وسط حضور أمني مكثف، أجرى الرئيس التونسي، قيس سعيّد، ظهر الأحد 1 أغسطس/آب 2021، جولة مفاجئة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، برفقة مديرة الدّيوان الرئاسي، نادية عكاشة، وذلك للمرة الثانية منذ قراراته الأخيرة التي فجّرت جدلاً وانقساماً واسعاً داخل وخارج البلاد.
فيما لم يدل سعيّد بأي تصريح صحفي خلال جولته، التي تأتي بعد أسبوع من اتخاذه "تدابير استثنائية" رآها معارضون "انقلاباً دستورياً".
في حين تحدث سعيّد مع مواطنين خلال جولته، التي دامت دقائق قليلة، في الشّارع الرئيس للعاصمة.
لكن سعيّد لم يدخل مقر وزارة الدّاخلية الموجود في المكان ذاته، بحسب شهود عيان.
وحتى الساعة 15: 15 ت.غ، لم تنشر الرئاسة التّونسية أي إفادة بشأن هذه الجولة.
بينما أصدرت الرئاسة التونسية بياناً عقب انتهاء تلك الجولة مباشرة عن سعيّد، صباح الأحد، تحدثت فيه عن عملية تسلم مليون و500 ألف جرعة من التلاقيح ضد فيروس كوفيد-19 ممنوحة لتونس من قِبل إيطاليا، وذلك بحضور لورانزو فانارا، سفير إيطاليا بتونس.
وفق البيان: "أكد رئيس الدولة على أهمية هذا الدعم التضامني النبيل من الجمهورية الإيطالية، والذي يعطي دفعاً جديداً لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، ويرسخ قيم التآزر والتعاضد بين الشعبين التونسي والإيطالي".
سعيّد جدّد حديثه المتكرر عما وصفه بحرصه الثابت على حماية الحقوق والحريات، وتعزيز مقومات الأمن والاستقرار.
الهجرة غير الشرعية
بينما أكد على "موقف تونس الداعي إلى معالجة شاملة ومتضامنة لمسألة الهجرة غير النظامية والتصدي لشبكات الاتجار بالبشر وتهريبهم"، محذراً من "كل محاولات التوظيف السياسي لهذا الملف في هذا الظرف الدقيق من تاريخ بلادنا"، على حد قوله.
كان رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، قد حذّر، الجمعة 30 يوليو/تموز 2021، من ذهاب الأجهزة الأمنية إلى أن استخدام العنف والقمع ضد معارضي قرارات سعيّد قد ينزلق بالبلاد نحو الفوضى وعدم الاستقرار؛ وهو ما قد يدفع آلاف التونسيين للهجرة.
الغنوشي حذّر أيضاً، في حديث لصحيفة Corriere della Sera الإيطالية، أوروبا من أن سواحلها ستشهد نزوح أكثر من 500 ألف مهاجر تونسي، إن استمرت دوامة الفوضى والإجراءات غير الدستورية في البلاد.
كان سعيّد قد أجرى، صباح الإثنين 26 يوليو/تموز المنصرم، أولى جولاته إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية عقب التطورات الأخيرة.
حينها نشر التلفزيون التونسي صوراً لسعيّد وسط بعض أنصاره المؤيدين لقراراته.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات مازالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة، اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
إضافة إلى الأزمة السياسية، تواجه تونس موجة وبائية غير مسبوقة عقب تفشي فيروس كورونا، تتسم بانتشار واسع للسلالات المتحورة ألفا ودلتا في معظم الولايات، مع ارتفاع في معدل الإصابات والوفيات، مع تحذيرات من انهيار وشيك للمنظومة الصحية؛ ما استدعى استقبال مساعدات طبية عاجلة من دول عديدة، خلال الأيام الماضية.