في الوقت الذي لم يكن العدوان الإسرائيلي على غزة قد انتهى بشكل نهائي ظهر الحديث عن إعادة إعمار غزة وما دمرته الحرب الإسرائيلية التي استمرت 11 يوماً وراح ضحيتها 250 شهيداً، كعنوان سياسي بارز في المفاوضات التي تجريها حركة حماس مع الأطراف ذات العلاقة بملف التهدئة.
ويبدو أن الأطروحات التي قيلت من أطراف إقليمية ودولية فاعلة في الأيام الأخيرة بخصوص ملف إعادة الإعمار، تثير بعض القلق والمخاوف في نفوس بعض الفلسطينيين في قطاع غزة.
رفض لدور السلطة
في غزة، يتصاعد قلق واضح من تكرار تجربة الإعمار بعد الحروب الإسرائيلية التي خاضتها إسرائيل ضد غزة أعوام 2008 و2012 و2014، والتي أبرمت السلطة الفلسطينية عقودها كطرف مسؤول عن إدارة والإشراف المباشر عن عملية الإعمار، فلا يزال جزء كبير من تعويضات حرب 2014 لم يتسلمه أصحابها، الذين يتهمون السلطة باختلاس هذه الأموال، التي قدمتها الدول المانحة.
كما أن سير عملية الإعمار للحرب الأخيرة صيف 2014، تم بموافقة السلطة التي رضخت للشروط الإسرائيلية، التي وضعت شرطاً بأن تجري عملية الإعمار بعيداً عن حركة حماس، وهو الشرط الذي لا يزال قائماً حتى اللحظة.
أسامة كحيل، رئيس اتحاد المقاولين في غزة، قال لـ"عربي بوست" إنهم كطرف مسؤول يرفضون أي مسوغات تقدمها السلطة الفلسطينية لتكرار تجربة الحروب السابقة، فالطريقة التي جرى عليها التوافق لا يجب أن تعاد مجدداً.
وأضاف "السلطة متهمة بأنها مسؤولة عن تأخير عملية إعادة الإعمار لحرب 2014 بسبب عدم إكمال صرف مستحقات المتضررين منذ 7 سنوات، كما أن السلطة لا تزال تحتجز إيرادات ضريبية مستحقة للمقاولين بقيمة تجاوزت 80 مليون دولار، لم يتم صرفها منذ حرب 2008-2009".
وقال إنهم يرفضون التعامل مع أي اتفاق يتم إبرامه دون أن تكون مرجعيته اتحاد المقاولين، لأن نظام (GRM) المعمول به منذ حرب 2014 بموافقة السلطة، منح فقط 100 شركة مقاولات العمل ضمن مجال إعادة الأعمار من أصل 500 شركة، نظراً لاشتراطات النظام التي أخرت إكمال الإعمار، ومن أهمها أن تأتي مواد الإعمار من الطرف الإسرائيلي حصراً دون غيره.
"هذا يعني أننا ساهمنا في تعويض الخسائر التي مُنيت بها إسرائيل في حربها، إضافة إلى ابتزاز أمني تعرضنا له كمقاولين، بسبب اشتراط إسرائيل تمرير مواد الإعمار بعد أن يدلي المقاول بمعلومات أمنية، ويصبح مجنداً كعميل لدى الشاباك، وهو ما رفضناه وكبّدنا الكثير من الخسائر"، على حد تعبيره.
تحفظ على مشاركة الشركات المصرية
وتابع أنهم يرفضون بشدة أي حديث يتم تداوله على لسان مسؤولين مصريين أن شركات مصرية هي من ستتولى إعادة الإعمار، "نحن نستطيع كمقاولين إعمار غزة في أقل من عام في حال توفرت المواد دون قيود أو اشتراطات، ولا يحق لأي طرف أن يملي علينا شرطاً بأن يتم تقاسم إيرادات المقاولين مع طرف أجنبي".
وقال "رؤيتنا أن تكون مصر أو أي طرف عربي هي المسؤولة عن توريد مواد الإعمار من حديد وأسمنت، ولكن دون جلب شركات مقاولات تعمل في غزة، وسيكون لنا موقف حازم برفض أي شكل من هذا الاتفاق".
إجمالي الأضرار
عاطف عدوان، المقرر السابق للجنة الاقتصادية في المجلس التشريعي قال لـ"عربي بوست"، إن الحرب دمرت ما يزيد عن 1500 وحدة سكنية بشكل كامل، منها 200 شقة سكنية بشكل كامل، في قصف الطائرات الإسرائيلية لأربعة أبراج، كما تضرر 13 ألفاً بدرجات متفاوتة، وتدمير كامل لمقار 33 مؤسسة إعلامية، كما تم تدمير 75 مقراً حكومياً تتبع لجهاز الشرطة والإدارة المدنية، وتدمير 68 مدرسة ومرفقاً صحياً وعيادة رعاية أولية.
وعلى مستوى المنشآت الاقتصادية والتجارية أضاف أن الحرب دمرت 300 منشأة اقتصادية وتجارية، وتم هدم كلي لـ7مصانع، وإلحاق الضرر بـ60 مرفقاً سياحياً، وتضرر 490 منشأة زراعية من مزارع حيوانية وحمامات زراعية وآبار وشبكات ري.
وتابع أنه تم إلحاق الضرر بمئات الكيلومترات من الشوارع والبنى التحتية، الأمر الذي ألحق الضرر بـشبكات البنى التحتية لخدمات المياه والصرف الصحي، وتدمير 31 محول كهرباء، وقطع 9 خطوط توصيل كهرباء بين المحافظات، وتدمير 450 سيارة ووسيلة نقل.
وكشف أن الجهات الحكومية في غزة تقوم بحصر الضرر لتقدير قيمة ما دمرته، ولكن التقدير الأولي المباشر للخسائر يتجاوز 500 مليون دولار، في حين تتجاوز الخسائر غير المباشرة المليار دولار، وهي قيمة النشاط الاقتصادي الذي توقف خلال فترة الحرب بما فيها توقف المؤسسات الحكومية عن العمل وتراجع الإيرادات المالية للحكومة.
دور مصر
كان دور مصر السياسي حاضراً خلال حرب غزة وما بعدها، فالقاهرة تجري مشاورات مكوكية مع كل الأطراف الفلسطينية الفاعلة، بما فيها حماس والسلطة الفلسطينية، حيث وصلت المخابرات المصرية إلى غزة في اليوم التالي لإبرام اتفاق التهدئة، وتلاها زيارتان أجراها وفد المخابرات ووزير الخارجية إلى مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، لبحث ملف تثبيت التهدئة وإعادة الإعمار.
أبدت مصر استعدادها للمساهمة في توفير 500 مليون دولار كمساهمة في إعادة إعمار غزة، ولكن لم تتضح بعد طبيعة هذه المساعدات، فيما إن كانت ستقتصر على دفع تعويضات أم توريد مواد الإعمار كالأسمنت والحديد واللوازم اللوجستية الأخرى.
وقال واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لـ"عربي بوست"، إن السلطة الفلسطينية هي الطرف الفاعل في الوصول لاتفاق التهدئة، وترتيبات مرحلة الإعمار، نحن نثمن الدور المصري، وكانت مباحثاتنا مع وزير الخارجية ووفد المخابرات مركزة على أننا جزء أساسي من أي اتفاق قادم، كما تمت مناقشة مؤتمر المانحين الذي أبدت القاهرة استعدادها لتنظيمه، وسنحاول الوصول لاتفاق يضمن استمرار تدفق مواد الإعمار إلى غزة بعيداً عن الاشتراطات الإسرائيلية.
تفضل كثير من الأطراف الفلسطينية أن تكون مصر مورداً لمواد الإعمار، بحيث تكون موجودة بديلاً عن إسرائيل، رغم وجود أصوات فلسطينية أخرى ترحب أكثر بدور قطر في موضوع إعادة الإعمار، وما يتعلق به من إدخال تحسينات على الحياة الاقتصادية للمواطنين في غزة.
ناجي سرحان، وكيل وزارة الأشغال في غزة قال لـ"عربي بوست"، إن هناك بروتكولات لمرحلة الإعمار لا يمكن القفز عنها، نحن نفضل مصر كطرف مسؤول عن توريد مواد الإعمار بدلاً من إسرائيل، وفي حال تم التوصل لهذا الاتفاق فقد تمنح بعض الشركات المصرية حق امتياز الحصول على مناقصات تتعلق بإعادة الإعمار، ونحن سنحاول أن نضع مطالب شركات القطاع الخاص في غزة على سلم أولويات هذا الاتفاق، لأنها جزء أساسي من هذا الاتفاق.
وتابع بالنسبة لنا فإن "التجارب السابقة لا يجب أن تعاد مرة أخرى، وأهمها أن تكون كل مركبات القطاع الخاص في غزة وحكومة غزة ممثلة بالوزارات ذات الصلة، كجزء من الاتفاق، إضافة إلى دور أطراف أخرى كقطر والأمم المتحدة، ولا يجب أن تنفرد السلطة الفلسطينية بهذا الاتفاق، دون أن تكون هنالك مرجعيات يتم الرجوع إليها لمتابعة ملف الإعمار".
الجدوى الاقتصادية
رغم إبداء مصر حضورها السياسي في حرب غزة، فإن قدرتها على القيام بمهمة إعادة الإعمار قد تصطدم ببعض المعوقات، وأهمها أن المعبر الرابط بين غزة ومصر هو مخصص لنقل حركة الأفراد، وليس مهيأً لتوريد شاحنات كبيرة، كمعبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة الواصل مع إسرائيل.
محمد أبو جياب رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية من غزة قال لـ"عربي بوست" إن هناك امتيازات قد تتحقق في حال جرى التوافق على قيام مصر بمهمة توريد المواد الخام، من ناحية انخفاض تكاليف مواد الإعمار بنسبة 20% مقارنة بالسعر المقدم من إسرائيل، ولكن هذا سيتطلب إجراء توسيعات أكبر في معبر رفح، كما أن الوقت المحدد لوصول مواد الإعمار من السويس أو القاهرة سيستغرق مدة أطول مقارنة بالمواد القادمة من إسرائيل.