بداية من المتطلبات اللوجستية البسيطة، مثل العثور على شخص ما للقيام بالتسوق لك من البقالة، وصولاً إلى القضايا العاطفية، مثل دعمك ومؤازرتك في التعامل مع القلق والاكتئاب في فترات الأزمات، دائماً ما يواجه البعض صعوبة بالغة في طلب المساعدة من الآخرين.
فهي ليست بالمهمة السهلة على الإطلاق، وبحسب نورا بوشار، المدربة التنفيذية والقيادية في تصريحاتها لموقع CNBC، فإن طلب المساعدة من الآخرين يتطلب شجاعة وطاقة نفسية كبيرة، خاصة إذا ما كان الشخص انطوائياً أو خجولاً.
الخوف من التنازل عن السيطرة لصالح شخص آخر
يميل الناس إلى امتلاك رغبة قوية في القيام بالأشياء بأنفسهم، وأن يكونوا مستقلين ذهنياً وعاطفياً، وذلك غالباً ما يجعل طلب المساعدة يشعرهم بعدم الارتياح، لأنه يتطلب التنازل عن تلك السيطرة لشخص آخر.
وتقول بوشار: "هناك خوف من نقطة أخرى، وهي أن يُنظر إلى الشخص على أنه محتاج أو ضعيف، نحن لا نريد أن نخجل من وضعنا، أو أن نظهر على أننا غير كفئين أو متحملين لمسؤولياتنا بشكل كامل، لذلك نعمل بجد للتأكد من أن الناس لا يروننا بهذه الطريقة".
كما يخشى بعض الناس أن يتم نبذهم ورفضهم إذا طلبوا المساعدة، باعتبار أنهم يمثلون عبئاً أو حملاً ثقيلاً على الآخرين، وبحسب الخبيرة يكون هذا السبب وراء تقديمنا للكثير من الأعذار، لكي نمتنع عن طلب المساعدة".
وبحسب CNBC، تكمُن المفارقة في أن الناس في أغلب الأحيان يريدون تلقي المساعدة من الآخرين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. وكما تكون إجابتنا إذا ما استنجد بنا الآخرون، فإن الجواب المعتاد غالباً ما سيكون "بالتأكيد، كيف يمكنني مساعدتك؟".
بسبب الألم الاجتماعي: الخوف من الرفض وسوء الفهم
لفهم السبب الذي يجعل طلب المساعدة مؤلماً للغاية بالنسبة للكثيرين، من المفيد إلقاء نظرة على تأثير الألم الاجتماعي على النفسية والسلامة العامة للفرد، إذ قد تبدو انتقادات الآخرين أو رفضهم لنا مؤلمة بشكل قاسٍ، وكأننا تلقينا لَكْمة في المعدة.
وفي واحدة من أكثر الأفكار إثارة للاهتمام التي تظهر من مجال علم الأعصاب الاجتماعي، الذي لا يزال جديداً نسبياً، أن دماغنا يستوعب الألم الاجتماعي -الانزعاج الناشئ عن تفاعلاتنا السلبية مع الآخرين- بنفس الطريقة التي يعالج بها الألم الجسدي للتشنج العضلي أو ركل إصبع القدم في ساق الكرسي.
وأظهرت الدراسات التي أجرتها عالمة الأعصاب الاجتماعية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس نعومي أيزنبرغر، وفقاً لموقع Management Today، أن تجربة كل من الألم الاجتماعي والجسدي تتضمن منطقة من الدماغ تسمى القشرة الحزامية الأمامية الظهرية، أو dACC، التي تحتوي على أعلى كثافة من مستقبلات المواد الأفيونية -المسؤولة عن الإشارة إلى الألم والمكافأة- في أي منطقة من الدماغ. ويحفّز إحساس الرفض أو التعرض لمعاملة غير عادلة أماكن في الدماغ تماماً كما يفعل الصداع.
وعندما تطلب المساعدة من شخص آخر، فإن ذلك يفتح لك المجال في احتمالية أن تعاني من جميع أنواع الألم الاجتماعي. ويشعر الكثير من الناس -على الأقل دون وعي- أنهم قد خفضوا دفاعاتهم ووفروا فرصة للآخرين لكي يحكموا عليهم أو يسخروا منهم أو يزدروهم، لاسيما عندما يعني طلب المساعدة الكشف عن نقص في المعرفة أو القدرة أو كشف عن مستوى الهشاشة والضعف.
لا عجب إذن أن نتجنب طلب المساعدة من الآخرين ونهرب منهم مثلما نهرب من الطاعون، إذ قد يبدو الطاعون أقل خطورة بالمقارنة، وفقاً لـManagement Today.
كيف تنظر في قرارة نفسك إلى طلب المساعدة من الآخرين؟
إذا كان طلب المساعدة صعباً عليك فخذ بعض الوقت للنظر فيما يلي:
1- أثناء نشأتك، ما نوع الرسائل التي كنت تتلقاها بشأن فكرة طلب المساعدة من الآخرين؟
هل أعطت عائلتك قيمة أكبر لـ"القيام بالأمور بنفسك" أو "السماح للآخرين بالتدخل وتقديم المساعدة"؟
عندما حاولت طلب المساعدة من الآخرين في طفولتك كيف كانت ردود فعل الناس في حياتك، وكيف تعاملوا معك في وقت حاجتك؟
وبحسب موقع Psychology Today لعلم النفس، يمكن أن تلقي هذه الأسئلة القليلة الكثيرَ من الضوء على ما إذا كنت تعيش حياة مفرطة في الاعتماد على الذات، أو يمكنك أن تشعر بالراحة في اللجوء إلى الآخرين للحصول على إرشادات أو ملاحظات أو دعم أو راحة.
وإذا كانت الإجابات عن الأسئلة السالف ذكرها قد ركّزت على أن التواصل من أجل الحصول على الدعم من الآخرين غير مقبول، أو غير مجدٍ، أو لا يصح فيه الثقة في الآخرين بهذا القدر، أو قد يسبب لك المزيد من الألم، أو سيعني بشكل أو بآخر أنك ضعيف وغير كُفء، فمن المنطقي أن تشعر بكل هذا الثقل والرفض لفكرة الاستعانة بالغير.
وهي الرؤية الخاطئة كلياً، التي ينبغي تصحيحها بالتجربة والممارسة وحتى بالرعاية والاستشارات النفسية إذا لزم الأمر.
كيف يمكن تغيير هذا الوضع؟
في كتابها "طلب المساعدة في أوقات الحاجة"، تقدم نورا كلافر بعض الاقتراحات المفيدة للقيام بذلك بصورة سليمة وخفيفة، دونما شعور بالثقل والتكلُّف، وتقول وفقاً لما جاء في مدونة Andy Mort:
"معظم الناس لم يتعلموا أبداً كيف يسألون الآخرين أن يساعدوهم بشكل صحيح. لذلك نقوم بذلك بشكل سيئ أو متردد، وأحياناً باستخدام إحساس الذنب، أو من خلال الإكراه أو الابتزاز أو حتى الاستعطاف".
وبينما قد نلتمس الشفقة بطريقة معينة لا نوضحها بالشكل الصحيح عندما نريد المساعدة من الآخرين، أو نطلب المساعدة من الشخص الخاطئ. ربما قد نشعر بالإهانة عند القيام بذلك، وقد نتعرض لتجارب مؤلمة، لذلك نخشى القيام بذلك في المستقبل".
وتنصح الكاتبة: "كن صريحاً، اسأل بعبارات محددة، وليس من الضروري التدقيق في التفاصيل أو سرد كل المعلومات".
كذلك تجاوز المكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني إذا كان ذلك ممكناً، وقم بإجراء طلبك بشكل شخصي وخاص وجهاً لوجه مع الشخص المحتمل أن يدعمك ويقدم لك المساعدة المرجوة.
وفي بعض الأحيان والحالات المحددة يكون إخفاء الهوية مفيداً، لذلك غالباً ما يشعر الناس براحة أكبر عند مناقشة القضايا المالية عبر الهاتف، بدلاً من التحدث وجهاً لوجه.
وتنصح الكاتبة بحسب مدونة Andy Mort، بتدقيق الملاحظة والتقاط الإشارات، هل هذا الشخص متحمس لمساعدتي فعلاً أم متردد؟ هل يشعر بالضغط في حياته وشؤونه الخاصة بالفعل ولن يتمكن من تخصيص الوقت لي أم سيتحمّل هذا العبء الإضافي؟ وهكذا.
وفي نهاية المطاف، ينبغي دوماً التعبير عن الشكر والتقدير والامتنان لمن تمكن من مساعدتك بالفعل، قُل شكراً عند إبرام الاتفاق، وعندما ترى الشخص الذي ساعدك في المرة القادمة، يمكنك أن تخبره أنك ستكون متواجداً لدعمه هو أيضاً عند الحاجة.