قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إنَّ ما وصفه بالانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان "سيحفز" الاتحاد على إنشاء قوته العسكرية الدائمة، لتطوير دفاعاته المشتركة، وذلك على الرغم من سنوات من النقاش غير المثمر والمعارضة من الدول الأعضاء، داعياً إلى تشكيل قوة للرد السريع في إطار ذلك.
حيث قال بوريل إنَّ الوقت قد حان لإنشاء قوة تدخُّل خاصة نشطة تابعة للاتحاد الأوروبي، وصفها بعض كبار السياسيين الأوروبيين بأنها "جيش"، طبقاً لما أورده تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 2 سبتمبر/أيلول 2021.
جاء ذلك ضمن تصريحات أطلقها بوريل عقب اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في جمهورية سلوفينيا.
خلال هذا الاجتماع، نظر وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في اقتراح قُدّم للمرة الأولى في مايو/أيار الماضي، ويهدف الى تشكيل قوةٍ قوامها 5 آلاف عنصر.
"جرس إنذار"
مسؤولو الاتحاد الأوروبي أشاروا إلى أنه لم يتطلب سوى 5000 جندي لتأمين المطار، لكن الأوروبيين لم يتمكنوا حتى من تقديم هذا المستوى من المساهمة، مؤكداً أنَّ عجز الاتحاد الأوروبي أثناء الأزمة يجب أن يمثل "جرس إنذار". وقد أيده في دعوته رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، ومفوض السوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون.
كما أكد بوريل أنه "من الواضح أنَّ الحاجة إلى مزيد من الدفاع الأوروبي لم تكن قط واضحة مثلما هي الآن بعد الأحداث في أفغانستان. هناك أحداث تحفز التاريخ؛ في بعض الأحيان يحدث شيء ما، يحرك الأحداث التاريخية، ويُحدِث انفراجة وأعتقد أنَّ أحداث أفغانستان في الصيف واحدة من هذه الحالات".
فيما بُذِلَت محاولات متكررة لتشجيع التعاون العسكري بين الدول الأعضاء، التي كثيراً ما هوجمت على أنها مساعٍ لبناء قومية من قبل النقاد. لكن بوريل قال إنَّ "أوجه القصور" في الاستقلال الذاتي للكتلة عن الولايات المتحدة كُشِفت في الأشهر الأخيرة.
في حين قدر وزير الدفاع السلوفيني ماتي تونين، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أن قوة الرد السريع يمكن أن يتراوح عددها بين "5 آلاف و20 ألف عنصر".
واعتبرت نظيرته الألمانية أنيغريت كرامب، أن العبرة مما حصل في أفغانستان هي أنه "علينا أن نصبح مستقلين أكثر بصفتنا أوروبيين وأن نكون قادرين على التحرك بشكل مستقل أكثر".
كان الاتحاد الأوروبي قد شكّل عام 2007 مجموعتين قتاليتين قوامهما 1500 جندي، تتوليان عملهما بالتناوب، لكنهما عانتا باستمرار من نقص في العدد ولم تُنشرا قط، ويرجع ذلك بالأساس إلى الخلافات حول التمويل.
بلغ الإنفاق الحكومي العام في الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 27 دولة، على الدفاع 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، مقارنة بـ3.4% في الولايات المتحدة. وقالت مصادر دبلوماسية إنَّ تصريحات بوريل لا علاقة لها "بالواقع السياسي" في عواصم الاتحاد الأوروبي.
شغل الفراغ الأمريكي
بينما تساءل أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي: "لقد خضنا هذا الحديث من قبل، وأي زعيم سيسمح لمواطنيهم بالموت باسم الاتحاد الأوروبي؟ ما المشكلة التي تهدف قوة رد الفعل هذه إلى حلها؟ هل يفكر [بوريل] بجدية في فكرة أنَّ الاتحاد الأوروبي سيكون قادراً على شغل الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة؟".
من جهتها، علَّقت كريستيان ماي، رئيسة قسم الناتو والاتحاد الأوروبي بوزارة الدفاع الإستونية: "الاتحاد الأوروبي ليس بديلاً ذا مصداقية لما يمثله الناتو. لن ترى أي إقبال على جيش أوروبي بين الدول الأعضاء".
إلى ذلك، تحاول دول الاتحاد الأوروبي إثبات أن لها "ثقلاً سياسياً واقتصادياً، يتناسب مع الحضور العسكري والدبلوماسي".
يشار إلى أنه خلال الأشهر الماضية اقترحت 14 دولة أوروبية، منها ألمانيا وفرنسا، تشكيل مثل هذه القوة، التي يمكن أن تزود بالسفن والطائرات، لدعم الحكومات الأجنبية الديمقراطية التي قد تحتاج لمساعدة عاجلة.
جدير بالذكر أن افتقار الاتحاد الأوروبي إلى قوة عسكرية تفاقم، بسبب خسارة المملكة المتحدة، التي كانت أكبر مُنفِق على الدفاع داخل الكتلة عندما كانت دولة عضواً.