قالت صحيفة The Independent البريطانية في تقرير نشرته الخميس 29 يوليو/تموز 2021، إن جو بايدن بعدما تولى منصبه كنائب للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، أقام مأدبة عشاءٍ خاصة في مقر إقامته الرسمي بواشنطن العاصمة؛ وذلك لمناقشة أزمة الحرب في أفغانستان.
كان نحو ستة من الضيوف الحاضرين من الخبراء في الشأن الأفغاني والذين يرون أن أفغانستان باتت مقبرة للإمبراطوريتين البريطانية والروسية.
فقدان جنود أمريكيين
في هذا العشاء الذي أقامه بايدن بحلول فبراير/شباط 2009، كانت قناعة بايدن في الأساس أن أفغانستان ليست بلداً يستحق أن يفقد مزيد من الأمريكيين حياتهم فيه، وقال بارنيت روبين، مدير مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك، وأحد الخبراء في الشأن الأفغاني، والذي حضر مأدبة العشاء: "لقد بدأ بالقول إننا لن نستخدم شبابنا من أجل ذلك".
بحلول تلك المرحلة، كان لدى الولايات المتحدة 67 ألف جندي في أفغانستان، لكن المهمة الأصلية للولايات المتحدة -اعتقال بن لادن أو قتله- بدت كأنها قضيةٌ خاسرة. كانت الولايات المتحدة وبريطانيا والقوات المتحالفة الأخرى تواجه مقاومةً عسكريةً متزايدةً ومستمرةً من "طالبان" و"القاعدة".
رغم أن الولايات المتحدة فقدت بالفعل نحو 600 جندي في تلك الحرب، كان أوباما، الذي أدَّى اليمين قبل ذلك بقليل، تحت ضغطٍ شديدٍ من قادته العسكريين لإرسال مزيد من الجنود للانضمام إلى المعارك.
إرسال مزيد من الجنود
وفي وقتٍ لاحقٍ من ذلك العام، فعل أوباما ذلك على وجه التحديد، إذ أرسل 33 ألف جندي، ليزيد إجمالي القوات الأمريكية هناك إلى 100 ألف جندي، إضافةً إلى أعدادٍ كبيرةٍ من المتعاقدين الخاصين الذين توظِّفهم وكالة الاستخبارات المركزية أو وزارة الخارجية.
كان الرئيس يأمل أنه من خلال الموافقة على "زيادة" أعداد القوات، سيكون قادراً على حسم الأمر سريعاً والانسحاب بعد ذلك.
حيث قال في خطابٍ مدته نصف ساعة بأكاديمية ويست بوينت الأمريكية في نيويورك: "أنا لا أتَّخِذ القرارات باستخفاف. اسمحوا لي بأن أكون واضحاً؛ لن يكون أيٌّ من هذا سهلاً. لن ينتهي الصراع ضد التطرُّف سريعاً، وهو يمتد إلى ما هو أبعد من أفغانستان وباكستان. سيكون اختباراً دائماً لمجتمعنا الحر وقيادتنا للعالم".
لكن بعد 12 عاماً، وجد بايدن نفسه رئيساً وليس نائباً لرئيسٍ ما. بدا مصمِّماً على تجنُّب تكرار تلك السياسة، رغم أنها كانت نتاجاً لإدارةٍ كان هو جزءاً منها بشكلٍ لا ينفصم. ومنذ أن أقام مأدبة العشاء، تغيَّرَت كثير من الأمور.
ارتفاع عدد ضحايا أمريكا
إذ بلغ إجمالي القوات الأمريكية وقوات التحالف في أفغانستان 2500 جندي، بينما ارتفع عدد الضحايا الأمريكيين إلى 2372 على الأقل.
حيث لقي ما لا يقل عن 250 ألف أفغاني مصرعهم، مع نزوح 3 ملايين داخلياً وهجرة 2.1 مليون من البلاد، بصورةٍ رئيسية إلى باكستان وإيران. في عام 2001، قُدِّرَ عدد سكان أفغانستان بـ37.5 مليون نسمة، بينما يبلغ اليوم 38 مليون نسمة. وتُقدَّر تكلفة الحرب التي استمرَّت 20 عاماً، بما يقرب من 2 تريليون دولار.
بينما حدَّدَت الولايات المتحدة في عام ،2011 موقع بن لادن وقتلته في باكستان المجاورة -بعد أن فرَّ من أفغانستان بسرعةٍ كبيرةٍ في أعقاب غزو القوات الغربية- عادت "طالبان" والقوى المتطرِّفة إلى الظهور الآن.
المتمردون في المقاطعات
في المقابل أشار جنرالٌ أمريكي مؤخَّراً، إلى أن المتمرِّدين يسيطرون على ما يصل إلى نصف مراكز المقاطعات في البلاد. وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، للصحفيين في واشنطن: "يبدو أن الزخم الإستراتيجي يلتفُّ حول طالبان".
كذلك قال إن أكثر من 200 من أصل 419 مركزاً للمقاطعات تخضع لسيطرة "طالبان". وقبل شهر، قال إن "طالبان" تسيطر على 81 نقطة منها. ومع ذلك، ادَّعى أن "الاستيلاء العسكري لطالبان ليس نتيجة مفروغاً منها"، في إشارةٍ إلى 90 مليار دولار تُنفَق على تدريب قوات الأمن الأفغانية.
أضاف: "أهم عنصرين في القتال هما الإرادة والقيادة. سيكون هذا اختباراً الآن لإرادة وقيادة الشعب الأفغاني، وقوات الأمن الأفغانية، والحكومة الأفغانية".، والفارق الرئيسي الآخر هو أن جو بايدن وَرِثَ صفقة انسحاب الجيش الأمريكي من سلفه دونالد ترامب.
حملة ترامب الرئاسية
عندما خاض ترامب حملته الانتخابية للرئاسة، انفصل عن العديد من الجمهوريين التقليديين في قضايا تشمل السياسة الخارجية. وكان من بين مواقفه اعتزامه إعادة القوات الأمريكية من كلٍّ من العراق وأفغانستان، وإن لم يكن ذلك على الفور.
كذلك ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كانت كثير من مؤسسات واشنطن تنظر إلى العمليات الأمريكية في كلا البلدين من منظور ما يسمى "الحرب على الإرهاب".
كان ترامب قد قال لشبكة CNN الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2015: "لقد ارتكبنا خطأً فادحاً بالتورُّط هناك في المقام الأول. إنها فوضى، وفي هذه المرحلة يتعيَّن علينا ترك قواتٍ أمريكية بأفغانستان، لأن هذا البلد سينهار في غضون ثانيتين بعد مغادرة القوات".
لكن بحلول فبراير/شباط 2020، توسَّطَت الولايات المتحدة و"طالبان" في صفقةٍ خلال المحادثات في قطر، لإنهاء الصراع وتسوية الانسحاب. ويُشار إلى أن الصفقة لم تشمل ممثلين عن الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.
حيث قال ترامب في واشنطن بعد توقيع الاتفاقية: "أعتقد حقاً أن طالبان تريد أن تفعل شيئاً لإظهار أننا لا نضيِّع الوقت جميعاً". وأضاف: "إذا حدثت أشياء سيئة، فسنعود".