أن السلطات الإسرائيلية أعادت اعتقال أربعة من الأسرى الفارين، وبينهم القيادي زكريا الزبيدي ابن مخيم جنين، لكنّ المخيم يتمنى أن يستطيع الأسيران الفاران مناضل يعقوب نفيعات، وأيهم فؤاد كممجي الوصول للمخيم"، وتابع: "سنحمي الأسرى بأجسادنا وأطفالنا، وبكل ما نملك".
كما يتوقع الأهالي أن تُقدم إسرائيل على عملية عسكرية في المخيم، بالرغم من أنها لم تعلن ذلك.
توتر كبير
وعقب إعادة اعتقال الأسرى الأربعة، ينظم أهالي المخيم مسيرات ووقفات، ويرشقون حاجز الجلمة العسكري القريب من جنين بالحجارة والعبوات الحارقة.
ورصد مصور وكالة الأناضول استهداف شُبان للحاجز العسكري بالرصاص الحي، وألقى مقاومون عبوة متفجرة محلية الصنع على الحاجز، دون أي يتسبب بوقوع إصابات.
ويتوزع المقاتلون ليلاً في العديد من الأزقة، وعلى أسطح المنازل.
وقبل حادثة فرار الأسرى الستة، قتلت إسرائيل أربعة مقاومين خلال اقتحام نفذته في المخيم يوم 16 أغسطس/آب الماضي.
ومنذ تلك الحادثة، يشهد المخيم حالة "غضب واستنفار"، واستعداد لصد أي اقتحام.
وزاد التوتر في المخيم مع إعادة اعتقال زكريا الزبيدي، وتعرضه للتعذيب خلال التحقيق، بحسب مصادر إعلامية إسرائيلية.
تهديد إسرائيلي
وعزز الاحتلال من قواته على المعابر الرئيسية حول جنين والجلمة وسالم وبرطعة الشرقية، كما منع العمال من المرور، بينما أغلقت كافة الفتحات التي يتسلل منها العمال وفرضت عليها رقابة وحراسة عسكرية مشددة.
يأتي هذا في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال عمليات التفتيش عن الأسيرين، فيما نشرت فرق مشاة بين كروم الزيتون بمحاذاة جدار الفصل العنصري في محيط بلدة يعبد وقريتي رمانة وزبوبا، ومنعت العمال من الوصول إلى أماكن عملهم داخل أراضي 48، بحجة الإغلاق بسبب "يوم الغفران".
وتشهد المنطقة نشاطاً مكثفاً لقوات الأمن الإسرائيلية والوحدات الخاصة في الجيش، إذ تكررت مشاهد جنود الاحتلال الذين يتوزعون في فرق كبيرة، يقومون بتفتيش الجبال والمغارات والأراضي الواقعة داخل حدود منطقة جنين والتي تحول بعضها لنقاط مراقبة عسكرية.
وتمتد حملات التفتيش عن الأسيرين التي يشارك فيها أعداد كبيرة من الجنود وقصاصي الأثر والكلاب البوليسية، من الجلمة حتى قرية زبوبا الجدارية قرب معسكر سالم، ومن مناطق الجدار في عانين والعرقة حتى كفيرت ونزلة عيسى وباقة الشرقية.
ولم يستبعد أفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، شن عملية عسكرية في جنين أو قطاع غزة، وقال كوخافي في مقابلة للقناة الإسرائيلية 12، نشرت يوم الأربعاء: "الخطط موجودة، إذا تكررت الأحداث، فسنشن عملية كلما احتجنا إلى ذلك"، وأضاف: "إذا زاد حجم الهجمات التي تنطلق من مدينة جنين بشكل عام، أو مخيم اللاجئين (مخيم جنين) بشكل خاص، فقد يكون من المحتم إجراء عملية تطهير في هذه المنطقة".
عملية نفق الحرية
وفرّ 6 أسرى فلسطينيين، وجميعهم من محافظة جنين، يوم 6 سبتمبر/أيلول الجاري، من سجن "جلبوع" شديد الحراسة شمالي إسرائيل، عبر نفق حفروه من زنزانتهم إلى خارج السجن.
وأُعيد اعتقال 4 منهم الجمعة والسبت الماضيين، فيما تبحث القوات الإسرائيلية عن الاثنين الباقيين.
وأسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية "الأونروا" مخيم جنين عام 1953 ضمن حدود بلدية مدينة جنين، لإيواء لاجئين ينحدرون من منطقة الكرمل في حيفا.
ودخل الجيش الإسرائيلي المدينة والمخيم في أبريل/نيسان 2002، وقتل خلال 10 أيام ما لا يقل عن 52 فلسطينياً نصفهم تقريباً من المدنيين، ودمر قرابة 150 بناية كلياً، والعشرات جزئياً، وشرّد حوالي 435 عائلة، كما قُتل خلال الاشتباكات، آنذاك، 23 جندياً إسرائيلياً على يد المقاومين الفلسطينيين.