لا يكاد يمر أسبوع في الأردن حتى تحدث قضية عامة، منها ما هو تلقائي ومنها ما هو مفبرك، والكثير منها سطحي، ربما يصبح جوهرياً حسب مستوى ردة الفعل الشعبية، وتتسبب تلك القضايا في حالة مجتمعية جدلية تؤدي إلى إشغال الرأي العام عن معاناته الحقيقية وصعوباته المعيشية بكل تفاصيلها.
القضايا العامة في الأردن كثيرة، ولسنا هنا بصدد مناقشتها وتحليلها والتركيز عليها، لأنها أخذت على أرض الواقع حيزاً كبيراً مستحقاً وغير مستحق من النقاشات والتحليل، ولكن ما نتحدث عنه في هذه المقالة هي الإضافات الإيجابية والسلبية التي تشكلها تلك القضايا لمن يهتم بمتابعتها، والتي تأخذ حيزاً من وقته، وكيف تأخذ المواطن البسيط بعيداً عن أولوياته ومشاكله الحقيقية.
في القضايا العامة التي تأخذ اتجاهاً وطنياً أو دينياً يتزايد حجم الاهتمام الشعبي بها تدريجياً مثل كرة الثلج حتى تبلغ ذروتها، وتؤدي إلى انقسامات شعبية عميقة وتطرف في ردود الفعل أو وجهات النظر، وهذه من أسوأ نتائج متابعة القضايا العامة، وهذه المهاترات تستهلك وقتاً طويلاً في محاولة إثبات الوطنية والانتماء، وكذلك نزع الوطنية والانتماء عن الطرف الآخر، ولا تأخذ بعين الاعتبار التنوع الفكري واحترام ثقافة الاختلاف وغيرها من المفاهيم التي لا تنزع الوطنية وتوزعها حسب الأهواء والمواقف.
من تناقضات متابعة الشأن العام المحلي شدةُ مديح البعض للعالم الغربي، ومستوى الحريات المتوفرة هناك، واحترام الأنظمة والقوانين والحريات الفردية وغيرها من ميزات أوروبا وأمريكا في عيون البعض، ولكن نفس هؤلاء الأشخاص تتعالى أصواتهم حتى تصل إلى حد المطالبة بسحب الجنسية ممن يختلف في وجهة نظره عندما يتعلق الأمر بقضية محلية!
على الجانب الآخر هنالك قضايا عامة بمستوى خلافي أقل من تلك التي تعلو فيها الأصوات، مطالِبةً بسحب جنسية مواطن! وهي قضايا تتميز بأنها تبقى مفتوحة ولا يؤثر فيها حجم الغضب الشعبي، ويتم تسخينها وإثارتها بين الحين والآخر، وتمتاز بأنها ترسخ قناعة المواطن بفساد بعض المسؤولين، وتلك القضايا غالباً ما يكون فيها رأي شعبي شبه موحد، وهي تؤكد ضعف دور المواطن أو حتى مجلس النواب في صناعة القرار، ومنها على سبيل المثال قضية استيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي.
ومما يلفت النظر في القضايا الجدلية الخلافية غيابُ الحكمة ولغة العقل وانحراف وجهات النظر (مع أو ضد)، وهنا تَبرز أهمية وجود حكماء في المجتمع، أو ما يسمى "قادة الرأي المؤثرون"، وهؤلاء فعلاً أصبحوا نادري الوجود مع فوضى الآراء في مواقع التواصل الاجتماعي!
في بعض الأحيان يحتاج الإنسان إلى أن يبعد نفسه عن مركز أي قضية خلافية، ويبحث عن أسباب وجود تلك القضية، وليس البحث في حيثيات القضية نفسها، لأن أسباب وجود تلك القضية قد تكون أهم من حيثيات القضية، فمن عدة زوايا قد يكون وجود القضية نفسها ملهاة لعامة الناس عن قضية أعمق وأهم، وهذا ما قد حدث فعلاً في الكثير من القضايا العامة التي شغلت الناس سابقاً.
أحد الجوانب المهمة في التعامل مع القضايا المجتمعية هي كيفية تفاعل المثقفين معها، ومع قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بمثابة منبر لمن لا منبر له، فقد وجد بعض المثقفين أنفسهم في مستنقع من التجاذب، الذي أفقد الكثير منهم مصداقيته أمام الرأي العام، وأصبح من المعتاد سقوط البعض منهم في كل قضية جديدة، وهذا أحد أسباب ندرة الشخصيات المؤثرة في الرأي العام، مقابل قوة فوضى وسائل التواصل الاجتماعي.
وسائل التواصل الاجتماعي كما أشرنا أصبحت مؤثراً حقيقياً في صناعة الرأي العام الأردني، ولذلك فإن بزوغ نجوم مؤثرين في تلك الوسائل في اتجاهات معارضة أدى إلى جذب الكثير من المتابعين والاهتمام، ليس بسبب جودة المحتوى بقدر ما هو بسبب ضعف وسائل الإعلام الرسمية؛ خصوصاً في كيفية تفاعلها مع قضايا الشأن العام، ومن خلال هذه الفجوة أصبح المواطن البسيط تائهاً أمام كثافة المعلومات المتوفرة في وسائل التواصل، بغض النظر عن مصداقيتها مقابل التحفظ المبالغ فيه للإعلام الرسمي.
في عالم السياسة هنالك الكثير من المتغيرات والقليل من الثوابت، والمواطن البسيط هو المستهدف غالباً في قضايا الرأي العام، وعندما ينجرف نحو حيثيات تلك القضايا فإنه يكون قد حقق أهداف عالم السياسة من حيث الابتعاد عن جوهر ما يعنيه في حياته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.