على ضوء تفاعلات الأزمة غير المسبوقة التي تشهدها البلاد، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد، الثلاثاء 27 يوليو/تموز 2021، وزيري الخارجية في دولتي الجزائر والمغرب، من أجل بحث العلاقات الثنائية، والتعاون بين البلدين، والقضايا الإقليمية.
حيث أعلنت الرئاسة التونسية أن سعيّد استقبل، ظهر الثلاثاء بقصر قرطاج، وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الذي قالت إنه "يؤدّي زيارة إلى بلادنا مبعوثاً خاصاً، محمّلاً برسالة شفوية موجّهة إلى رئيس الدولة من أخيه الرئيس عبدالمجيد تبّون، رئيس الجمهورية الجزائرية"، دون الكشف عن فحواها.
وفق البيان الرئاسي "كان هذا اللقاء مناسبة لتجديد التأكيد على ما يجمع القيادتين في البلدين من علاقات احترام وتقدير متبادلين، وما يحدوهما من عزم ثابت وإرادة صادقة على مواصلة العمل سويّاً لمزيد من ترسيخ روابط الأخوة التاريخية وعلاقات التعاون والشراكة المتينة بين تونس والجزائر، ولمضافرة الجهود الدؤوبة للاستجابة للتطلعات المشتركة للشعبين الشقيقين نحو مزيد من التآزر والتضامن والتكامل".
"زيارة خاطفة"
في حين لم يتطرق البيان الرئاسي للأزمة التونسية الحالية، وكذلك البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الجزائرية عقب هذه الزيارة الخاطفة والتي استمرت عدة ساعات.
تأتي هذه الزيارة غداة اتصال هاتفي بين رئيسي البلدين، بعد يوم من قرارات رئاسية تونسية عطلت البرلمان ومنحت سعيد رئاسة السلطة التنفيذية.
كانت الرئاسة الجزائرية أعلنت، الإثنين، أن الرئيس عبدالمجيد تبون، بحث في اتصال هاتفي مع سعيد، آخر مستجدات الأوضاع في تونس، دون مزيد من التفاصيل.
كما أعلنت الرئاسة التونسية أن سعيد استقبل أيضاً، الثلاثاء، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الذي ذكرت أنه حمل "رسالة شفوية" من الملك المغربي محمد السادس، دون الإفصاح عن محتواها، مشيرة إلى أنه أكد على "روابط الأخوة القوية بين القيادتين".
في حين أضافت أنه تم خلال هذا اللقاء "التأكيد على روابط الأخوة القوية بين القيادتين في البلدين، وتجديد الإعراب عن العزم المشترك الذي يحدوهما من أجل مواصلة العمل سوياً لتوطيد علاقات التعاون الثنائي، وتحقيق التطلعات المشتركة للشعبين الشقيقين نحو مزيد من التضامن والتآزر".
بوريطة يعدّ ثاني مسؤول عربي يلتقيه الرئيس التونسي، الثلاثاء، بعد لقائه وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، عقب يومين من قرارات سعيد الأخيرة.
التعجيل بحل الخلافات
في غضون ذلك، دعت الأمم المتحدة، الثلاثاء، القادة السياسيين وأصحاب المصلحة في تونس، إلى "التعجيل بإيجاد حل لخلافاتهم عبر الحوار والتصرف بمسؤولية".
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في مقر المنظمة الدولية بنيويورك.
حيث قال حق: "تواصل الأمم المتحدة تشجيع القادة السياسيين وأصحاب المصلحة في تونس على التعجيل بحل الخلافات من خلال الحوار والحلول الوسط"، منوهاً إلى أنهم يواصلون أيضاً حث هؤلاء القادة وأصحاب المصلحة على التصرف بمسؤولية للحفاظ على الهدوء.
"قرارات تصعيدية"
كان الرئيس التونسي قد أعلن، مساء الأحد 25 يوليو/تموز الجاري، أنه قرر تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وتولي النيابة العمومية بنفسه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي؛ وذلك على خلفية فوضى واحتجاجات عنيفة شهدتها عدة مدن تونسية تزامناً مع الذكرى الـ64 لإعلان الجمهورية.
فيما أضاف الرئيس التونسي في كلمة متلفزة عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد لم يعلن عن اسمه، الأمر الذي يُعدّ أكبر تحدٍّ منذ إقرار الدستور في 2014، الذي وزع السلطات بين الرئيس ورئيسَي الوزراء والبرلمان.
سعيّد قال إنه اتَّخذ هذه القرارات بـ"التشاور" مع رئيس الحكومة هشام المشيشي، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو الأمر الذي نفاه الغنوشي لاحقاً.
بينما برّر "سعيد" قراراته "المثيرة" بما قال إنها "مسؤولية إنقاذ تونس"، مشدّداً على أن البلاد "تمر بأخطر اللحظات، في ظل العبث بالدولة ومقدراتها"، حسب قوله.
جاءت قرارات سعيّد إثر احتجاجات شهدتها عدة محافظات تونسية بدعوة من نشطاء، طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
"انقلاب على الثورة والدستور"
رداً على تلك القرارات، اتهم راشد الغنوشي، زعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان التونسي، الرئيسَ قيس سعيّد بالانقلاب على الثورة والدستور، مضيفاً: "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة".
الغنوشي أشار في تصريحات إعلامية إلى أنه "مستاء من هذه القرارات"، متابعاً: "سنواصل عملنا، حسب نص الدستور".
كما وصف عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، نور الدين البحيري، القرارات الأخيرة بأنها "انقلاب مروّض" على الدستور والشرعية، منوهاً بأنهم سيتعاطون مع "هذه القرارات المخالفة لأحكام الدستور والانقلاب على مؤسسات الدولة، وسنتخذ إجراءات وتحركات داخلياً وخارجياً لمنع ذلك (سريان تلك القرارات)"، دون ذكر توضيحات بالخصوص.
بخلاف موقف "النهضة" (53 نائباً من أصل 217)، عارضت أغلب الكتل البرلمانية قرارات سعيّد؛ إذ اعتبرها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعداً) "باطلة"، ووصفتها كتلة قلب تونس (29 نائباً) بأنها "خرق جسيم للدستور"، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائباً) ما ترتب عليها، فيما أيدتها فقط حركة الشعب (15 نائباً) (قومية).
جدير بالذكر أنه يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى، شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.
لكن في أكثر من مناسبة اتهمت شخصيات تونسية دولاً عربية، لاسيما خليجية، بقيادة "ثورة مضادة" لإجهاض عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، خوفاً على مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.
بينما يُنظر إلى تونس على أنها الدولة العربية الوحيدة التي نجحت في إجراء عملية انتقال ديمقراطي من بين دول عربية أخرى شهدت أيضاً ثورات شعبية أطاحت بالأنظمة الحاكمة فيها، ومنها مصر وليبيا واليمن.