أقدمت السعودية على خطوة جديدة لكسر حدة خلافها مع باكستان، والتي شهدت توتراً كبيراً خلال العام الماضي على وقع موقف المملكة من أزمة كشمير، والتقارب الذي أظهرته إسلام أباد مع كل من أنقرة وطهران، فيما قال محللون إن الخطوة السعودية تهدف لحشد الدعم في مواجهة النفوذ الإيراني في ظل الحديث عن عودة قريبة للاتفاق النووي ورفع للعقوبات عن طهران.
صحيفة The Financial Times البريطانية كشفت، الإثنين 21 يونيو/حزيران 2021، نقلاً عن مسؤولين في الحكومة الباكستانية، أن السعودية وافقت على استئناف تقديم الإمدادات النفطية لباكستان في يوليو/تموز المقبل، بما قيمته 1.5 مليار دولار على الأقل سنوياً.
كانت الرياض طالبت باكستان بسداد قرض قيمته 3 مليارات دولار العام الماضي بعد أن ضغطت إسلام أباد على السعودية لكي تدعمها في التصدي لقرار الهند بإلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير المتنازع عليه، وهو ما فاقم حدة الخلاف بين الطرفين.
كانت باكستان اقتربت بدرجة أكبر من الخصمين الإقلميين للسعودية، إيران وتركيا، اللتين سعتا، ومعهما ماليزيا، إلى إنشاء كتلة إسلامية منافسة لـ"منظمة التعاون الإسلامي" التي تقودها السعودية.
وطوَّر عمران خان علاقةً قوية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحثَّ الباكستانيين على مشاهدة المسلسل التلفزيوني التاريخي "قيامة أرطغرل" لمحاكاته القيم الإسلامية.
علي الشهابي، وهو معلق سياسي مطلع على تفكير القيادة السعودية، قال إن نوعاً من "مشاعر العداء" كان قد تراكم بين الرياض وإسلام أباد، لكن الاجتماعات الثنائية الأخيرة قد "طهرت الأجواء" وأعادت ضبط العلاقات إلى حدِّ أن الدعم التأميني للنفط سيُستأنف قريباً.
عودة العلاقات
فيما قال مسؤول حكومي باكستاني رفيع المنصب: "لقد تعافت علاقاتنا مع السعودية من حالة (الانكماش) التي كانت عليها في وقت سابق. وسيأتي دعم السعودية من خلال مدفوعات مؤجلة (على النفط)، كما يتطلع السعوديون إلى استئناف خططهم الاستثمارية في باكستان".
من الجدير بالذكر أن العرض السعودي الأخير يشكِّل أقل من نصف التسهيل الائتماني السابق للحصول على النفط، البالغ 3.4 مليار دولار، والذي جُمِّد عندما توترت العلاقات.
ومع ذلك، فإن فهد رؤوف، رئيس قسم بحوث الأسهم في شركة إسماعيل إقبال للأوراق المالية في كراتشي، يقول: "إن أي مبلغ من الدولارات يساعدنا لأننا ما زلنا نواجه مراراً وتكراراً أزمة في الحساب الجاري. وبهذه الأسعار التي تزيد على 70 دولاراً لبرميل النفط، فإن أي شيء يُقدَّم، يشكِّل مساعدة لنا".
كانت الاحتياطات الأجنبية لباكستان قد بلغت أكثر من 16 مليار دولار في يونيو/حزيران، مقارنة بنحو 7 مليارات دولار في عام 2019، قبل أن تدخل في أحد برامج القروض الخاصة بصندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دولار.
المعركة على تصدير النفط
ويقول روبن ميلز، من شركة Qamar للاستشارات في مجال الطاقة، إن "السعودية وباكستان حليفتان، لكن علاقتهما لطالما كانت متوترة.
ومع ذلك، قال ميلز إن توقيت البادرة السعودية "مثير للاهتمام"، لا سيما أن إيران كانت تستعد لزيادة صادرات النفط مع الولايات المتحدة التي تدرس تخفيف العقوبات.
وأضاف ميلز: "السعودية في مهمة لإعادة بناء الجسور عموماً. لقد سعوا إلى إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، وهناك أيضاً استئناف للعلاقات مع قطر".
من جانبه، قال أحمد رشيد، وهو صحفي ومؤلف باكستاني له عدة مؤلفات عن أفغانستان وباكستان وطالبان، إن هناك مجموعة متنوعة من العوامل التي ربما دفعت الرياض لإعادة الإمدادات النفطية.
وأشار إلى أن ذلك قد يكون "له ارتباط جزئي بالحاجة الأمريكية إلى قواعد عسكرية" لشن هجمات ضد المجموعات التي تعتبرها إرهابية في أفغانستان، انطلاقاً من باكستان المجاورة، لكنه أضاف أن الأولوية ربما تكون منع إسلام أباد من الوقوع تحت نفوذ طهران.
خلاف السعودية وباكستان
كان التوتر في علاقات المملكة وإسلام آباد قد بدأ على خلفية الخلاف بين إسلام آباد والهند حول إقليم كشمير، فقد تجاهلت السعودية مراراً دعوات رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للتحرك رداً على قرار حكومة نيودلهي المفاجئ إلغاء الوضع الخاص لشطر إقليم كشمير الخاضع للإدارة الهندية في أغسطس/آب 2019.
عدم تحرك السعودية أجبر خان على حشد الدعم من الدول الإسلامية الأخرى، بما في ذلك تركيا وماليزيا، حيث قال محللون إنَّ امتناع السعودية عن التحرك في ملف كشمير، وكذلك عرقلتها محاولات إقناع منظمة التعاون الإسلامي ومقرها مكة بالتعليق على القضية، يرجع جزئياً إلى خوف الرياض من إغضاب الهند، أحد شركاء التجارة المهمين للمملكة.
إسلام آباد كانت قد هددت وأرسلت إنذاراً لمنظمة التعاون الإسلامي للدعوة إلى اجتماع وزاري بشأن كشمير وإلا ستعقد حكومتها اجتماعها الخاص للدول الإسلامية.
وبدأ النزاع على إقليم كشمير بين الهند وباكستان منذ نيلهما الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، ونشبت 3 حروب بينهما، في 1948 و1965 و1971، أسفرت عن مقتل قرابة 70 ألف شخص من الطرفين.
تُطلق إسلام آباد على الجزء الخاضع لسيطرتها من الإقليم "آزاد كشمير"، فيما تطلق نيودلهي على الشطر الذي تسيطر عليه من الإقليم "جامو وكشمير".