تفاقمت أزمة كورونا في تونس بشكل ينذر بتكرار الكارثة التي عاشتها إيطاليا في الموجة الأولى لفيروس كورونا، في ظل استمرار صراعٍ سياسي استثنائي بين رئيس البلاد قيس سعيد من جهة، ورئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة ثانية.
ويُحذر عدد من الخبراء من خطورة الوضع الصحي بسبب انتشار كورونا في تونس، خاصة في ظل تسجيل ارتفاع عدد الإصابات بالسلالة الهندية من فيروس كورونا "دلتا"، وهي الأخطر والأكثر فتكاً، وفق المختصين.
وصنفت منظمة الصحة العالمية تونس في المرتبة الأولى عربياً وإفريقياً من حيث عدد ضحايا كورونا، بعد أن تجاوز عدد الإصابات أكثر من 14 ألفاً و600 وفاة منذ مارس/آذار 2020 وفق أرقام وزارة الصحة التونسية.
ويأتي ذلك في ظل استمرار الأزمة السياسية والصراع بين رئيسي الجمهورية والحكومة ورئيس البرلمان ورئيس الجمهورية من جهة أخرى، حيث رفع الرئيس قيس سعيد الفيتو ضد تعديل وزاري أقره البرلمان بداية هذا العام، وكذلك ضد القانون المعدل للمحكمة الدستورية الذي صادق عليه البرلمان للمرة الثانية.
وقد ساهمت هذه الأزمة وفق مراقبين في ضعف استجابة الدولة، وعدم قدرتها على مجابهة الأزمة الصحية التي تعيشها البلاد.
وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن إجراءات جديدة لمواجهة التصاعد الحالي في إصابات "كورونا" بما يشمل الاستعانة بقوات الجيش في عمليات التلقيح، فيما كشف وزير تونسي عن اتفاقيات لجلب 15 مليون جرعة من لقاحات الفيروس.
أزمة كورونا في تونس
أكد رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى عبدالرحمن مامي بمحافظة أريانة، الدكتور رفيق بوجدارية لـ"عربي بوست" أن "الأزمة السياسية والخلافات بين الرؤساء الثلاثة، خاصة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، ألقت بظلالها على الوضع الصحي الكارثي الذي تعيشه تونس".
وأوضح بوجدارية أن "هذه الخلافات تسببت في ضعف أجهزة الدولة، وجعلتها غير قادرة على الاستجابة للأزمة الصحية المتفاقمة"، مشيراً إلى أن "الشعب في وادٍ، والسياسيين وخلافاتهم في وادٍ آخر، وعلى السياسيين أن يعلموا أننا أمام لحظة فارقة وأزمة غير مسبوقة".
وانتقد الدكتور بوجدارية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً للاستجابة لارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا، مؤكداً أنها "غير قادرة على إنقاذ المصابين بالفيروس ولا منع انتشاره، وإجراءات الحجر الصحي الموجه التي نطبقها اليوم أثبتت فشلها، وعدم قدرتها على إيقاف تفشي الوباء وموت التونسيين".
وأشار المتحدث إلى أنه "لا حل سوى إقرار حجر صحي شامل لمدة لا تقل عن 6 أسابيع، وتكثيف الحملة الوطنية للتلقيح، والتنقل للأرياف والمناطق النائية لتوسيع دائرة التطعيم".
وكانت الحكومة قد أقرت جملة من الإجراءات للاستجابة لارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا ومن بينها منع الجولان، في جميع الولايات بداية من الثامنة ليلاً حتى الخامسة صباحاً.
ورغم أن اللجنة العلمية المكلفة بدراسة الوضع الصحي وتقديم مقترحات للحكومة قد اقترحت فرض حجر صحي شامل لمدة 6 أسابيع فإن الدكتورة نصاف بن علية، الناطقة الرسمية باسم وزارة الصحة، أكدت صعوبة تطبيق هذا الإجراء بسبب تداعياته الاقتصادية والاجتماعية.
انهيار الدولة
لم يخفِ الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، تخوفه من تأثير الخلافات والأزمة بين قيس سعيد وهشام المشيشي وراشد الغنوشي على الوضع الصحي الدقيق الذي تعيشه تونس، مؤكداً أن "استجابة الدولة شبه منعدمة في ظل تشتت أجهزتها، والصراعات بين الرؤساء الثلاثة".
وأضاف الشواشي في تصريح لـ"عربي بوست" أن "حالة الغضب والاحتقان منتشرة لدى فئة واسعة من الشعب التونسي بسبب حالة الخمول والجمود التي دخلت فيها الدولة وأجهزتها بسبب الخلافات السياسية".
وتابع الشواشي أن "الدولة أصبحت مُفككة وكل سلطة تتخذ قرارات بشكل منفرد ودون التنسيق مع الأجهزة الأخرى، والأخطر أن هناك خلافات حتى بين رئيس الحكومة، هشام المشيشي، ووزير الصحة، فوزي مهدي، وهي خلافات أصبحت واضحة ولا تخفى على أحد".
وأشار المتحدث إلى أن "الحكومة فاشلة، لكنها أيضاً عاجزة بسبب انعدام الثقة والتفاهم بين رئيسها وعدد من الوزراء وعلى رأسهم وزير الصحة المحسوب على رئيس الجمهورية، والذي أعلن المشيشي إقالته قبل أشهر، لكنه اضطر لإبقائه بسبب الفيتو الذي رفعه الرئيس ضد التعديل الوزاري".
أخطاء سياسية فظيعة
يؤكد المحلل السياسي علي القاسمي أن "الأزمة السياسية والخلاف بين الرئاسات الثلاث كانت سبباً في تفاقم الأزمة الصحية في تونس بسبب تشتيت الجهود، وعدم توحيد الموقف في التعاطي مع الجائحة ومساعي توفير التلقيح".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أنه "في تونس بسبب الأزمة السياسية تم تعيين أربعة وزراء صحة، وهو خطأ فظيع يربك أي عمل أو جهد في التعاطي مع الأزمة، بالإضافة إلى فشل الدولة في جلب جرعات اللقاح، وتوفير التمويلات اللازمة، وهو ما كان أيضاً بسبب الخلاف على مستوى السلطة التنفيذية، وهو ما أشار له العديد من شركاء تونس الاقتصاديين وحتى المؤسسات المانحة".
وتابع المتحدث أن "المواطن الآن لم يعد ملتزماً بتنفيذ أي قرارٍ صادرٍ عن الحكومة، أو اللجنة الوطنية لمجابهة الوباء، وهو يعتقد أنهم لا يهتمون بحياته ولا بقُوْته".
وأشار المتحدث إلى أن "الخلاف السياسي كان أحد أهم عناصر الإرباك في الحرب على فيروس كورونا في تونس، وسيكون السبب الرئيسي للانتكاسة الصحية المتفاقمة في حال لم يتم تجاوز الخلافات فوراً، والمضي نحو إنقاذ أرواح الناس".