قال السفير الأفغاني السابق في عهد طالبان لدى باكستان، الملا عبدالسلام ضعيف، إن "الحركة تريد حكومة إسلامية جامعة وشاملة ومُقنعة للشعب الأفغاني وللعالم أجمع، حتى تحظى بالشرعية المحلية والدولية، وكي لا تحدث أي إشكاليات في الاعتراف بشرعيتها مستقبلاً"، مؤكداً أنه سيتم الإعلان عن تلك الحكومة خلال الأيام المقبلة، وفي أسرع وقت ممكن.
فيما كشف، في مقابلة مصورة مع "عربي بوست"، أنه "سيتم اختيار أعضاء الحكومة الجديدة وفقا لكفاءتها من جميع مكونات النسيج الأفغاني، وأن الاختيار لن يكون على أساس المحاصصة السياسية، وبالتالي سيكون الوزراء من مختلف الكفاءات، وستكون هناك مشاركة للنساء".
أما عن مدى تأثر طالبان بالضربات الأمنية والعسكرية التي تعرضت لها على مدى 20 عاماً في أعقاب الغزو الأمريكي نهاية عام 2001، فشدّد ضعيف، الذي عمل كمتحدث رسمي باسم الحركة سابقاً، على أن طالبان صارت اليوم "أقوى بكثير" مما كانت عليه في السابق، مُستشهداً بسيطرتها على أفغانستان خلال أقل من أسبوعين فقط، منوهاً إلى أن الولايات المتحدة فشلت فشلاً ذريعاً جراء تدخلها في بلادهم.
وتالياً نص المقابلة:
حسب معلوماتكم، إلى أين وصلت إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة في أفغانستان؟
السياسيون في الحركة ما زالوا يتشاورون مع السياسيين الآخرين المُخالفين لطالبان في داخل وخارج البلاد، وهم يستمعون لكل الأفكار والأطروحات بشأن طبيعة وشكل الحكومة الجديدة لتكون شاملة لكل أبناء الشعب الأفغاني، ولكل الأطراف السياسية المختلفة دون إقصاء أو تهميش لأحد، ولا نزال في مرحلة التشاور حتى الآن، ولم تبدأ الإجراءات الرسمية بعد، وعقب انتهاء العطلة في البلاد ستبدأ الإجراءات الرسمية مباشرة.
متى سيتم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة؟
طالبان تريد حكومة إسلامية جامعة وشاملة ومُقنعة للشعب الأفغاني وللعالم أجمع، حتى تحظى بالشرعية المحلية والدولية، وكي لا تحدث أي إشكاليات في الاعتراف بشرعيتها مستقبلاً. ولذا فهي ستشمل جميع المكونات وممثلي الشعب الأفغاني، وسيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة وفي أسرع وقت ممكن، خاصة في ظل المداولات المستمرة.
مَن هي الأطراف التي ستشارك فيها من خارج حركة طالبان؟
هناك بعض السياسيين بحركة طالبان في العاصمة كابول يجرون حالياً مشاورات مستمرة مع باقي الأطراف الأخرى في هذا الصدد، حتى إنهم يحاولون إقناع بعض الأطراف المتواجدة في الخارج بضرورة العودة إلى داخل البلاد من أجل المشاركة معهم في هذه الحكومة المرتقبة؛ فالحركة أعلنت السماح لكل الأطراف بالمشاركة في صياغة مستقبل أفغانستان، وأعلنت العفو عن الجميع، بعدما أكدت أن الحرب قد انتهت بالفعل، وهم يريدون أن يحدث كل شيء في البلاد عبر السلم والأمان.
ما المعايير التي سيتم على أساسها اختيار أعضاء الحكومة الجديدة؟
سيتم اختيار أعضاء الحكومة وفقاً لكفاءاتهم من جميع مكونات النسيج الأفغاني، ولن يحدث ذلك على أساس المحاصصة السياسية، وبالتالي سيكون الوزراء من مختلف الكفاءات، وستكون هناك مشاركة للنساء، كما أعلنت الحركة.
هل رئيس الحكومة الجديدة سيكون أحد قادة طالبان؟
هذا الأمر غير محسوم حتى الآن سواء إذا كان رئيس الحكومة من طالبان أو من غيرها، والحركة ستكشف عن ذلك قريباً.
هل سيكون هناك "مجلس حاكم" يحكم البلاد كما قيل بالفعل؟ وكيف سيتم تشكيل هذا "المجلس الحاكم"؟
أيضاً هذا الأمر لا يزال قيد الدراسة والتشاور، وعلينا الانتظار قليلاً حتى يتم الاستقرار على نظام الحكم، وهناك أفكار تُطرح بخصوص الحكم وتقول إنه ينبغي أن يتم ذلك بشكل مؤقت، بينما هناك أفكار أخرى تقول إنه يجب أن يكون ذلك بشكل دائم، وبعضهم ينادون بسرعة الإعلان عن نظام الحكم وآخرون ينادون بالتريث، وحتى الآن لم يتم الاتفاق بشكل نهائي على شيء بعينه، إلا أن أغلب الأطراف تسعى لسرعة إنهاء تلك الإجراءات في أقرب وقت، خاصة أن الشعب الأفغاني، ودول الجوار، والأمم المتحدة، وكل دول العالم، ينتظرون ويترقبون الإعلان عن الحكومة الجديدة ونظام الحكم الجديد في البلاد.
هل زعيم حركة طالبان، هبة الله أخوند زادة، سيكون في موقع الرئاسة أو في موقع مثل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي؟
لم تعلن طالبان شيئاً بخصوص الموقع المستقبلي لزعيم الحركة، سواء إذا ما كان سيصبح زعيماً للدولة أم سيظل زعيماً للحركة فقط، ولا نستطيع قول شيء محدد في هذه القضية في الوقت الراهن، إلا أن كل الأمور تخضع للبحث والنقاش والدراسة حالياً، حتى تكون الأمور واضحة ومُقنعة للجميع.
ما موقف حركة طالبان من إجراء الانتخابات ومن الأحزاب السياسية ووجود دستور في أفغانستان؟
لا مانع من أي شيء طالما سيكون ضمن النظام الإسلامي الذي ستعمل حركة طالبان والجميع على إقامته في البلاد، وسيحدث ذلك عبر التوافق السياسي في المستقبل، والمجال مفتوح على مصراعيه لكل المباحثات والنقاشات والأفكار المختلفة، إلا أن الأولوية اليوم هي تمكين الأمن والاستقرار في البلاد بعد فترة الحرب الطويلة التي جرت على مدى العقدين الماضيين.
لماذا يرى البعض أن عودة حركة طالبان للحكم مرة أخرى تُعدّ مصدر قلق للكثير من الدول العربية والغربية؟
نحن كأفغان لا نريد التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى، كما لا نريد لأحد أن يتدخل أحد في شؤوننا الخاصة، ولذلك أرى أن هذا القلق في غير محله ولا مبرر له، لماذا يقلقون؟، ومن أي شيء؟، ونقول إن كل شيء يأتي بالقوة العالمية مرفوض جملةً وتفصيلاً. نريد أن تكون بلادنا مستقلة وذات سيادة كاملة، ونحن ندعو الجميع إلى احترام تطلعات ورغبات الشعب الأفغاني، والدعم الشعبي الكبير الذي حظيت بها حركة طالبان يدعم أسس الشرعية الجديدة في البلاد.
فيما يتعلق بسياستكم الخارجية للبلاد، ما مدى استعداد الحركة للانفتاح على العالم الخارجي؟
هم لديهم الآن- بفضل الله- تجربة سابقة مكّنتهم من معرفة العالم، ويدركون الأمور الحساسة بالنسبة للمجتمع الدولي وكيف يتعاملون معها، لذلك يريدون بناء علاقات مع الجميع على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة من خلال الطرق المشروعة، وسيعملون جاهدين على ألا تُمثل أرض أفغانستان تهديداً ضد أي جهة أخرى.
كيف سيكون شكل العلاقات مع دول الجوار؟ مثل باكستان وإيران والصين وغيرها؟
العلاقات مع دول الجوار جيدة جداً، ولا توجد بها أي مشكلة، لدينا 6 دول مجاورة لأفغانستان وتربطنا بها جميعاً علاقات طيبة وفي أفضل حال، وجود أفغانستان في قلب آسيا أمر مهم جداً، وسينعكس الاستقرار لدينا على الوضع الأمني والاقتصادي في بلادنا وعلى المنطقة.
ما انعكاسات سيطرة طالبان على الأوضاع في المنطقة؟ وهل هذا قد يشجع قوى الإسلام السياسي الأخرى في الدول العربية على محاولة الوصول للحكم؟
لا ندري، هذه قضية تخصهم، وهم أصحاب القرار فيها، ونحن نريد الخير للجميع، ونريد الأمن والأمان والاستقرار لكل العباد والبلاد، ولا نريد أن نتسبّب في أي مشكلة لأي طرف أو جهة.
ما مصير آلاف الجنود الذين استسلموا لطالبان، هل سيتم سجنهم أو محاكمتهم أم سيتم العفو عنهم ضمن قوانين معينة؟ أم ماذا؟
أعلن أمير المؤمنين هبة الله آخوند زادة العفو عن الجميع، وحكم بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين من جميع سجون البلد، حتى المحاربين والجنود والسياسيين، إلا أنه إذا كانت هناك حقوق للشعب الأفغاني لدى أشخاص بعينهم فبالتأكيد سيتم عرضهم على القضاء والمحاكمات للنظر في أمرهم، لكن نهج طالبان هو العفو وطي صفحة الماضي بما لها وما عليها، والمجال في المستقبل مفتوح أمام الجميع حتى بالنسبة للجنود السابقين أن يستمروا في عملهم خلال الفترة المقبلة، وسيتم توظيف إمكاناتهم وقدراتهم في خدمة البلد والشعب.
هل هذا العفو الذي أصدرته حركة طالبان ينطبق على الرئيس الأفغاني أشرف غني أم لا؟
لا يوجد أي استثناء في ظل هذا العفو، والكل سيشمله هذا القرار.
بالتالي، هل ستسمح طالبان لأشرف غني بالعودة إلى أفغانستان؟
أفغانستان لكل الأفغان، وستظل مفتوحة لجميع أبنائها، ولا أحد يستطيع منع أحد من دخول بلاده، حتى مَن كان عنده جرم أو مشكلة شخصية فالقضاء موجود، وبالتالي فمن حق الجميع العودة، وطالبان لا تأخذ الحق أو الثأر من أحد.
برأيكم، ما النتائج التي حققتها أمريكا بعد 20 عاماً من غزو أفغانستان؟
ضاحكاً: لقد جاءوا وذهبوا، وأضاعوا المال والوقت والجهد، وقتلوا الأبرياء والمدنيين، ودمّروا البلاد، ولم يحصلوا على أي شيء إلا ذلك وفقط.
إلى أي مدى تأثرت طالبان بالضربات الأمنية والعسكرية التي تعرضت لها على مدى 20 عاماً؟
الحمد لله صاروا أقوى بكثير مما كانوا عليه في السابق، وطالبان قبل الغزو الأمريكي لبلادنا نهاية عام 2001 لم تكن تستطيع السيطرة على كل ربوع البلاد، لكنها اليوم نجحت في ذلك خلال أقل من أسبوعين فقط، والشعب بات يعتمد على طالبان بشكل أكبر مما كان عليه في السابق.
هل الخلاف الرئيسي بين طالبان وأمريكا إبان تجربة الحكم الأولى كان يتمثل في مطلب تسليم أسامة بن لادن ورفاقه فقط؟ أم كانت هناك خلافات أخرى "كبيرة"؟
أمريكا اعتبرت أسامة بن لادن عدواً لدوداً لها، واتهمته بارتكاب بعض العمليات ضدها في بعض المناطق، ونحن كنّا مستعدين لمحاكمته في أفغانستان وإجراء حوار بشأنه مع الأمريكان، وطلبنا منهم إثبات وإظهار الأدلة التي تدينه، بينما في الحقيقة لم يكن لديهم شيء ضده، وأعتقد أنهم اتخذوا هذا الأمر فقط كذريعة ومبرر لتدخلهم في بلادنا؛ فقد كانت لديهم أهداف أخرى أهمها السيطرة على المنطقة واستعراض قوتهم، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً بفضل الله.
برأيك، ما أبرز الأمور الخلافية اليوم بين طالبان وأمريكا؟
لا أعتقد أن هناك خلافات بينهما الآن، بل هناك توافق بينهما، وانعكس ذلك في اتفاق الدوحة، ونحترم هذا الاتفاق في المستقبل، وسنكون نحن القائمين على شؤوننا الداخلية دون تدخل من أي طرف خارجي، وعلى الأمريكان احترام ذلك. والأمم المتحدة لا تريد استغلال أرض أفغانستان ضد الولايات المتحدة، ونحن أكدنا على ذلك من تلقاء أنفسنا، والحركة أعلنت ووافقت على أن أرض بلادنا ملك لشعبنا فقط ولا حق لأي أحد آخر فيها، ولن نسمح لأي أحد بأن يستخدم أرضنا ضد الآخرين، وسنحافظ على تعهدنا ذلك.
كما أننا أعلنا احترامنا لحقوق النساء والأقليات والإعلام ولجميع حقوق الإنسان، ونحن في حوار شامل مع مختلف الأطراف، ومتى ما اتفقنا على شيء سنعلنه في حينه.
الملا "عبدالسلام ضعيف" في سطور
شغل منصب سفير إمارة أفغانستان الإسلامية لدى باكستان منذ عام 1999 وحتى عام 2001، وهو أحد المؤسسين الأوائل لحركة طالبان، وأحد قادتها البارزين، بل إنه يُعدّ الدبلوماسي الأبرز فيها، حيث كان همزة الوصل الوحيدة بين أفغانستان ودول العالم إبان تجربة الحكم الأولى للحركة (1996- 2011)، التي لم تحظ إلا باعتراف ثلاث دول فقط هي باكستان والسعودية والإمارات ثم تراجعت السعودية والإمارات لاحقاً عن هذا الاعتراف.
قبل ذلك تم تعيينه كمدير للبنك المركزي الأفغاني، ثم عمل نائباً لوزير الدفاع بعد استيلاء الحركة على الحكم ثم نائباً لوزير الطاقة والعمل والموارد الطبيعية. كما شغل منصب المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان إبان الحرب على أفغانستان.
في حين اُعتقل "ضعيف" في شهر ديسمبر/كانون الأول 2001 إلى أن أُفرج عنه في صيف 2005، وفُرضت عليه إقامة جبرية في العاصمة كابول حتى عام 2010، وأصدر المذكرات الأهم في تاريخ الحركة في كتاب بعنوان "حياتي مع طالبان".