قالت صحيفة The Times البريطانية، الإثنين 2 أغسطس/آب 2021، إن الرائد في جهاز أمن الدولة اللبناني، جوزف الندّاف، والذي كان مسؤول مركز أمن الدولة في مرفأ بيروت، يشعر بالحيرة، ويتساءل عن مصيره في ظل ما وصفته بإفلات الساسة من العقاب، مشيرة إلى أنه كان "الرجل الوحيد الذي حاول منع انفجار المرفأ الذي هز مدينة بيروت في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي".
كان الرائد جوزف قد حذّر رؤساءه أكثر من مرة من هذه الكارثة الوشيكة، ووصلت تقاريره عن مخاطر نترات الأمونيوم المخزنة في عنبر رقم 12 إلى مكتب الرئيس ميشال عون. لكنه بعد ذلك خضع للاستجواب واعتقل وسُجن لمدة ثمانية أشهر.
بينما قرر القضاء اللبناني، يوم الخميس 15 أبريل/نيسان 2021، الإفراج بكفالة عن 6 موقوفين- بينهم جوزيف الندّاف- على ذمة التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت، وبالتالي فهو لا يزال مداناً ببعض التهم، رغم عودته إلى وظيفته ومواصلته التحقيق في الفساد بالمرفأ الذي يقول كثيرون إنه كان السبب الأساسي وراء كارثة العام الماضي.
"حالة ذهول"
من جهته، قال جوزف إنه في البداية كان يعتقد أنه ضحية عملية نبش، أي بحث عن أي شخص لديه معلومات. لكنه نُقل بعد ذلك إلى سجن الأمن العام في بيروت، وأمضى ثمانية أشهر في السجن، مضيفاً: "كنت في حالة ذهول، وسألت نفسي: لماذا حدث هذا؟".
في حين أضافت صحيفة The Times البريطانية: "أما الساسة والجنرالات الذين حذرهم من النترات فلا يزالون أحراراً، ويتحصنون بمناصبهم".
كان انفجار ضخم قد وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، أسفر عن مقتل 200 شخص وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين، فضلاً عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
هذا الانفجار نتج عن تخزين كيماويات في الميناء لأعوام دون مراعاة معايير السلامة والأمان.
أما في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن مجلس القضاء العدلي، أن إجمالي من صدر بحقهم قرارات توقيف على خلفية انفجار المرفأ، بلغ 28 شخصاً، 3 منهم غيابياً، كونهم موجودين خارج البلاد.
فيما يرى الكثير من اللبنانيين في المقارنة بين مصير هؤلاء ومصير جوزف، الذي اعتقل مع 24 مسؤولاً وفنياً آخرين من مراتب متوسطة أو دنيا بتهمة "التواطؤ"، رمزاً لا للظلم الناتج عن الانفجار فحسب، وإنما لوقاحة نظام الحكم في البلاد أيضاً.
"قضية حساسة"
وفق الصحيفة البريطانية، لا يُسمح لجوزف، الذي يجلس في مكتب صغير بوسط بيروت، بالحديث عن الجانب السياسي من هذه الكارثة؛ إذ لا تزال هذه القضية حساسة، وكان لا بد من الحصول على إذن بالتحدث معه من مدير أمن الدولة شخصياً، اللواء طوني صليبا.
لكن تحفظ جوزف لا يعني أنه لا يأخذ مصيره الاستثنائي على محمل شخصي. وقال: "كتبت أربعة تقارير في خمسة أشهر، وفي كل واحد منها حذرت من خطر النترات"، مضيفاً: "كل ما يمكنني فعله هو كتابة التقارير. هذه وظيفتي. ولا يمكنني أن أفعل أكثر من ذلك. ولذلك كنت في حالة صدمة حين اعتقلوني. وقال الشخص الذي استجوبني في البداية إنني أستحق مكافأة".
يشار إلى أن جوزف كان قد وصل إلى الميناء بعد 25 دقيقة من الانفجار وأدرك ما حدث سريعاً. وبعدها، نشر المسؤولون تفاصيل عن تقاريره السابقة وتحويلها إلى الجهات العليا، حتى وصل آخر تقرير له إلى مكتبي الرئيس عون ورئيس الوزراء حسان دياب.
كان جوزف اختير خصوصاً ليتولى مهمة التعامل مع المخاوف الشعبية من الفساد في الميناء، وبدأ العمل في مهمته في أبريل/نيسان عام 2019. وأواخر ذلك العام، علم بأمر النترات، ووجد أنها في العنبر رقم 12، الذي كان يحمل ثقباً في جدرانه وكان أحد أبوابه مفقوداً.
في هذا الإطار، أشار جوزف إلى أنه انتابه القلق من انفجارها، وإنه كان قلقاً أيضاً من سرقتها.
شحنة نترات الأمونيوم
جدير بالذكر أنه قبل أشهر قال برنامج تلفزيوني استقصائي مطلع هذا العام إن الشركة المسؤولة عن الشحن تحمل عنوان مكتب رجل أعمال مرتبط بالرئيس السوري، بشار الأسد. وأشار البرنامج إلى أن نترات الأمونيوم أُحضرت عمداً إلى بيروت لنقلها إلى سوريا لتعبئة البراميل المتفجرة التي يستخدمها النظام.
في حين نقل تقرير مسرب من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أن حجم شحنة النترات المسجلة في أوراق السفينة كان يبلغ 2750 طناً، لكن حجم الانفجار يتناسب مع كمية تبلغ حوالي 550 طناً فقط، أي أن أربعة أخماس الشحنة كان مفقوداً، بيد أن هذه السرقة أنقذت بيروت من مصير أسوأ.
لكن الواضح أن مهمة كشف الفساد التي أوكلت جوزف كانت "مهمة مستحيلة"، لكنه يقول إن أحداً لم يتدخل في عمله.
في سياق متصل، خلص تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، الثلاثاء، إلى وجود أدلة قوية تشير إلى أن بعض المسؤولين اللبنانيين علموا وقبلوا ضمنياً بالمخاطر التي تشكلها مادة نترات الأمونيوم التي كانت مُخزنة في مرفأ بيروت قبل الانفجار المروع.
تقرير المنظمة الدولية يقع في أكثر من 700 صفحة، ويشمل نتائج ووثائق. ويؤكد أن هناك أدلة على أن عدداً من المسؤولين اللبنانيين ارتكبوا جريمة الإهمال الجنائي بموجب القانون اللبناني.
وقالت هيومن رايتس إن الرئيس ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، ووزراء سابقين طلب القاضي طارق بيطار إفادات منهم، تقاعسوا في اتخاذ إجراءات لحماية الناس على الرغم من إبلاغهم بالمخاطر.