حذَّر عدد من الخبراء الاقتصاديين في تونس من الانزلاق المستمر للوضعية الاقتصادية بالبلاد، بل قال بعضهم، مُشبِّهاً، إن تونس تعيش سيناريو شبيهاً بما يعيشه لبنان، وبالتالي فإن سيناريو إفلاس الدولة أصبح حقيقة حتمية.
وتأتي التحذيرات في ظل أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وصحية غير مسبوقة، إذ يدعو الحزام البرلماني الداعم لحكومة هشام المشيشي، إلى تشكيل حكومة سياسية، فيما يتزايد الشرخ بين رئيسي الجمهورية والبرلمان، قيس سعيّد وراشد الغنوشي.
وتشير التقديرات إلى أن تونس مطالَبة بتسديد ديون تتجاوز قيمتها 11.500 مليون دينار هذه السنة (أكثر من 3 ملايين دولار)، في الوقت الذي تشير فيه أرقام المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لمؤسسة رئاسة الجمهورية، إلى أن حجم الديون الخارجية لتونس بلغ 8395.7 مليون دينار. (أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي).
وتعيش تونس جموداً سياسياً بسبب تعطيل تنفيذ التعديل الوزاري، منذ أشهر، إضافة إلى رفض رئيس البلاد التصديق على قانون يهدف إلى تثبيت أعضاء المحكمة الدستورية.
وضعية كارثية.. هل يتكرر السيناريو اللبناني في تونس؟
حذَّر وزير التكوين المهني والتشغيل التونسي الأسبق والخبير الاقتصادي، حسين الديماسي، من خطورة انزلاق تونس إلى وضعية اقتصادية كارثية، في ظل انهيار كل المؤشرات الاقتصادية.
وأوضح الديماسي في تصريح لـ"عربي بوست"، أنه "بعد أن سجَّل الاقتصاد التونسي نمواً سلبياً بنسبة 3% خلال الربع الأول من 2021، من المتوقع أن تبلغ النسبة 8% خلال الربع الثاني من هذه السنة، في ظل ضعف المؤشرات الاقتصادية، وتأثر الأنشطة الاقتصادية بتفشي فيروس كورونا".
وأشار إلى أن حقيقة الوضع الاقتصادي أكثر خطورة مما تشير إليه الأرقام، ذلك أن الإحصائيات التي يتم الاستناد إليها، لم تشمل الوضعية الكارثية للمؤسسات العمومية مثل الصناديق الاجتماعية، التي كانت قبل سنواتٍ مصدراً رئيسياً للعائدات بالنسبة للدولة.
فيما لم يخفِ الديماسي تخوُّفه من تكرار السيناريو اللبناني بتونس، في ظل غياب أي رغبة سياسية في الإصلاح وإنقاذ الاقتصاد التونسي، وتراجع تصنيف تونس الائتماني، وتضاعف الديون خلال السنوات الأخيرة.
من جهته يرى الخبير الاقتصادي، معز الجودي، أن "الوضع في تونس على المستوى الاقتصادي مشابه تماماً لما يعيشه لبنان من انهيار لقيمة العملة، وعدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، سواء كانت دولاً أو مؤسسات دولية، إضافة إلى تراجع الترقيم السيادي لتونس وفق ما أكدته وكالة فيتش، وعدد من وكالات التصنيف الائتماني الدولية".
وقال الجودي في تصريح لـ"عربي بوست": "نحن للأسف، لا نتجه إلى السيناريو اللبناني؛ بل نحن نعيش اليوم هذا السيناريو في مختلف تجلياته على المستوى الاقتصادي، وضعية البلدين على المستوى الاقتصادي متشابهة جداً، لكن ما يُحسب للبنان أن له حلفاء ودولاً تدعمه (مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة..)، لكن تونس قد لا تجد من يُقرضها خلال الفترة المقبلة، بسبب غياب الثقة بالأداء الاقتصادي للبلاد، وكذلك بقدرتها على الالتزام بتسديد ديونها الكبيرة".
من جهته لم يخفِ رئيس لجنة المالية في مجلس نواب الشعب، هيكل المكي، تخوُّفه من تكرار السيناريو اللبناني بتونس في ظل الوضعية الاقتصادية المُفزعة، وغياب أي استراتيجية حكومية لإجراء إصلاحات اقتصادية أصبحت مُلحَّة وضرورية.
وقال المكي في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "تونس تسير بخطىً ثابتة نحو الانهيار والإفلاس .. أخشى أن يكون السيناريو اللبناني أصبح واقعاً وأمراً متوقعاً جداً.
أزمة تونس.. التصنيف المتأخر
خفضت وكالة التصنيف "فيتش رايتينغ" التصنيف الائتماني الطويل المدى لمصادر العملة الأجنبية في تونس من "B" إلى "B" مع آفاق سلبية.
وأوضحت الوكالة، في تقريرها، أنَّ خفض التصنيف يعكس زيادة مخاطر السيولة المالية والخارجية، خاصة مع تأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج جديد، وهو أمرٌ ضروري للوصول إلى دعم الميزانية من معظم الدائنين الرسميين.
هيكل المكي، رئيس لجنة المالية في البرلمان التونسي، حذَّر من تأثير هذا التصنيف على سمعة تونس، إذ أوضح أن الدولة التونسية أصبحت عاجزة عن دفع ديونها، وستكون مجبرة على دخول نادي باريس، وهو ما يعني فقدان ثقة المانحين الدوليين.
وأوضح المكي أن تونس مطالَبة بتسديد ديونها المتفاقمة، والتي تمثل 45% من ميزانيتها، في الوقت الذي تراجعت فيه موارد البلاد إلى 34 مليار دينار.
السياسة أُم المشاكل؟
حمَّل الخبير الاقتصادي، معز الجودي، مسؤولية الأزمة الاقتصادية بتونس للحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة بعد الثورة، والتي تشترك في غياب رؤية اقتصادية واضحة وفي عدم إقرار إصلاحات ضرورية لمحاولة إنقاذ البلاد من العجز.
وقال المتحدث إن الوضع في تونس يتجه نحو الكارثة، فالبلاد أصبحت غير قادرة على سداد ديونها الكبيرة، وثقة المؤسسات المانحة بالدولة التونسية اهتزت كثيراً، وهو ما يُفسر الشروط المجحفة التي وضعها صندوق النقد الدولي لمنح تونس قرضاً جديداً.
من جهته يرى الوزير التونسي الأسبق حسين الديماسي أن الوضعية الكارثية المالية والاقتصادية في تونس ترجع إلى غياب الاستقرار الحكومي، وكذلك غياب استراتيجيات اقتصادية واضحة بعد الثورة.
وأضاف المتحدث أن "متوسط عمر الحكومة بعد الثورة لا يتجاوز خمسة أشهر، وهو الذي أثر سلبياً على التصورات والرؤى الاقتصادية خلال أكثر من عشر سنوات".
وتسأل الديماسي: "كيف يمكن أن تكون هناك رؤى، وبرامج اقتصادية، في ظل تغيير وزيري الاقتصاد والمالية كل 5 أشهر تقريباً؟!".
قانون الإنعاش.. هل يُنقذ الاقتصاد؟
صدَّق مجلس نواب الشعب، يوم 12 يوليو/تموز 2021، على مشروع قانون يتعلق بإنعاش الاقتصاد، والذي سيُمكن التونسيين من امتلاك عملة البيتكوين الرقمية، وفتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة أو الدينار القابل للتحويل، وكذلك الحصول على قروض سكنية بنسبة فائدة ضعيفة تُسدَّد على مدةٍ أقصاها 40 سنة.
كما سيوفر هذا القانون الإمكانات المالية اللازمة للشركات والمؤسسات المتضررة من جائحة كورونا.
لكن العديد من الخبراء وجهوا انتقادات لاذعة لهذا القانون الذي صِيغ لخدمة أطراف بعينها، وفق تقديرهم.
في هذا السياق حذَّر المحلل الاقتصادي، وليد بن صالح، من التبعات السلبية لقانون الإنعاش الاقتصادي، إذ أوضح أنه سيسهِّل عمليات تبييض الأموال بالعملة الصعبة.
ووصف المتحدث، في تصريح لـ"عربي بوست"، القانون الجديد بأنه "هدية من الحكومة إلى المتهربين والفاسدين"، مُحذراً من إمكانية تسبُّبه في عودة تونس إلى القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي.