أعلن متحدث قضائي في تونس، الإثنين 9 أغسطس/آب 2021، أن قاضياً قرر منع 12 مسؤولاً، من بينهم وزير سابق، ونائب بالبرلمان، من السفر، بسبب شبهات فساد في نقل واستخراج الفوسفات.
فيما أضاف محسن الدالي، المتحدث باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي، أن من بين المسؤولين مديرَين عامَّين لشركة فوسفات قفصة، ورجل أعمال يسيطر على نقل الفوسفات.
كان الرئيس قيس سعيد قد قال مؤخراً، إنه تجب محاسبة المتورطين في الفساد بقطاع الفوسفات، ويجب ألا يفلت أحد من القانون.
أبرز مُصدري الفوسفات
يشار إلى أن تونس كانت من أبرز مُصدري الفوسفات في العالم قبل ثورة 2011 التي أنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي، إلا أنها أصبحت تضطر أحياناً إلى شراء الفوسفات، بسبب تعطل الإنتاج، وتعطل النقل، من جرّاء احتجاجات شبان يطالبون بالشغل. وتكبدت الشركة خسائر بمليارات الدولارات.
في حين اتهم الرئيس قيس سعيد، نواباً ورجال أعمال نافذين بالتحريض على احتجاجات وقطع السكك الحديدية؛ لنقل الفوسفات عبر أسطول شاحناتهم.
بينما نقلت شركة فوسفات قفصة الحكومية، الأسبوع الماضي، شحنات فوسفات بالقطار للمرة الأولى خلال عام، بعد توقف إثر الاحتجاجات التي أغلقت السكك الحديدية، في دفعة مهمة لصناعة الفوسفات الحيوية بالبلاد.
إلى ذلك، بلغ إنتاج تونس من الفوسفات 8.2 مليون طن في عام 2010، لكنه تراجع إلى 3.1 مليون طن، العام الماضي.
منع ناشط سياسي من السفر
في وقت سابق من يوم الإثنين، أكد الناشط السياسي التونسي، إسكندر الرقيق، عبر تدوينة نشرها على حسابه بموقع "فيسبوك"، منعه من السفر، وذلك دون إبداء أي أسباب لذلك، لافتاً إلى أنه "ليس لي أي موانع قانونية أو قضائية".
"الرقيق" اعتبر ما جرى بحقه "اعتداءً رهيباً على الحريات الشخصية في التنقل والسفر، وخرقاً واضحاً لدستور 2014، ودستور 1959، ولكافة المواثيق الدولية"، مضيفاً: "أنا خبير ومستشار دولي في الاستثمار وتطوير المشاريع، وأعمل مع العديد من الشركات الأجنبية، ولا سرقت ولا خطفت، وهذا المنع تضييق على رزقي ورزق عيالي، وانتهاك صارخ لحريتي الشخصية".
في حين طالب الناشط السياسي رئاسة الجمهورية برفع هذا المنع في أقرب وقت، لأنه "لا يليق بما وعد به الرئيس قيس سعيد، المجتمع الدولي من أنه سيحافظ على الحريات الشخصية لكل أفراد الشعب التونسي".
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تواجه تونس موجة وبائية غير مسبوقة عقب تفشي فيروس كورونا، تتسم بانتشار واسع للسلالات المتحورة ألفا ودلتا في معظم الولايات، مع ارتفاع في معدل الإصابات والوفيات، مع تحذيرات من انهيار وشيك للمنظومة الصحية؛ ما استدعى استقبال مساعدات طبية عاجلة من دول عديدة، خلال الأيام الماضية.