فجأة أصبحت إسرائيل كريمة تجاه السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس وأعلنت عن مجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن "تساعد الفلسطينيين" على تجاوز أزمتهم الاقتصادية، من خلال مجموعة من الوعود التي قدمها وزير الدفاع الإسرائيلي لعباس خلال لقائهما الإثنين 30 أغسطس/آب 2021.
فقد أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي تعهد للرئيس الفلسطيني بأن تمنح إسرائيل السلطة قرضاً بقيمة 155 مليون دولار أمريكي، والزيادة من تصاريح العمل للفلسطينيين من الضفة، قبل أن توافق على تفعيل تشغيل خدمة ترددات "4G" بعد سنوات من الرفض الإسرائيلي.
فيما ذكرت وسائل إعلام فلسطينية تابعة لحركة حماس أن لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الأخير فتح باب التساؤل عن أسباب ودوافع هذا اللقاء الذي جرى بشكل سري دون إعلان مسبق عنه أو ترتيبات خاصة.
اهتمام خاص من غانتس بعباس
قبل بضعة أسابيع، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت السماح لوزير الدفاع في حكومته، بيني غانتس، بلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفق ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية، الجمعة 13 أغسطس/آب.
القناة الـ12 الإسرائيلية قالت إن غانتس أعرب عن خيبة أمله بعد أن رفض بينيت طلبه مؤخراً بهذا الشأن، وشدد على أنه يعد أرفع وأنسب مسؤول في الحكومة الإسرائيلية للتفاوض مع الرئيس الفلسطيني.
كما أكدت القناة أن غانتس أعرب عن معارضته لقيادة بينيت بنفسه التفاوض مع محمود عباس، لافتة إلى أن معظم ناخبي رئيس الوزراء ينتمون إلى اليمين.
في الوقت نفسه، حذّر غانتس، حسب القناة، من تكليف وزير الخارجية يائير لابيد بعقد اجتماع مع عباس، قائلاً إن هذا سيجلب "عواقب سياسية ملموسة لا تريد إسرائيل مواجهتها حالياً".
فيما لم تكشف القناة عن سبب رفض بينيت لطلب غانتس أو سبب معارضة وزير الدفاع لتكليف لابيد بلقاء الرئيس الفلسطيني. أشارت القناة إلى أن غانتس يعير اهتماماً كبيراً للتفاوض مع عباس، والعمل على تعزيز الروابط بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
بينما أجرى غانتس مكالمة هاتفية مع عباس الشهر الماضي، فيما لم يتواصل بينيت بعد مع الرئيس الفلسطيني، ويعارض استئناف المفاوضات بخصوص التسوية السياسية بين الجانبين، رغم استعداده لتبني خطوات بغية تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما.
ما الذي سيمنحه غانتس للسلطة؟
بعد لقائهما الإثنين 30 أغسطس/آب كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي اتفق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على إقراض السلطة الفلسطينية نصف مليار شيكل (نحو 155 مليون دولار).
حسب القناة نفسها، فإن غانتس أبلغ عباس، خلال اللقاء، أن وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وافق على إقراض السلطة الفلسطينية نصف مليار شيكل، وأضافت أن القرض الإسرائيلي للسلطة سيتم سداده من أموال المقاصة اعتباراً من يونيو/حزيران 2022.
المقاصة هي عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجبيها الحكومة الإسرائيلية نيابة عن السلطة، على واردات الأخيرة من إسرائيل والخارج، مقابل عمولة 3%.
كما ستزيد إسرائيل من تصاريح العمل للفلسطينيين من الضفة الغربية بمقدار 15 ألف عامل، وستضيف 1000 عامل في صناعة السياحة، وستصدر تصاريح بناء للفلسطينيين في المنطقة "ج"، بحسب المصدر ذاته.
لمّ شمل العائلات الفلسطينية
فيما أعلن رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطيني الوزير حسين الشيخ أنه تم الاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية على منح 5 آلاف تصريح للم شمل العائلات الفلسطينية دفعة أولى.
حسين الشيخ أشار في تغريدة على "تويتر" إلى أن هذه "دفعة أولى على طريق إنهاء هذا الملف بالكامل في إطار جدول متفق عليه". ويأتي التصريح عقب اجتماع عقده الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.
كما أكدت مصادر إسرائيلية أن الجانبين اتفقا على "إيجاد حل لآلاف الفلسطينيين العالقين الذين لا يمتلكون التصاريح اللازمة للعودة من الخارج أو من قطاع غزة إلى الضفة الغربية لأسباب مختلفة، بالإضافة الى السماح بدخول 15 ألف عامل آخر، وكذلك السماح ببناء وحدات سكنية في منطقة (ج)".
خدمة الجيل الرابع للاتصالات
فقد قال مسؤول فلسطيني، الثلاثاء 31 أغسطس/آب 2021، إن بلاده ستشهد تشغيل خدمات إنترنت الجيل الرابع "4G"، بعد سنوات من منع إسرائيلي لتقديم الترددات للشركات العاملة في السوق المحلية.
غرّد رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ بأن "خدمة 4G قريباً في فلسطين، مما يشكل نقلة نوعية في عالم الاتصال والتواصل، والارتقاء بمستوى الخدمات".
بينما لم يضف المسؤول الفلسطيني مزيداً من التفاصيل بشأن الخدمة أو موعد إطلاقها، وموقع قطاع غزة من الإعلان.
منذ 2008، يطالب الفلسطينيون بإفراج إسرائيل عن ترددات خدمات الجيل الثالث "3G"، قبل السماح بتشغيلها في الضفة الغربية فقط مطلع 2018.
تنشط شركتان في فلسطين بتقديم خدمات الاتصال الخلوي، وحصلتا معاً على رخصة تشغيل ترددات الجيل الثالث في أبريل/نيسان 2017، قبل تقديم الخدمة تجارياً مطلع 2018.
بسبب عدم توفر خدمات الإنترنت على الأجهزة المحمولة، ارتفع إقبال الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 2013، على الشركات الخلوية الإسرائيلية، بسبب خدمات وعروض الجيلين الثالث والرابع، بينما بدأت قبل عدة شهور تقديم خدمات الجيل الخامس.
بينما لا تزال خدمات الجيل الثالث ممنوعة في غزة، وتقتصر الخدمة بالقطاع على الجيل الثاني.
غضب فلسطيني
المقاومة الفلسطينية لم تتأخر في انتقاد لقاء الرئيس الفلسطيني ووزير الدفاع الإسرائيلي، إذ استنكرت حركتا المقاومة الإسلامية "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، الإثنين، لقاء محمود عباس وبيني غانتس.
قال الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، في بيان صحفي وصل وكالة الأناضول: "لقاء رئيس السلطة محمود عباس مع وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس مُستَنكَر ومرفوض من الكل الوطني، وشاذ عن الروح الوطنية عند شعبنا الفلسطيني".
أضاف أن "مثل هذه اللقاءات استمرار لوهم قيادة السلطة في رام الله، بإمكانية إنجاز أي شيء لشعبنا الفلسطيني عبر مسار التسوية الفاشل". ولفت إلى أن هذا السلوك "يُعمّق الانقسام السياسي الفلسطيني، ويُعقّد الحالة الفلسطينية".
كما قال قاسم: "هذه اللقاءات بين قيادة السلطة والاحتلال تشجع بعض الأطراف في المنطقة التي تريد أن تُطبّع مع الاحتلال، وتضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع".
من جهتها، أدانت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية اللقاء، وقال الناطق باسم الحركة طارق سِلْمي، في تصريح صحفي، إن لقاء محمود عباس-غانتس الذي جاء على وقع جرائم الاحتلال وحصاره وعدوانه، هو طعنة لشعبنا".
أضاف أن "دماء الأطفال الذين قتلهم جيش الاحتلال بأوامر من غانتس لا تزال على الأرض لم تجف بعد".
تابع سلمي قائلاً: "السلطة، ورئيسها، يديرون الظهر للتوافق الوطني ويضعون شروطاً تخدم الاحتلال لاستئناف الحوار الوطني، بينما يتسابقون للقاء قادة العدو ويضعون يدهم في الأيدي الملطخة بالدماء البريئة".
استنكار إسرائيلي يهدد الحكومة
الغضب من لقاء عباس وغانتس لم يقتصر فقط على الفلسطينيين، إذ استنكر مسؤولون حكوميون من أحزاب اليمين في إسرائيل، الإثنين، لقاء وزير الدفاع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيما تبدو أنها بوادر أزمة داخل الائتلاف الحكومي، بحسب إعلام عبري.
إذ قالت القناة "13" الإسرائيلية إن رئيس الوزراء نفتالي بينيت (رئيس حزب يمينا- يمين)، أوعز بمنع غانتس من إلقاء خطاب في الكنيست (البرلمان) حول إيران، الثلاثاء، بعدما وعد عباس، خلال لقائهما في رام الله، مساء الأحد، بسلسلة تسهيلات إسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
توجه غانتس بطلب إلى سكرتارية الحكومة لإلقاء خطاب في جلسة برلمانية خاصة حول الملف الإيراني، نيابة عن الحكومة، لكنهم رفضوا طلبه، قائلين إن وزير الشؤون الدينية، ماتان كاهانا، (من حزب يمينا) هو من سيتحدث في الموضوع، وفق القناة.
أضافت أنه رغم موافقة بينيت مسبقاً على لقاء غانتس – محمود عباس، فإن الموافقة اقتصرت على المجالات الاقتصادية والأمنية فقط، لا سيما تنسيق نقل المساعدات القطرية إلى قطاع غزة (محاصر إسرائيلياً منذ 15 عاماً).
بينما قال مكتب غانتس، في بيان، إن التطرق للقضية السياسية أثير فقط في ضوء طلب محمود عباس خلال الاجتماع، دون تفاصيل أخرى.
بحسب القناة، فإن غضب اليمين الإسرائيلي تزايد بعد تصريح لغانتس، الإثنين، قال فيه: "كلما كانت السلطة الفلسطينية أقوى، ستكون (حركة) حماس أضعف، وكلما بسطت (السلطة) حكمها زاد الأمن، وكان علينا العمل بشكل أقل".