أعلن تاجر الأعمال الفنية السويسري وقطب الأسواق الحرة، إيف بوفييه، أنه يعدُّ دعوى قضائية ضد الملياردير الروسي ديمتري ريبولوفليف، وذلك على خلفية الأضرار التي لحقت به، والتي قال إن قيمتها بلغت مليار دولار، مشيراً إلى اتخاذه إجراءات قانونية بهذا الصدد في سنغافورة خلال فبراير/شباط الماضي.
بوفييه أكد أن معركة قضائية طويلة الأمد مع ريبولوفليف دمرت أعماله وسمعته، وذلك طبقاً لما أوردته شبكة CNN الأمريكية، الأحد 30 مايو/أيار 2021.
هذا النزاع القضائي وُصف بأنه أكبر نزاع يشهده عالم الفن على الإطلاق، حيث يدَّعي ريبولوفليف أنه تعرض للخداع والاحتيال لشراء تحف فنية، على مدار عقد من الزمان، تمثلت في 38 عملاً فنياً باهظ الثمن، في المقابل يقول بوفييه إن الأمر لا يتخطى كونه مجرد صفقة تجارية.
يشار إلى أن هذا النزاع القضائي الذي استمر أكثر من ست سنوات من الدعاوى القضائية في ولايات قضائية متعددة بجميع أنحاء العالم، يبدو أن الطاولات تنقلب فيه مرة أخرى في ملحمة مثيرة للغاية لدرجة أنها أُعطيت اسماً يليق بفيلم سينمائي: "قضية بوفييه"، وفقاً للشبكة الأمريكية.
شملت تلك القضايا حتى الآن جيشاً من المحامين ومديري السمعة العاملين لدى كلا الجانبين، مع رفع كل طرفٍ ادعاء ضد الآخر، تتضمن مزاعم الترهيب والمكائد السياسية.
فيما تضمنت القضية المتشابكة أيضاً بعض أكثر القطع الفنية التي لا تقدَّر بثمن وإثارة للجدل، وضمن ذلك عملية شراء في عام 2013 لما تعد الآن أغلى لوحة في العالم وأكثرها غموضاً: لوحة المسيح المُخلّص (سالفاتور موندي) للرسام ليوناردو دافنشي، على الرغم من سنوات من الجدل حول أصالتها، وهي عملية البيع التي حققت لبوفييه هامش ربح يزيد على 50%.
جدل ولي العهد السعودي
كانت هذه اللوحة أثارت جدلاً بعد مزاعم بأن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ربما يكون مشتريها الذي لم يعلن عنه.
يُذكر أن "سالفاتور موندي"، اللوحة التي لطالما اعتقد البعض أنها نسخة مقلدة أو عمل من إنتاج أستوديو ليوناردو الذي ضم عدة فنانين آخرين، باعها مجموعة من تجار الأعمال الفنية في عام 2005 بأقل من 10 آلاف دولار.
إلا أنه بعد ثماني سنوات، بعد ترميم اللوحة وإعلان أنها رُسمت على يد أعظم فناني عصر النهضة، اشتراها بوفييه مقابل 80 مليون دولار بعد أن حصل على المساعدة من لاعب بوكر لتقليل السعر. ثم باعها بسرعة مقابل 127.5 مليون دولار لعميله آنذاك، ريبولوفليف، وفقاً لفاتورة مشار إليها في أوراق المحكمة، وأخذ عمولة بنسبة 1%.
بينما باع ريبولوفليف اللوحة في وقت لاحق بالمزاد، الذي استمر نحو 20 دقيقة عبر الهاتف، مقابل 450 مليون دولار في عام 2017، إلى مشترٍ سري يُعتقد الآن على نطاق واسع أنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يزعم مع ذلك أن بوفييه احتال عليه، وهو ادعاء ينفيه بوفييه.
الأغلى في التاريخ
تعدّ لوحة "المسيح المخلّص" الأغلى في التاريخ بعد بيعها في مزاد بدار كريستيز.
في حين رفض ريبولوفليف إجراء مقابلة بشأن هذه القصة، لكن المتحدث باسم كيانات عائلة ديمتري ريبولوفليف قال لشبكة CNN: "هذه الأمور تجري مناقشتها في المحاكم، حيث نتوقع إثبات ما حدث وأن قصة بوفييه الخيالية خاطئة. في الوقت الحالي، ما هو أكثر أهمية هو ما لا يمكن لبوفييه الجدال فيه: كمستشار فني، تظاهر بمساعدة عملائه في تجميع مجموعة فنية بتكلفة 2 مليار دولار بينما كان يحصد سراً نصف هذا الثمن لنفسه".
مع ذلك، يعارض بوفييه أنه كان في أي وقت مضى "مستشاراً فنياً"، وهي مسألة كانت في قلب الدعوى القضائية ومزاعم ريبولوفليف بانتهاك الثقة.
إذ قال لشبكة CNN الأمريكية: "أنا تاجر أعمال فنية. العقود التي أعدها محامو ريبولوفليف وجميع فواتيري وصفتني صراحةً بأنني البائع"، مضيفاً: "لم ينجح ريبولوفليف أبداً في إقناع قاضٍ أو مدعٍ واحد بخلاف ذلك في أي ولاية قضائية، لسبب بسيط للغاية هو أن مزاعمه لا تتطابق مع واقع علاقاتنا التعاقدية".
في الوقت نفسه، لم تظهر لوحة "المسيح المخلّص" منذ البيع القياسي، ولكنها عادت مرة أخرى لتتصدر عناوين الصحف بعد زعم فيلم وثائقي فرنسي في أبريل/نيسان، أن اللوحة كانت محور نزاع دبلوماسي بين فرنسا والسعودية، وسط شكوك حول أصالتها وطلب المملكة عرضها في متحف اللوفر.
رغم تواصل شبكة CNN مع المملكة العربية السعودية للتعليق، لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن.
كان مسؤول فرنسي، رفيع المستوى مجهول، قد ادعى، في الفيلم الوثائقي "The Savior for Sale"، أن الأمير محمد بن سلمان كان مُصرّاً على عرض "سالفاتور موندي" بجوار "الموناليزا" من أجل ترسيخ مكانتها باعتبارها عملاً أصيلاً لليوناردو، على الرغم من الشكوك المستمرة حول ما إذا كان العمل بالكامل من تنفيذ الفنان الإيطالي الشهير.
في نهاية المطاف، قررت الحكومة الفرنسية عدم عرض اللوحة في ظل شروط السعوديين، والتي يصفها المسؤول المجهول في الفيلم بأنها "ستكون شبيهة بغسل قطعة تكلفتها 450 مليون دولار". وحتى مع ابتعاد اللوحة عن أعين الجمهور، استمر مؤرخو الفن والخبراء في مناقشة ما إذا كان "سالفاتور موندي" عمل أصيل لليوناردو أو ما إذا كان قد ساهم فقط في لوحة نُفذت بالغالب على يد ورشة العمل الخاصة به.
تلك الاحتمالات قد تؤثر على قيمتها بفارق مئات الملايين من الدولارات؛ نظراً إلى وجود أقل من 20 لوحة موثقة لليوناردو في العالم.
لكن الرسائل النصية المقدمة في الفيلم الوثائقي الفرنسي- والتي قالت شبكة CNN إنها لم تتحقق منها بشكل مستقل- يبدو أنها تُظهر بوفييه وهو يدَّعي لمساعدي ريبولوفليف أنه لا يستطيع تأمين سعر أفضل له من المبلغ الذي دفعه الروسي في النهاية.
فيما يزعم بوفييه أن أفراداً مختلفين لا يعرفهم تجسسوا عليه وتتبَّعوه. وعبّر ممثل خاص به، أطلع CNN على تحقيق خاص من 81 صفحة يبدو أنه شاركه مع المدعين العامين في جنيف، والذي يحمل الاسم الرمزي "Buldog"، الذي كان قد كلف شركة أمنية سويسرية تدعى 4CTM بإجرائه. وإضافة إلى استنتاج أن مجموعة من الرجال تعتقد الشركة أنهم بريطانيون كجزء من "عملية بميزانية ضخمة للغاية" قد تتبعوه، لم يتمكن التقرير من تحديد هوية الأشخاص.
تفاصيل درامية
كما تقول شبكة CNN إن المؤلف والمخرج السينمائي بن لويس رفع الحجاب عن الجانب القبيح لسوق الفن، وهو الذي استعرض في كتابه "The Last Leonardo" لعام 2019 تفاصيل الدراما المحيطة بـ"سالفاتور موندي" والنزاع بين بوفييه وريبولوفليف، حيث إنه أشار إلى أن أجزاء من عالم الفن اكتسبت سمعة سيئة، بسبب الطريقة التي تمارَس بها الأعمال التجارية.
بن لويس تابع: "الغموض، وانعدام الشفافية، والجشع، والتهرب الضريبي، وغسل الأموال، وخيانة الأمانة التاريخية للفن، والغش والخداع والفساد.. إلى أين ينتهي هذا؟".
إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالسرية الموجودة في جوانب معينة من عالم الفن، فإن بوفييه ليس مجرد قناة لبيع الأعمال الفنية القيّمة، فقد بنى مهنة لمساعدة الأثرياء على إخفاء الأعمال القيمة عن الأنظار. وإضافة إلى كونه مستثمراً رئيسياً في ميناء جنيف الحر، وهو مرفق تخزين ضخم عالي الأمان حيث يحتفظ هواة جمع الأعمال الفنية وصالات العرض بأعمال فنية في مستودعات ذات كفاءة ضريبية، فقد ساعد التاجر السويسري في إنشاء موانئ حرة جديدة في لوكسمبورغ وسنغافورة.
فضلاً عن ذلك، أعلن بوفييه لشبكة CNN أن روسيا أعربت أيضاً عن اهتمامها بإنشاء ميناء حر معفى من الضرائب.
أين لوحة "سالفاتور موندي"؟
في حين شكّك بوفييه في التقارير الأخيرة التي تفيد بوجود لوحة "سالفاتور موندي" على يخت محمد بن سلمان، قائلاً: "إنَّ وضع لوحة مثل هذه على يخت بهواء البحر والتبخر سيكون أمراً غبياً تماماً. لا أصدق أن المشتري سيضع هذه اللوحة في مكان كهذا (..) إنها مثبَّتة على لوح خشبي يمكن أن يتشوه في وقت قصير للغاية".
تعقيباً على ذلك، يتكهن أنطوان فيتكين، مخرج الفيلم الوثائقي الفرنسي، بأنه "ربما نراها يوماً ما في متحف اللوفر أبوظبي. من يدري؟".
لكن بن لويس يعتقد أنها يمكن أن تكون في قصر بالسعودية، جاهزة للكشف عنها -ربما قبل نهاية هذا العام- كجزء من حملة المملكة لتصنيف نفسها كمركز للفنون والثقافة. وقال: "الشيء المهم في سوق الفن هو أن وراء أجمل الأشياء غالباً ما تكمن أبشع الدوافع (..)، سالفاتور موندي تعني مُنقذ العالم. وبطريقة ما، اللوحة الآن ليست منقذةً للعالم بقدر ما هي منقذة للسعودية".