أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس التونسي قيس سعيد، أبلغ نظيره الجزائري، عبدالمجيد تبون، السبت 31 يوليو/تموز 2021، أن قرارات مهمة ستصدر عما قريب، فيما ينتظر التونسيون تعيين رئيس جديد للحكومة.
حيث قالت الرئاسة الجزائرية، في بيان نشرته على صفحتها بموقع "فيسبوك": "أجرى رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، هذا المساء، مكالمة هاتفية، مع أخيه قيس سعيد، اطمأن من خلالها على الرئيس والشعب التونسي الشقيق".
البيان الجزائري أضاف: "تمحور الاتصال الهاتفي حول تطورات الوضع العام في الشقيقة تونس، حيث طمأن الرئيس التونسي، رئيسَ الجمهورية، بأن تونس تسير في الطريق الصحيح لتكريس الديمقراطية والتعددية، وستكون هناك قرارات هامة عن قريب".
فيما ينتظر كثير من التونسيين من الرئيس سعيد تعيين رئيس جديد للحكومة، وتقديم خارطة طريق واضحة بعد إعلانه، الأسبوع الماضي، إجراءات طوارئ غير مسبوقة؛ لإحكام سيطرته المطلقة على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، الأمر الذي فجّر ردود فعل مدوّية في الداخل والخارج.
اعتقالات جديدة بحق نواب تونسيين
في غضون ذلك، أوقفت قوات الأمن التونسية، في وقت سابق من يوم السبت، النائب عن كتلة "ائتلاف الكرامة" بالبرلمان محمد العفاس، بحسب ما أعلنته زوجته النائبة فاطمة هدريش.
حيث قالت هدريش، في تدوينة عبر صفحتها على فيسبوك: "الآن فرقة (أمنية) مجهولة تقتحم منزل الدكتور عفاس بصفة وحشية ودون استظهار بأي ورقة (إذن بالتوقيف)، فزّعوا الأطفال وأبكوهم"، مضيفة: "اقتحموا حتى بيت الحمام على طفلة تستحم ولم يحترموها.. حسبنا الله ونعم الوكيل".
من جهته، قال الحبيب بن سيدهم، النائب عن "ائتلاف الكرامة" (18 مقعداً من أصل 217)، في تدوينة عبر صفحته على فيسبوك، إن "القضاء العسكري أصدر إذناً بالاحتفاظ، في حق 4 من نواب الكتلة في علاقة بما يُعرف بقضية المطار".
بدوره، ذكر المحامي حسني الباجي، المقرب من الكتلة، في تدوينة نشرها بصفحته على فيسبوك، أن "قاضي التحقيق العسكري أصدر اليوم بطاقات جلب (أوامر توقيف) بحق 4 نواب من ائتلاف الكرامة، هم: سيف الدين مخلوف رئيس الكتلة، والنواب عبداللطيف العلوي، ومحمد عفاس، وماهر زيد".
بينما لم تعلّق السلطات التونسية على توقيف النواب الأربعة حتى الساعة الـ20.00 تغ.
كان مطار تونس قرطاج الدولي قد شهد، في مارس/آذار الماضي، شجاراً بين عناصر من أمن المطار ونواب في "ائتلاف الكرامة"؛ إثر محاولة الأخيرين الدفاع عن مسافرة مُنعت من مغادرة البلاد لدواعٍ أمنية بموجب ملحوظة "إس 17".
وملحوظة "إس 17" هي تعليمات أمنية كانت معتمدة خلال عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لوصم كل من تحوم حولهم شبهة علاقة بتنظيمات إرهابية.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تواجه تونس موجة وبائية غير مسبوقة عقب تفشي فيروس كورونا، تتسم بانتشار واسع للسلالات المتحورة ألفا ودلتا في معظم الولايات، مع ارتفاع في معدل الإصابات والوفيات، مع تحذيرات من انهيار وشيك للمنظومة الصحية؛ ما استدعى استقبال مساعدات طبية عاجلة من دول عديدة، خلال الأيام الماضية.