قالت مجلة Foreign Policy الأمريكية، الأحد 25 يوليو/تموز 2021، إن مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن وكبار المشرعين الأمريكيين يعملون حالياً على قدمٍ وساقٍ من أجل إعادة توطين مجموعة خاصة من الأفغان المعرضين للخطر، وهم الأشخاص الذين عملوا "جواسيس محليين" لصالح وكالة الاستخبارات المركزية خلال الحرب التي استمرت لعقدين من الزمان، وذلك بالتزامن مع الانسحاب العسكري للقوات الأمريكية والتوسع السريع والكبير الذي تحققه حركة طالبان.
حيث يواجه هؤلاء "الجواسيس"، الذين صار عملهم مع الولايات المتحدة معروفاً في أفغانستان في كثير من الحالات، احتمالية التعرض لانتقامٍ مميت، نتيجة عملهم السري، فضلاً عن أنهم يفتقرون للوثائق المطلوبة في كثير من الأحيان، وفق المجلة الأمريكية.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد كشفت، الأربعاء 14 يوليو/تموز 2021، عن خطتها لترحيل المترجمين الأفغان الذين يستطيعون إثبات عملهم لصالح الجيش الأمريكي، مشيرة إلى أنها تعمل مع الكونغرس على منحهم تأشيرات لدخول أمريكا، ولكن خيارات أخرى تدرسها لإجلائهم نحو بلدان أخرى، خاصة أنهم واجهوا صعوبات من أجل إعادة توطينهم.
تغيير القوانين
إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إن العمل جارٍ مع الكونغرس لتغيير قوانين التفويض؛ بغية تمرير الموافقة على التأشيرات للمترجمين الأفغان مع القوات الأمريكية والحلفاء، وأضافت أنهم يحرصون على تنفيذ هذا الأمر "بشكل سريع ومحترف".
بدوره، قال المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، إنه تم تحديد مواقع محتملة خارج الولايات المتحدة، لاستقبال الأفغان الذين سيتم إجلاؤهم، لكنه أكد أنهم يبحثون جميع الخيارات، ولم تتخذ واشنطن قرارات نهائية بهذا الشأن، مؤكداً أن من بين الخيارات استقبال الأفغان مؤقتاً في قواعد عسكرية خارج الأراضي الأمريكية وداخلها، بالإضافة إلى منشآت تابعة لدول مضيفة.
فيما أثار قادة بالحزبين الديمقراطي والجمهوري في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، هذه المسألة مع الرئيس بايدن في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، وقالوا في خطاب إن الولايات المتحدة يجب عليها ألا تدير ظهرها إلى هؤلاء الأفغان.
في هذا الإطار، قال السيناتور الديمقراطي، مارك وارنر، والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، إن فعل ذلك يمكن أن "يرسل رسالةً ضارةً إلى حلفائنا وشركائنا المحتملين بشأن الثقة في الولايات المتحدة وجدارة الاعتماد عليها".
بينما لم يحدد عضوا مجلس الشيوخ الهيئات الاستخباراتية التي يشيرون إليها في خطابهم العام، لكن مصدراً في اللجنة أكد لمجلة Foreign Policy أن الطلب كان مرتبطاً بالأفغان الذين عملوا مع وكالة الاستخبارات المركزية، وأن عضوي مجلس الشيوخ كانا يعملان مع الإدارة خلف الكواليس على مدى أسابيع من أجل التوصل إلى حل للمسألة.
"أولوية كبيرة"
في حين أكد مسؤول أمريكي أن وكالة الاستخبارات المركزية منخرطة بقوة في جهود حماية حلفائها الأفغان، وتعتبر هذا الأمر "أولوية كبيرة"، لأن طالبان سيطرت على مساحات شاسعة من البلاد في الأشهر الأخيرة.
المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، لفت إلى أن الوكالة كانت تستخدم قدراتها الفريدة على الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية على مدى سنوات لمساعدة الحكومة الأمريكية للتحقق من هويات الأفغان الذين يقدمون طلبات للحصول على تأشيرات هجرة، خاصة أنها الآن تساعد هذه الأصول البشرية المحلية في هذه العملية.
من جهته، قال مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض إنه منخرط في هذه الجهود. فقد قال متحدث تعريجاً على هذه التساؤلات: "إننا ندرك هذه المسألة ونتخذ الخطوات الملائمة تماشياً مع القانون لضمان أن الطلبات التي يتقدم بها الأفغان المؤهلون للحصول على تأشيرات الهجرة الخاصة التي يجري تقييمها تقييماً كاملاً وتاماً".
لكن وارنر وروبيو حذرا في خطاب مرسل إلى بايدن، من أن "وتيرة الانسحاب والتدهور السريع في الحالة الأمنية (في أفغانستان) لا يتماشيان" مع الجدول الزمني لعملية إصدار التأشيرات، وأشارا إلى أن هناك "الآلاف قيد الدراسة".
ملاذ الحلفاء
كانت الخارجية الأمريكية كشفت، في تصريحات إعلامية، أن العملية التي أُطلق عليها اسم "ملاذ الحلفاء" ستركز على تسهيل رحلات طائرات مدنية لنقل المتعاونين الأفغان وعائلاتهم إلى دولة ثالثة لحين صدور تأشيراتهم لدخول الأراضي الأمريكية.
وأوضحت أن من سيقود العملية هي السفيرة تريسي جاكوبسون، التي ترأست في السابق البعثة الأمريكية في كل من طاجيكستان وتركمانستان وكوسوفو، مشيرة إلى أن عدد هؤلاء الأشخاص لا يمكن الإفصاح عنه لأسباب أمنية.
وزارة الخارجية الأمريكية سبق أن اعتبرت أن إعدام مسلحي طالبان أفراداً من القوات الأفغانية بعد استسلامهم أمر "مقزز وشائن للغاية"، لكن الحركة نفت ذلك، وقالت إن تقرير شبكة "سي إن إن" (CNN) عن إعدام الحركة عناصر من القوات الأفغانية بعد استسلامهم غير صحيح.
"انسحاب القوات الأمريكية"
تجدر الإشارة إلى أن القوات الأمريكية انسحبت، الجمعة 2 يوليو/تموز الجاري، من قاعدة باغرام الجوية، التي تبعد 40 ميلاً إلى الشمال من كابول، والتي تعد أهم قاعدة جوية بأفغانستان، وسط تحذيرات من أن أفغانستان قد تنزلق إلى حرب أهلية.
هذا الانسحاب الأمريكي الذي يجري بوتيرة سريعة يأتي بينما تكثف حركة طالبان هجومها في أنحاء البلاد، خاصة مع إخفاق محادثات السلام بقطر في تحقيق تقدم يُذكر.
على الرغم من الوتيرة السريعة للانسحاب فلا يزال الجيش الأمريكي يمتلك حالياً سلطة حماية القوات الأفغانية.
في مقابل الانسحاب الأمريكي تعهدت طالبان، التي تقاتل لطرد القوات الأجنبية والإطاحة بالحكومة المدعومة من واشنطن، بمنع أي أنشطة إرهابية دولية تنطلق من الأراضي الأفغانية.
كما تعهدت الحركة بالدخول في محادثات مع خصومها الأفغان، لكن لم يتم إحراز تقدم يُذكر في المفاوضات.
حرب طويلة
يُشار إلى أن أفغانستان تعاني حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي، تقوده واشنطن، بحكم "طالبان"؛ لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه في الولايات المتحدة.
في حين تصاعد مستوى العنف بأفغانستان، منذ مطلع مايو/أيار الماضي، مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية بأمر من الرئيس بايدن في أبريل/نيسان الماضي.
أثار تصاعد القتال وفرار آلاف من أفراد قوات الأمن الأفغانية شكوكاً كبيرة إزاء مفاوضات السلام التي تدعمها الولايات المتحدة، والتي بدأت العام الماضي في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
إلا أن مفاوضات سلام تاريخية انطلقت في 12 سبتمبر/أيلول 2020، بالعاصمة القطرية الدوحة، بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء 42 عاماً من النزاعات المسلحة بأفغانستان.
قبل ذلك، أدت قطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن و"طالبان"، التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي أواخر فبراير/شباط 2020، لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.