يواجه آلاف الأردنيين تهديدات بالسجن بسبب تراكم ديون تعثروا في سدادها، مع استمرار الأزمة الاقتصادية وتداعيات أزمة كورونا، بينما تشير الأرقام إلى أن عدد الأردنيين المتعثرين وصل إلى حوالي مليون شخص بمبالغ تصل إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الجمعة 25 يونيو/حزيران 2021.
إذ يجيز "قانون التنفيذ" السجن للمدينين المتعثرين، وصدر القانون في أبريل/نيسان 2007، وتنص المادة 22 من القانون على أنَّه يحق للدائن حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية تتناسب مع مقدرته المادية خلال مدة الإخطار، على ألّا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن 25% من المبلغ المحكوم به ويجب ألّا تتجاوز مدة الحبس 90 يوماً في السنة الواحدة عن دين واحد.
السجن يلاحق مليون أردني
تقول وكالة الأنباء الفرنسية: اضطر محمد صبحة إلى الاقتراض من أجل علاج ابنه وابنته المريضين، لكنه يخشى اليوم أن ينتهي به المطاف في السجن بسبب عدم قدرته على تسديد الديون المترتبة عليه في بلد يعاقب فيه عدم رد الدين، ولو كان ضئيلاً، بالحبس.
يقول الخبير الاقتصادي الأردني موسى الساكت لوكالة الأنباء الفرنسية: "هذا الموضوع يكاد يكون من أبرز القضايا الاجتماعية والاقتصادية في المملكة؛ حيث وصل عدد المتعثرين إلى أكثر من مليون شخص بمبالغ تتجاوز ملياري دينار أردني (حوالي ثلاثة مليارات دولار)".
يعاقب القانون على عدم سداد الديون بالحبس لمدة تصل إلى 90 يوماً لكل دين، وما يصل إلى عام واحد للشيك المرتجع.
يقول محمد (43 عاماً)، الذي سبق أن دخل السجن بسبب الديون، من شقته في حي الأشرفية الشعبي في وسط عمان: "أنا وزوجتي نعمل، ورغم ذلك نحن نستدين المال مجبرين من أجل علاج ابنتي وابني اللذين يحتاجان سنوياً إلى نحو خمسة آلاف دينار (حوالى سبعة آلاف دولار)".
بينما تعاني ابنته فتحية (17 عاماً) من مشكلة في تحريك يدها وساقها اليمنى بسبب نقص أكسجين في دماغها عند الولادة، في حين يعاني خضر (18 عاماً) من إصابة في العين بسبب حادث تعرض له عندما كان طفلاً.
إرجاء قرارات حبس المدينين
في بلد يحظى فيه فقط موظفو القطاع العام والمتقاعدون بالتأمين الصحي، يجد محمد، حداد الألمنيوم، نفسه مثقلاً بالديون. ولا يتجاوز مجموع ما يكسبه وزوجته 650 ديناراً أردنياً شهرياً (حوالى 930 دولاراً)، وهو مبلغ بالكاد يكفي لمصاريف المنزل.
يشير إلى أنه وزوجته "اقترضنا مبالغ تصل لحوالي 12 ألف دينار (حوالي 17 ألف دولار) من شركات اقتراض. ونتعرض لمضايقات من الدائنين الذين تقدموا بدعاوى إلى المحاكم. اليوم، نحن في مأزق".
قررت الحكومة في 29 مارس/آذار إرجاء تنفيذ قرارات حبس المدين حتى نهاية العام الحالي، شريطة ألا يتجاوز مجموع المبالغ المترتبة عليه مئة ألف دينار (141 ألف دولار)، وذلك "مراعاة للظروف المالية والاقتصادية الناجمة عن الوباء".
يقول محمد: "إذا قررت الحكومة مطلع العام المقبل استئناف تنفيذ قرارات حبس المدين، سأكون أنا وزوجتي أول من يدخل السجن، ويصبح أولادي بلا معيل".
"السجن لا يفيد"
يرى محمد أن على الحكومة إعادة النظر بقانون حبس المدين، "فالسجن لا يفيد الدائن ولا المدين". ويتساءل: "ما الذي يفيد الدائن إذا وضعوني في السجن؟ وماذا سيحل بولدي المريضين ومن سيعتني بهما؟ من أين يأكلان ويشربان؟".
بينما قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المدافعة عن حقوق الإنسان في تقرير صدر في 16 مارس/آذار الماضي عن الموضوع: "أكثر من ربع مليون أردني يواجهون حالياً شكاوى لعدم سداد ديونهم".
أضافت: "وفقا للإحصاءات الحكومية، زاد عدد الأفراد المطلوبين بسبب عدم تسديد ديونهم عشرة أضعاف في أربع سنين فقط، من 4352 في 2015 إلى 43624 في 2019″، مشيرة الى أن 2630 شخصاً سُجنوا في 2019 بسبب عدم سداد ديون أو شيكات مرتجعة باسمهم. ويشكّل هؤلاء حوالي 16% من نزلاء السجون في الأردن.
قالت الباحثة في المنظمة سارة الكيالي: "بموجب القانون الأردني، إذا حصلت على قرض ولم تسدده، ستُسجَن. كثيراً ما يقترض الأفراد لدفع الإيجار وثمن البقالة والفواتير الطبية. لكن بدلاً من أن تساعد السلطات المحتاجين، تسجنهم".
كتبت المنظمة: "في غياب شبكة ضمان اجتماعي مناسبة، يجد عشرات الآلاف من الأردنيين أنفسهم مجبرين على الاقتراض لتغطية تكاليف الخدمات والبقالة والرسوم المدرسية والفواتير الطبية".
أشارت المنظمة إلى أن معظم الدول ألغت عقوبة السجن بسبب الديون، داعية الحكومة والبرلمان في الأردن إلى التفتيش عن "بدائل" للسجن.
كورونا فاقم أزمة الأردنيين
مع انتشار فيروس كورونا في الأردن، لم يكن تبقى لبائع العطور ومواد التجميل مجدي محمد سوى مبلغ 247 ديناراً (350 دولاراً) لتسديده من أصل دين كانت قيمته ستة آلاف دينار (حوالي 8500 دولار) اقترضه عام 2018 من شركة لتمويل المشاريع الصغيرة. لكنه لم يتمكن من دفع المبلغ، ويواجه بدوره خطر دخول السجن.
يقول مجدي (53 عاماً) الذي يوزع بسيارته العطور ومواد التجميل على محلات عمَّان منذ العام 1990: "توقف عملي في مارس/آذار 2020، إذ بدأ الناس يهتمون بتوفير الطعام أكثر من اهتمامهم بالعطور ومواد التجميل".
يضيف: "لم أتمكن من تسديد بقية المبلغ فرفعوا علي قضية في المحاكم، وأنتظر صدور الحكم في أي لحظة".
أما أمجد العسلي فبعد أن كان يملك محلاً لبيع الملابس الرجالية لمدة 18 عاماً، وجد نفسه مجبراً على الانتقال إلى بيع الملابس المستعملة على حافة الرصيف؛ بسبب الديون التي تراكمت عليه والتي دخل بسببها السجن ثلاث مرات.
يقول العسلي (48 عاماً)، وهو أب لأربعة أطفال: "أنا أعيش حالة من الرعب، ولا أعلم ما الذي سيحصل، فلا زالت على عاتقي ديون لم أتمكن من تسديدها، ووضعنا الاقتصادي صعب جداً في ظل كورونا".
إزاء هذا الوضع المأساوي، أسست مجموعة من الأشخاص بينهم محامون وتجار وأطباء، لجنة تدافع عن المتعثرين مالياً.