طالبت الجمعية التونسية للقضاة (مستقلة)، الثلاثاء 27 يوليو/تموز 2021، الرئيس قيس سعيد بضرورة "التسريع في إنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية، والإفصاح عن آليات استئناف المسار الديمقراطي الحامي للحقوق والحريات، وللسير العادي لمؤسسات الدولة في إطار خيارات وطنية تشارك فيها جميع القوى المدنية، تعمل على تصحيح المسار الديمقراطي، وتضع كافة الضمانات لإنجاحه"، مشدّدة على استقلال النيابة العامة.
الجمعية أعلنت في بيان لها رفضها المبطن لإعلان سعيد ترؤسه النيابة العامة ضمن قراراته الأخيرة التي فجّرت جدلاً واسعاً بالبلاد، لافتة إلى أن استقلال النيابة العمومية يأتي "وفق مقتضيات الدستور باعتبارها جزءاً من القضاء العدلي، وعلى ضرورة النأي بها وبالقضاء عموماً عن كل توظيف سياسي".
في هذا الإطار طالبت "النيابة العمومية بالاضطلاع بدورها الحقيقي والمستوجب في حماية المجتمع والدولة من الجريمة بجميع أشكالها، وخاصة جرائم الفساد والإرهاب التي أعاقت الانتقال الديمقراطي، وتتبع كل مرتكبيها مهما كانت صفاتهم ومواقعهم إنفاذاً للقانون، وقطعاً مع الإفلات من العقاب، وتحقيقاً للعدالة المجتمعية، وإنجاحاً للتجربة الديمقراطية".
"تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي"
في حين ذكرت أن "الأزمة المستفحلة التي تشهدها الدولة التونسية على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، وما أفرزته من انسداد آفاق، وما أدت إليه من احتجاجات شعبية في كافة جهات الجمهورية، إنما هي بالأساس نتاج تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي من طرف منظومات الحكم المتعاقبة منذ الثورة والخيارات الفاشلة للأحزاب الحاكمة والمجافية لتطلعات الشعب الحقيقية، وما دأبت عليه من خرق متواصل للدستور، بما أفرغه من أغلب مضامينه".
فيما شدّدت جمعية القضاة على أن "حل هذه الأزمة يتم بالاحتكام إلى الشرعية الدستورية، وباحترام كامل الضمانات التي يقتضيها النظام الديمقراطي من تفريق بين سلطات الدولة".
بخلاف ذلك، أهابت بكافة أفراد الشعب التونسي بـ"ضرورة التحلي بأعلى درجات ضبط النفس، وتجنب الانسياق وراء دعوات الفوضى والعنف، والمحافظة على السلم الاجتماعي في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد".
استقلالية السلطة القضائيّة
كان مجلس القضاء الأعلى في تونس قد كشف الإثنين 26 يوليو/تموز 2021، أنه أبلغ رئيس الجمهورية رفضه لقرار ترؤس النيابة العامة، مؤكداً استقلالية السلطة القضائيّة وضرورة النأي بها عن كلّ التجاذبات السياسية، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية.
المجلس قال إنه التقى قيس سعيد بدعوة منه، ووفق بلاغ المجلس الذي نشر على الصفحة الرسمية له في موقع فيسبوك، فقد تمّ التأكيد خلال اللقاء على استقلالية السلطة القضائيّة، و"أن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويضطلعون بمهامهم في نطاق الدستور والقانون في حماية الحقوق والحريات".
أيضاً شدّد المجلس على أنّ النيابة العموميّة جزء من القضاء العدلي يتمتع أفرادها بنفس الحقوق والضمانات الممنوحة للقضاء الجالس، ويمارسون مهامهم في نطاق ما تقتضيه النصوص القانونية الجاري العمل بها.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.