لم تخلُ حملة الانتخابات النيابية بالجزائر، المقررة في 12 يونيو/حزيران 2021، من الغضب والسخرية، بسبب تصدُّر مرشحات بلا وجوه، و"حسناوات"، واجهة الملصقات الانتخابية، ما أثار موجة من ردود الأفعال على شبكات التواصل الاجتماعي.
كان 28 حزباً سياسياً وقوائم حرة قد شرعت، في 20 مايو/أيار الماضي، في خوض الحملة الانتخابية، على أن تنتهي قبل موعد الاقتراع بثلاثة أيام، ويتنافس المرشحون في 58 ولاية على 407 مقاعد في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان).
يتوزع المرشحون على 1483 قائمة انتخابية، بينها 646 تمثل 28 حزباً سياسياً، و837 مستقلة، وفق سلطة الانتخابات.
"فراولة وحسناوات"
رافق الدعاية الانتخابية موجة غضب بعد تداول تصريحات غريبة، وتزيين ملصقات قوائم انتخابية حزبية ومستقلة بصور نساء حسناوات تصدرن واجهتها، في محاولة لاستمالة الناخبين.
وفي 25 مايو/أيار الماضي، أثار عيسى بلهادي رئيس حزب "جبهة الحكم الراشد" حفيظة ناشطين اعتبروا تصريحاته إهانة للمرأة، حينما قال في تصريح وصف فيه مرشحات حزبه بـ"الفراولة المنتقاة".
بلهادي قال خلال تجمع شعبي بالعاصمة الجزائر: "بالنسبة لحسناوات قائمتنا أحضرنا لكم الفراولة المختارة، وبينهن الطبيبة والمهندسة والمديرة".
خلفت هذه التصريحات موجة غضب وسخرية في الشارع، تجلت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالب لمرشحات هذا الحزب بالانسحاب، رداً على ما وصف بـ"تصريحات مهينة لهن".
في اليوم التالي، أعلن السياسي الجزائري عبر "فيسبوك" استعداده للاعتذار إذا كان ما صرح به عن مرشحات حزبه "يحمل إهانة للجزائريات"، وقال: "تصريحنا كان واضحاً ولا لبس فيه، ولا يخدش حياء المرأة الجزائرية (…) فهي الأم والأخت والبنت والزوجة والجدة والعمة والخالة".
من جانبها، علّقت المرشحة في الانتخابات عن الحزب، أسرار ستي، على تصريح بلهادي، قائلةً: "المرأة الجزائرية أصيلة أصالة الجزائر"، وأضافت في منشور عبر فيسبوك: "المرأة نصف المجتمع، ومن الضروري تغيير الصور النمطية حولها وتجنب التمسك بالتوصيف والشكليات، لا أقبل توصيفنا كمترشحات بالحسناوات على حساب الحكم على برامجنا وأفكارنا".
بدورها، انتقدت البرلمانية السابقة أميرة سليم تصريح "الحسناوات والفراولة"، معتبرة أنه "أمر مؤسف إذا وصلنا لتشبيه المرأة بالفراولة، إنها إهانة"، وأردفت في تصريح لقناة "الشروق نيوز" (خاصة): "لو كنت ضمن حزبه لقدمت استقالتي، لأنها إساءة للجزائريات".
كذلك أعلن محمد شرفي، رئيس السلطة العليا للانتخابات، بمؤتمر صحفي في 27 مايو/أيار الماضي، أن هيئته مستعدة للتحرك ضد هذه التصريحات، في حال تلقت احتجاجاً من إحدى المرشحات.
مرشحات دون صور
كانت بعض القوائم أغلبها لمستقلين قد أثارت أيضاً جدلاً بالبلاد، إذ شهدت إخفاء وجوه مرشحات في ملصقات الدعاية الانتخابية المعروضة في الأماكن العامة، وعبر منصات التواصل الاجتماعي.
فمع بداية الحملة الدعائية أعلنت السلطة العليا للانتخابات أنها نزولاً على طلب ممثلين عن الأحزاب والقوائم المستقلة، ستجيز إخفاء وجوه مترشحات بالملصقات الدعائية، وحتى في أوراق التصويت دون ذكر سبب هذا الطلب.
من بين ملصقات القوائم المستقلة، التي تخفي فيها مرشحات وجوههن، قائمة "الغد المشرق" بمحافظة المنيعة (جنوب)، وعلى الملصق 6 مرشحين، بينهم امرأتان بلا صور (لحباكي فاطمة الزهراء وبلمهربت كريمة).
كما لم يتضمن ملصق قائمة "البديل" بمحافظة برج بوعريريج (شرقي العاصمة)، صور مترشحين اثنين رجل وامرأة.
برر الخثير عدالة، المترشح في قائمة "البديل"، إخفاء بعض المرشحات وجوههن بأن "الأمر مرتبط بإكمال الملف الإداري فقط ومراعاة شروط الترشح"، واعتبر في تصريح لوكالة الأناضول "أن وجودهن في القائمة شكلي من أجل إتمام عدد المرشحين المطلوب في القائمة".
كذلك اعتبر عدالة أن "من حجبت صورتها لا نشاط لها في الميدان، ولا يهمها النجاح في الانتخابات".
من جهته، ربط الهادي سعدي، المختص في علم الاجتماع، ظهور مترشحات بلا صور في ملصقات الدعاية الانتخابية بالحراك الشعبي والوضع في البلاد، وقال إن "الوضع السياسي والاجتماعي يشهد حالة احتقان، أدت إلى عدم اقتناع البعض بالترشح للبرلمان".
أضاف سعدي في تصريح للأناضول أن "مطالب الحراك دفعت بالبعض أيضاً إلى تفضيل عدم الظهور، سواء خجلاً أو خوفاً، حسب بعضهم أصبحت الانتخابات دون جدوى، وأصبح الفرد يخجل من إظهار ترشحه أمام أبناء مجتمعه".
كما ذكر سعدي أن "أصحاب قوائم انتخابية لم يجدوا مترشحين، لذلك عملوا على إقناع أسماء غير معروفة بالترشح مقابل وعود معينة"، دون توضيح، واستدرك: "كأن هناك مجرد ملء للقوائم فقط لإعطاء صورة تبدو صادقة بأن هناك قائمة حرة ونزيهة".
غضب وسخرية بالمنصات الاجتماعية
وعبر "فيسبوك" تفاعل جزائريون حول "الحسناوات" والمرشحات بلا صور، وقالت الصحفية نرجس كرميش: "من تطمح لدخول البرلمان فهي ملزمة بالظهور في جلساته المنقولة تلفزيونياً ومخاطبة الشعب والحكومة".
تساءلت كرميش: "كيف تريد فعل كل هذا دون وجه؟ غير منطقي أن نجد مترشحات يحجبن صورهن"، مضيفةً: "ما العيب في أن يعرف الناس من تكون وهي أصلاً مقبلة على أن تصبح شخصية عامة".
من جانبه، كتب الناشط عمار تويسات: "أريد أن أسألكم، لماذا لا تضع النساء المترشحات صورهن، هل حتى لا نعرفهن؟"، وتساءل قائلاً: "لو فُزن في الانتخابات هل سيستقبلن الشعب وسيظهرن في الإعلام أم لا؟".
كذلك علقت الصحفية فريدة حمدي وقالت: "بخصوص الحسناوات، لو كنت مكانكن لانسحبت وتركت الحزب"، فيما قال الناشط سليم يحيى ساخراً: "قالت زوجتي لا تنسَ، أحضِر معك الفراولة"، وأضاف: "قلت أي فراولة، لأن هناك أنواعاً كثيرة من الفراولة عند الحكم الراشد (حزب)".
يُشار إلى أن هذا الاستحقاق سيشهد قواعد جديدة بعد تعديل قانون الانتخاب، حيث يُمنع كل من سبق ومارس عهدتين برلمانيتين من الترشح، كما تم إقرار نمط انتخابي يعتمد على القائمة المفتوحة، التي تسمح للناخب بترتيب المترشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته.