منذ أن أقدم رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، على اعتقال قائد عمليات الحشد الشعبي في محافظة الأنبار، قاسم مصلح، والصراع بينه وبين الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران مستمر حتى وصل إلى ذروته.
وبعد خبر اعتقال القائد البارز، بتهم تتعلق بالقتل والإرهاب والفساد والتهريب، سيطر مقاتلو الفصائل المسلحة على المنطقة الخضراء المحصنة، والتي تضم جميع المؤسسات الحكومية، والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، ومكتب الكاظمي أيضاً.
سياسي شيعي بارز ومقرب من الفصائل المسلحة في العراق كشف لـ"عربي بوست"، أنها "ليست المرة الأولى، بل سبق أن حاصر مقاتلو الفصائل المنطقة الخضراء، ولكن هذه المرَّة كان الحصار أقوى وأكبر بكثير، حتى إنهم وصلوا إلى مقر إقامة الكاظمي، لأن مصلح مهمٌّ لهم، وهو قائد كبير في الحشد الشعبي، ومقرب من إيران، لذلك سيكون الانتقام له كبيراً".
الكاظمي والفصائل.. مواجهات لا تنتهي
لم يكن قادة الفصائل المسلحة المقربة من إيران، يتوقعون أن يتخذ رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، هذه الخطوة الكبيرة باعتقال قائد كبير للحشد الشعبي، لكن بعد اعتقاله قاسم مصلح، بدأت الفصائل في التفكير فيما هو قادم، وكيف ستتم معاقبة رئيس الوزراء على هذا الخطأ من وجهة نظرهم.
يقول قائد شبه عسكري، في فصيل شيعي مسلح مقرب من إيران، لـ"عربي بوست": "كان خطأ منا منذ البداية، لم يكن من المقبول أن نسمح للكاظمي المتورط في قتل سليماني والمهندس، بأن يتولى رئاسة الوزراء في العراق".
وأضاف المتحدث أنه "منذ اليوم الأول لتنصيب مصطفى الكاظمي رئيساً لحكومة العراق، اتهمته الفصائل المسلحة المقربة من إيران، بتورطه في اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ورفيقه العراقي نائب وحدات الحشد الشعبي، أبومهدي المهندس، بطائرة بدون طيار أمريكية، بالقرب من مطار بغداد الدولي في يناير/كانون الثاني عام 2020، حينها كان الكاظمي رئيساً لجهاز المخابرات العراقي، وما زال يشغل المنصب إلى الآن بجانب كونه رئيس الوزراء".
وكشف المتحدث أنه "تعالت الأصوات داخل الفصائل مطالبةً بمحاسبة الكاظمي بعد اعتقال قاسم مصلح، حتى إن البعض اقترح اعتقاله؛ لتهديده أمن واستقرار العراق".
هجوم مضاد ضد الفصائل المسلحة
وعلى ما يبدو كانت الحكومة العراقية في المقابل تبحث أمراً مشابهاً لما قاله القائد شبه العسكري، من خلال الدخول في مواجهة مسلحة مع الفصائل المسلحة الشيعية.
يقول مصدر أمني عراقي مقرب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لـ"عربي بوست"، إنه "بعد محاصرة الفصائل للمنطقة الخضراء، واستعراض قوتهم في الشوارع، اقترح بعض المسؤولين على الكاظمي أمر مواجهةٍ قويةٍ وشاملةٍ ضد الفصائل المسلحة".
وبحسب المصدر ذاته، فإن "محاصرة الفصائل لمقر رئيس الوزراء، وتهديدهم باقتحام مكان اعتقال قاسم مصلح وتحريره بالقوة، كانا بمثابة لطمة كبيرة لهيبة الحكومة".
وأشار المتحدث إلى أن "أمر المواجهة مطروح بشدة، لكن في الساعات الأخيرة، قرر الكاظمي عدم خوض هذه المعركة".
وعن أسباب رفض الكاظمي مواجهة الفصائل المسلحة، يقول أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي لـ"عربي بوست"، إنه "كانت ستكون معركة مكلفة، وكانت ستدفع البلاد إلى حافة الانهيار، من البداية كان اعتقال مصلح بهذه الطريقة أمراً يبدو خاطئاً، وإلى حدٍّ ما كان يجب التريث قليلاً".
هل انتهى الكاظمي؟
ووفقاً لعدد من السياسيين الشيعة المقربين من إيران، والذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، يبدو أن الفصائل المسلحة الشيعية عقدت العزم على إخراج الكاظمي من المشهد السياسي العراقي.
يقول سياسي شيعي بارز مقرب من الفصائل المسلحة الموالية لإيران، لـ"عربي بوست"، إن "الكاظمي وقع في فخٍ كبيرٍ باعتقال مصلح، والأمور لن تهدأ إلا بإخراجه من السلطة، على أقل تقدير، فالقادة الشيعة مصممون على الانتقام لما وصفوه بانتهاك هيبة الحشد الشعبي، وإهدار تضحياته في قتاله مع داعش".
ولم يكن اعتقال قاسم مصلح، رئيس عمليات الحشد الشعبي في محافظة الأنبار، أولى حلقات الصراع المتجدد بين الفصائل المسلحة الشيعية، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ففي العام الماضي، أمر الكاظمي باعتقال عناصر من كتائب حزب الله، الفصيل الشيعي المسلح القوي، والمدعوم من إيران، بسبب تورطهم في استهداف القوات الأمريكية بالعراق.
وبعد اعتقالهم، خرج مقاتلو الفصائل المسلحة لاستعراض قوتهم في شوارع العاصمة العراقية بغداد، وقاموا بمحاصرة المنطقة الخضراء، ودهسوا صور الكاظمي بأقدامهم، مهددين باقتحام جهاز مكافحة الإرهاب، إذا لم يتم الإفراج عن عناصرهم المعتقلين، وفي النهاية تم الإفراج عنهم وعن قاسم مصلح، الذي بحسب قائد شبه عسكري في أحد الفصائل قال لـ"عربي بوست"، في وقت سابق، إن "زمن اعتقاله لم يتعدَّ بضع ساعات، وتم تسليمه إلى أمن وحدات الحشد الشعبي".
يقول السياسي الشيعي، المقرب من إيران، لـ"عربي بوست": "هذه المرة كانت أول مرة يتم فيها اعتقال الحكومة قائداً ذا منصب رفيع داخل الحشد الشعبي، لذلك هناك إصرار من أنصاره على عدم ترشيح الكاظمي مرة أخرى بعد الانتخابات البرلمانية القادمة لرئاسة الوزراء".
وبحسب المصدر ذاته، فإن مصطفى الكاظمي، الذي تولى منصبه في مايو/أيار 2020، بعد انتفاضة شعبية كبيرة في أواخر عام 2019، جاء بعد توافقِ القوى السياسية الشيعية، وبالتحديد تحالف فتح البرلماني بقيادة هادي العامري المقرب من إيران.
وفي سياق متصل، تحدث مصدر مقرب من هادي العامري لـ"عربي بوست"، قائلاً إن "احتمالية ترشيح الكاظمي لرئاسة الحكومة أمر مستبعد إلى الآن، ولن تُوافق الفصائل المسلحة على وجوده في السلطة مرة أخرى، ولا يوجد أمل للتوفيق بينهم وبين الكاظمي، بعد اعتقال مصلح".
الفصائل الشيعية و"لعبة" الانتخابات
بعد تصاعد الصراع بين الفصائل المسلحة ورئيس الوزراء تزداد رغبة الفصائل المقربة من إيران، في اكتساح الانتخابات البرلمانية القادمة؛ لإطاحة بالكاظمي من المشهد السياسي، والإتيان برئيس للوزراء من أنصارهم.
ومن المقرر أن يتم إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وكان هذا الأمر أحد مطالب المتظاهرين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، وقد جاء مصطفى الكاظمي بناءً على وعوده بتنفيذ هذا الأمر.
وتعمل الأحزاب السياسية الشيعية، والفصائل المسلحة الشيعية على تعزيز نفوذهم في جميع أنحاء العراق، خاصةً أنه لم يتبقَّ على موعد الانتخابات سوى أشهرٍ قليلةٍ، ولكنهم في الآونة الأخيرة ضاعفوا العمل على كسب النفوذ بالمحافظات العراقية المحرَّرة بعد اجتياح تنظيم "الدولة الإسلامية" لها في عام 2014، وتكون هذه المحافظات ذات أغلبية سنية.
يقول مصدر استخباراتي عراقي لـ"عربي بوست"، إن "فالح الفياض، رئيس وحدات الحشد الشعبي العراقي والمقرب من إيران، يتحرك في أربع محافظات محررة وهي: الأنبار، نينوى، ديإلى، وصلاح الدين، لعقد التحالفات مع المرشحين السُّنة، أو كسب الدعم السني لمرشحين شيعة موالين للفصائل المسلحة".
وفقاً لعدد من السياسيين الشيعة المقربين من الفصائل المسلحة، والذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن "الفياض وعدداً من القادة شبه العسكريين يقومون الآن بعقد تحالفات مع العشائر السنية في محافظتي صلاح الدين ونينوى، ذواتي الأغلبية السنية، لدعمهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مقابل تقديم العديد من الإغراءات بالحصول على مناصب في الحكومة القادمة، أو حتى إغراءاتٍ مادية".
وبحسب السياسي الشيعي المقرب من إيران، فإن هناك العديد من السياسيين السُّنة في هذه المحافظات، وافقوا على التحالف مع الفصائل المسلحة الشيعية، لدعم الأخيرة لهم في الانتخابات المقبلة.
وكشف مصدر لـ"عربي بوست"، أنه "تمت تحالفات وثيقة بين سياسيين سُنة في المحافظات المحررة، والأحزاب الشيعية وإيران التي قدمت لهم الدعم المالي الكبير، وأمّنت لهم مناصب سياسية هامة، خاصة في الفترة الأخيرة".
يقول قائد شبه عسكري في فصيل مسلح تابع لرجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، لـ"عربي بوست"، إن "هناك توافقاً كبيراً بين السياسيين السُّنة والأحزاب الشيعية في محافظات صلاح الدين وديالى ونينوى، كما أن لدينا قاعدة شعبية في الأنبار، فأبناء الشعب قدموا حياتهم لحماية أهالي المحافظة من داعش، وإن شاء الله سيقومون بدعم من ضحى في سبيل كرامتهم".
ولا تملك الفصائل والأحزاب الشيعية قاعدة دعمٍ جماهيريةٍ كبيرة في المحافظات السُّنية التي تم تحريرها من تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكنهم يسعون بشتى الطرق لإيجاد عملاء لهم في هذه المناطق لكسب مزيد من النفوذ، مقابل تقاسم السلطة.
في الوقت نفسه، تواجه الفصائل والأحزاب الشيعية بمحافظة الأنبار مقاومة كبيرة، بسبب سيطرة تحالف محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي، والمدعوم من الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية.