أثار انهيار أمراء الحرب الأفغان سريعاً، وعدم دفاعهم عن معاقلهم في مواجهة حركة طالبان دهشةً كبيرة بين المتابعين للشأن الأفغاني، حيث عول الرئيس الأفغاني أشرف غني عليهم "كثيراً"، آملاً أن يتمكنوا من المساعدة في وقف هجوم الحركة التي تقف الآن على تخوم العاصمة كابول، وتستعد لدخولها "سلمياً".
ففي مدينة مزار شريف في شمال البلاد، طلب غني مساعدة الرجل القوي عطا محمد نور، وأمير الحرب الأوزبكي عبدالرشيد دوستم، حسبما قالت وكالة الأنباء الفرنسية، الأحد 15 أغسطس/آب 2021.
وعُرف عن الرجلين قتالهما المستميت ضد طالبان خلال تسعينيات القرن الماضي، كما أنهما بقيا شخصيتين مؤثرتين خلال العقدين الماضيين من الحرب.
في الأيام التي سبقت هزيمتهما، بدا القائدان الأشيبان كأنهما المحاربان القديمان اللذان كانا عليهما خلال سنوات الشباب.
وصرح دوستم للصحفيين الأسبوع الماضي، بعد عودته إلى مزار شريف، أن "طالبان لم تتعلم إطلاقاً من الماضي"، مشيراً إلى مجزرة نفذها مقاتلوه ضد عناصر في الحركة في 2001. وأضاف "أتى مقاتلو طالبان إلى الشمال مرات عدة، لكنهم كانوا دائماً محاصرين، ليس من السهل عليهم الخروج".
أما نور فلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي لإصدار تحذيراته، ونشر صوراً لمقاتلين من طالبان قتلتهم قواته، فيما توعّد بالقتال حتى الموت.
وكتب على تويتر "أفضّل الموت بكرامة على الموت من اليأس"، إلى جانب منشورات أخرى تنطوي على تحد وتتعهد بـ"الدفاع عن الوطن".
وفي مقطع فيديو نشر على فيسبوك السبت، تحدث نور ببزته العسكرية بهدوء، فيما كانت تُسمع طلقات نارية من مكان قريب.
هزيمة سريعة
مساء السبت، هُزمت ميليشيات المحاربَيْن المخضرمَين، بعد استسلام الوحدات العسكرية الأفغانية التي كانت تدعمها لطالبان، وفرّ كل من دوستم ونور عبر الحدود الأوزبكية القريبة.
كتب نور على تويتر أنهما كانا ضحيتين لخيانة متأصلة، مضيفاً أن مقاومة الميليشيات انتهت "نتيجة لمؤامرة كبيرة منظمة وجبانة"، فيما لم يقدّم أي تفاصيل إضافية.
في الوقت نفسه، أظهر مقطع فيديو نُشر على حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي مناصرة لطالبان، من مجموعة من مقاتلين شباب تابعين لطالبان وهم يمشطون مسكن دوستم المتخم بالأثاث ويبحثون في الخزائن.
وجاءت هزيمة نور ودوستم بعد أيام من أسر مقاتلي طالبان في مدينة هرات (غرب) الرجل القوي إسماعيل خان.
كان خان قبيل هزيمته يبدو كأنه الشخص القوي الذي حكم بقبضة من حديد لعقود، لدرجة أنه لقب بـ"أسد هرات".
وقال خان الشهر الماضي "نطالب كل القوات الأمنية المتبقية بالمقاومة بشجاعة".
لكن خان أُجبر الجمعة على التقاط صور مع مقاتلي طالبان، وإجراء مقابلة مع وسيلة إعلامية تابعة للمتمردين.
على تخوم العاصمة
كانت وزارة الداخلية الأفغانية أعلنت صباح الأحد أن طالبان بدأت هجومها على مدينة كابول من جميع الجهات، فيما أكدت الحركة في بيان لها تحركها نحو العاصمة، فيما قالت إنها أمرت جميع مقاتليها بالإحجام عن العنف.
كانت تقديرات استراتيجية قد أشارت، السبت 14 أغسطس/آب 2021، إلى أن الحركة على بعد 72 ساعة فقط عن العاصمة كابول، مع تقدمها السريع في عدة مدن.
وأعلنت طالبان في بيان أنها أمرت قواتها بالوقوف على تخوم العاصمة وعدم محاولة دخولها، مشيرة إلى أن هناك "مفاوضات جارية" لضمان عملية تسليم العاصمة كابول.
بيان طالبان لم تعلّق عليه الحكومة حتى الآن، ولكن المتحدث باسم طالبان أكد أن الحركة "لا تريد دخول العاصمة كابول بالقوة أو بالحرب، ونفضل الدخول بسلام".
كما قال المتحدث باسم طالبان على تويتر إن الحركة ستتخذ خطوات جادة لحماية الأموال والممتلكات في كابول، مضيفاً "نطمئن جميع أصحاب البنوك والتجار في كابول أن ممتلكاتهم لن تتضرر".
وقال كذلك: "لا نرغب في سقوط أي مدني قتيلاً أو جريحاً مع تولينا زمام الأمور، لكننا لم نعلن وقفاً لإطلاق النار".
في المقابل، تحدَّث القصر الرئاسي عن إطلاق نار في مناطق في كابول، مشيراً إلى أن القوات الأفغانية تدافع عن العاصمة بالتنسيق مع شركائها الدوليين.
فيما تحدثت وكالة الأنباء الفرنسية عن تواجد عناصر لطالبان داخل العاصمة، وقد تداول ناشطون صوراً ومواقع جغرافية لتواجدهم.
يشار إلى أنه منذ مايو/أيار الماضي، تصاعد العنف في أفغانستان مع اتساع رقعة نفوذ "طالبان"، تزامناً مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية المقرر اكتماله بحلول 31 أغسطس/آب الجاري.
فيما تعاني أفغانستان حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي تقوده واشنطن بحكم طالبان؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم "القاعدة".