حذّرت منظمات المجتمع المدني الرئيسية في تونس، ومنها الاتحاد العام للشغل ذو التأثير القوي، الثلاثاء 27 يوليو/تموز 2021، الرئيس قيس سعيّد من تمديد الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها، يوم الأحد الماضي، لأكثر من شهر، داعية رئيس الجمهورية إلى وضع "خارطة طريق تشاركية مع كل القوى المدنية" للخروج من الأزمة، بما لا يتجاوز الثلاثين يوماً.
المنظمات شدّدت، في بيان، على ضرورة "ضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة، وهيئاتها الوطنية، وحمايتها من الانهيار وعدم الارتداد عن مسار اللامركزية"، معلنة تشكيل لجنة عمل مشتركة لمتابعة تطورات الوضع السياسي في البلاد، ولإعداد تصور لخارطة طريق تضم المحاور المستعجلة يتم مشاركتها مع منظمات المجتمع المدني وتقديمها للرأي العام ولرئيس الجمهورية.
في حين عبّرت عن تبنيها لما وصفتها بالمطالب المشروعة للشعب التونسي، والتي عبّر عنها خلال تحركاته السلمية، مضيفة: "كما نُحيي تحركات الشعب الاحتجاجية بعد فشل منظومة الحكم في إيجاد حلول للأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي استنزفت المواطن وصادرت القرار الوطني".
دعت المنظمات أيضاً كل القوى السياسية إلى "تغليب المصلحة العامة، ومعالجة القضايا الخلافية في أطرها المخصصة، وذلك على قاعدة الحوار والنقاش وتصريفها بشكل مدني وسلمي بعيداً عن منطق التحريض والتهييج تشدد على ضرورة احترام الحريات العامة والفردية والطابع المدني للدولة التونسية، واحترام دستور البلاد واستقلال القضاء واحترام حرية التعبير والإعلام والصحافة وعدم الانزلاق نحو التفرد بالسلطة".
"المسار الديمقراطي"
كما طالبت بـ"تغيير السياسات ومراجعة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لعدم خلق نفس الأزمة التي تواصلت لسنوات نتيجة السياسات الشعبية داعية جميع المواطنين إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس وعدم الانجرار إلى العنف والحفاظ على مؤسسات بلادنا ومصالح الشعب العامة والخاصة".
من جهتها، نقلت وكالة رويترز عن مصادر قولها إن الرئيس التونسي أبلغ منظمات المجتمع المدني أنه يتعهد بحماية "المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات"، مشيراً إلى أن الإجراءات الاستثنائية مؤقتة بسبب تعمق الأزمة، وأن الحريات والحقوق لن تُمس بأي شكل.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي، في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014 الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).