حذَّر قائد الجيش اللبناني من اضطرابات متزايدة تزامناَ مع الهبوط الحاد في قيمة العملة الوطنية، الذي أعقب اعتذار رئيس الوزراء المُكلَّف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، في الوقت الذي تخشى فيه قيادة المؤسسة الأمنية أن عناصرها قد "يُخلون مواقعهم" بحثاً عن لقمة العيش في أماكن أخرى.
قائد الجيش اللبناني الجنرال جوزيف عون خاطب جنوده حول ذلك قائلاً: "الجيش هو الرادع للفوضى، أعلم أنكم لن تسمحوا لأحد بغزو أرضنا، كما لن تسمحوا للظروف بإفقادكم انتماءكم لوطنكم".
وتسبَّب انهيار الاقتصاد اللبناني في تدمير قيمة أجور أفراد الجيش، وعددهم 80 ألفاً، حيث كان متوسط رواتبهم يعادل 800 دولار شهرياً قبل بداية الأزمة في 2019، لكن أصبحت أجورهم تساوي الآن عُشر ما كانت عليه، حسب ما أشارت إليه صحيفة The Times البريطانية الأحد 18 يوليو/تموز 2021.
وتراجعت قيمة الليرة اللبنانية من 1500 ليرة مقابل الدولار الأمريكي قبل عامين إلى 19 ألف ليرة هذا الشهر ثم 22 ألفاً و200 ليرة عقب استقالة الحريري. ويقول المُحلِّلون إنَّ اقتصاد الدولة، التي مزقتها سنوات من الفساد المستشري، في حالة سقوط حر.
وفي هذا الصدد، قال المحلل سامي نادر إنَّ الأزمة سحقت آمال الاتفاق على خطة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي، مضيفاً: "هذا يعني أننا في طريقنا للفوضى. الدولة جاهزة لاضطراب اجتماعي كامل".
لا يجدون ما يأكلون
قائد الجيش اللبناني سبق أن حذر الشهر الماضي من أن "استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان سيؤدي حتماً إلى انهيار المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإن البلد بأكمله سيكون مكشوفاً أمنياً".
كما أضاف: "يبدو واضحاً انعدام فرص حلول الأزمة الاقتصادية في الوقت القريب؛ ولذلك تزداد الحاجة أكثر إلى دعم الجيش الذي يحظى بثقة المواطن ومساندته؛ كي يبقى متماسكاً وقادراً على القيام بمهامه".
وأشار عون إلى أن "العسكريين يواجهون الظروف الصعبة بعزيمة وإصرارٍ وانضباط رغم تدني قيمة رواتبهم بنسبة تقارب 90%، بسبب تدهور قيمة الليرة"، لافتاً إلى أن "النسبة عينها تنسحب على التغذية والطبابة والمهمات العملانية وقطع غيار الآليات (العسكرية)".
وشدد عون على "ضرورة دعم العسكري اللبناني كفرد لاجتياز هذه المرحلة الدقيقة، إضافة إلى دعم المؤسسة الأمنية ككل".
بدورها، قالت وزيرة الدفاع اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر، إن "الجيش اللبناني يرزح تحت العبء نفسه مع الشعب اللبناني، وهو يحتاج دعماً فعلياً لكي يستمر في أداء مهامه".
وشددت على أنه "لا يجوز التخلّي عن الجيش الذي يشكّل الضمانة لاستقرار لبنان وأمن اللبنانيين".
مؤتمر لدعم الجيش اللبناني
تصريحات المسؤولين اللبنانيين جاءت خلال مؤتمر دولي نظمته باريس لتأمين مساعدات طارئة تضم مواد تموينية وأدوية وقطع غيار لصيانة العتاد، تقدَّر قيمتها بـ"عشرات ملايين الدولارات"، بمشاركة نحو عشرين دولة، من بينها الولايات المتحدة.
وقالت مصادر إن الجيش اللبناني فصّل خلال المؤتمر "حاجات محددة جداً" على صعيد المواد الغذائية من حليب وطحين وغيرهما، والأدوية، وقطع الغيار لصيانة العتاد، تقدر قيمتها بـ"عشرات ملايين الدولارات".
كما يُفترض أن تعلن فرنسا إرسال مستلزمات طبية مضادة لكوفيد-19 وقطع غيار للآليات المصفحة والمروحيات.
وأضافت المصادر في وزارة الجيوش الفرنسية أن الحاجات تشمل "الوقود والزيوت والإطارات والبطاريات، ما يظهر الطابع الحرج للوضع".
ولن تشمل المساعدة شراء عتاد أو دفع أجور، إذ إن الأسرة الدولية تشترط لتوفير أي دعم اقتصادي ومالي للبنان إجراء إصلاحات بنيوية لم تتبلور حتى الآن مع غياب تشكيل حكومة.
ويعوّل الجيش اللبناني على الحصول على مساعدات طارئة، وفق ما أفاد به مصدر عسكري، في بيروت.
وقال المصدر العسكري: "نحن بحاجة إلى مواد غذائية، إلى طبابة وإلى دعم العسكريين في رواتبهم"، مشدداً على أهمية الدعم "حتى يستمر الجيش، في ظل هذه الأزمة الاقتصادية". وأضاف: "يؤثر تدهور قيمة الليرة على العسكريين.. لم تعد رواتبهم تكفيهم".
وعلى وقع أزمة اقتصادية متفاقمة، صنَّفها البنك الدولي من بين الأكثر شدةً في العالم منذ عام 1850، ووسط شلل سياسي مزمن، لم تبقَ مؤسسة الجيش بمنأى عن تداعيات الانهيار وتدهور سعر الصرف الذي تجاوز هذا الأسبوع 15 ألف ليرة مقابل الدولار.
ومنذ انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع، في الرابع من أغسطس/آب الماضي، أكثر من مئتي قتيل وأحدث دماراً واسعاً، يعتمد الجيش إلى حد كبير على مساعدات غذائية، أبرزها من فرنسا ومصر والولايات المتحدة وتركيا. كذلك قدمت دول أخرى مساعدات طبية.